واشنطن وتصنيع الإرهاب.. و«الحلفاء».. بقلم: تحسين الحلبي

واشنطن وتصنيع الإرهاب.. و«الحلفاء».. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٨

يكشف عضو كونغرس في دورتين سابقتين ومدير مكتب الرئيس الأميركي لشؤون الإدارة والميزانية في عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، ديفيد ستوكمان، أن الإدارة الأميركية قررت «إحكام قبضتها على دول النفط في الشرق الأوسط وخصوصاً في الخليج بعد أن وضع وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر مخططاً لهذا الغرض بعد حرب تشرين الأول عام 1973 وأزمة النفط التي تولدت عن حظر الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز للنفط في ذلك الوقت»، ووضع في هذه الاستراتيجية مهمة «حماية ممرات النفط في الخليج لزيادة السيطرة ونشر القوات الأميركية هناك، وفي عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب كان كيسنجر قد أقنع مجلس الأمن القومي الأميركي والرئيس بوش نفسه أن «أمن النفط بعد عام 1991 أصبح خطراً جداً وأن هذا الخطر سيجبر الجيش الأميركي على نشر 500 ألف من الجنود في رمال السعودية والخليج ويجب وضع خطة تتجنب فيها واشنطن بعد حربها على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين استخدام الأميركيين.
وكانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت تعد نفسها مسيطرة على أموال دول نفطية كثيرة في المنطقة ما عدا العراق بعد عام 1991 وليبيا وإيران الذي فقدت سيطرتها فيه بعد سقوط الشاه عام 1979 وأن أموال النفط التي تملكها هذه الدول يمكن أن تستخدم لدعم استقلالها وتقديم دعمها لدول أخرى مناهضة للسياسة الأميركية مثل سورية والمنظمات المسلحة للمقاومة على غرار المنظمات الفلسطينية واللبنانية وخصوصاً حزب الله، ففرضت على صدام عقوبات «النفط مقابل الغذاء» وعلى ليبيا حصاراً كبيراً، وبدأت تعد حروباً تحريضية على إيران باسم «الهلال الشيعي».
ويبين، ستوكمان، أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن أكملت احتلال العراق عام 2003 ونقلت 26 ألفاً من الأسرى والسجناء من جنسيات كثيرة إلى مركز «معسكر بوكا»، واستنسخت منهم قادة من الإسلاميين المتشددين الذين أصبحوا من قادة القاعدة وداعش فيما بعد مثل أبو بكر البغدادي وأبو مسلم التركماني وحاجي بكر وأبو محمد الجولاني الذي قاد القاعدة في سورية، وأبو أيمن العراقي.
تحولت الحرب في العراق وسورية بشكل خاص بتخطيط أميركي معد مسبقاً، إلى حروب مذهبية وطائفية يشبه فيها، ستوكمان، دور هذه المجموعات الإرهابية بـ«مصاص الدماء فرانكشتاين» ولكن بتوليفة للمصلحة الأميركية، في لعبة انتشرت فيها القوات الأميركية في منطقة دول الخليج كقوة مشرفة على ما تقوم به منظمات القاعدة وداعش وجبهة النصرة من عمليات لمصلحة الولايات المتحدة وبهدف السيطرة على أموال نفط العراق وإيران وليبيا والنفط الموجود في سورية بشكل خاص.
ويوضح، ستوكمان، أن الإدارة الأميركية وضعت خطة تغيير الأنظمة المناهضة لها والمرشحة لمناهضتها لتقودها أكثر المنظمات الإسلامية المتشددة شراسة وتطرفاً مذهبياً ودينياً، لكي تتولى هي، أي الولايات المتحدة، بعد تدمير هذه الدول بالسيطرة عليها في المرحلة الثانية وهذا ما دفعها إلى إرسال وحدات قليلة إلى ليبيا وإبقاء عشرات الآلاف من وحداتها في العراق، وإلى إرسال وحدات قليلة أيضاً إلى شمال شرق سورية، بانتظار ما سوف تحققه لمصلحتها داعش وجبهة النصرة في العراق وسورية.
يستنتج، ستوكمان، أن الإدارات الأميركية فشلت في النهاية ولم تستطع بعد سنوات حرب «تغيير الأنظمة» المحافظة على ميزان القوى الذي كان موجوداً قبل هذه الحرب رغم كل ما خلفته من دمار وضحايا.
وهذا يعني بمفرداتنا العربية أن سورية وحلفاءها وانضمام العراق بشكل من الأشكال إلى المحافظة على قرارها المستقل عن واشنطن، تمكنوا من أن يقلبوا «السحر على الساحر» الأميركي الصهيوني وحلفائه في عدد من الدول العربية، وها هي نتائج هذه الحرب تسير نحو تفتت التحالف الإقليمي الخليجي الذي سخرته واشنطن لدعم رجالها من، معسكر بوكا، الذي أعدت فيه بموجب وثائق الكونغرس والمخابرات الأميركية آلاف القادة من القاعدة وداعش و«النصرة» من عراقيين وسوريين وليبيين وأجانب.
يعترف، ستوكمان، قائلاً: «إن خطر الإرهاب الذي تولد عن الحرب المذهبية هو من صنع واشنطن بالذات، واشتد نتيجة الدور الأميركي في سياسات المنطقة والقصف الأميركي من طائرات بلا طيار في دول جعلتها واشنطن معادية لها».
في النهاية، بدأت الأطراف التي تحالفت مع واشنطن في هذه الحرب تزداد أزماتها الداخلية والخارجية أكثر فأكثر على حساب مصلحة شعوبها وثرواتها ومستقبل أجيالها، كما بدأت شعوبها تدرك بشكل متزايد أن دورها الغائب هو الذي يعرضها لكل هذا الخراب والضياع الذي يحمله لها حكامها.