النووي الإسرائيلي وخطره الماثل على العالم.. بقلم: د. يوسف جاد الحق

النووي الإسرائيلي وخطره الماثل على العالم.. بقلم: د. يوسف جاد الحق

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٨

فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي امتدت زهاء نصف قرن من الزمن توترت فيها العلاقات بينهما، على أكثر من صعيد وفي أكثر من مكان. فما الذي حال دون الاشتباك في حرب نووية بين الدولتين الأعظم في ذلك الزمن، على الرغم مما حفلت به من تأزمات واحتكاكات بلغت حافة الهاوية حيناً، بحسب نظرية جون فوستر دلاس وزير الخارجية الأميركية في عهد الرئيس داويت أيزنهاور، وحيناً حدَّ المواجهة كما في أزمة الصواريخ الكوبية، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جون كندي والزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، وقبل ذلك في الحرب الكورية في أوائل خمسينيات القرن الماضي حينما اقترح الجنرال ماك آرثر الأميركي قصف الحشود الصينية بالقنابل الذرية، بسبب مشاركتها ودعمها لكوريا الديمقراطية حليفتها الشيوعية؟
لم يكن هناك غير سبب واحد حال دون وقوع مثل تلك الحرب هو «عامل الردع النووي» نتيجة توازن في القوة النووية، ذرية كانت أم هيدروجينية أو نيترونية، وهذه الأخيرة تعرف بالنظيفة! لأنها تقتل البشر وتبقي على الشجر والحجر! من ثم، فهي نظيفة ومحترمة أيضاً!
هو إذاً سلاح رادع عندما تملكه قوتان متعاديتان، ولكنه في الوقت نفسه سلاح يغري بالاستخدام العدواني المتغطرس عندما تملكه جهة ما، ولا تملك مثله من هي في مواجهتها، كما هو واقعنا عرباً ومسلمين مع العدو الإسرائيلي.
هنا يرد على الذهن سؤال محير ومثير للعجب هو: كيف يستطيع العرب والمسلمون الركون إلى الطمأنينة والشعور بالأمن، وكأنه ليس هناك ما يزيد على أربعمئة قنبلة نووية، في ترسانة إسرائيل، تحوم فوق رؤوسهم في وقت لا يملك هؤلاء رادعاً نووياً يقيهم هذا الخطر المحتمل في ظرف قادم؟
مما لا يقل غرابة عن هذا هو أن هؤلاء ما إن تواجه إحدى دولهم اتهاماً بمجرد التفكير بالاقتراب من الذرة، ولو من أجل الاستخدام السلمي لها، حتى تبادر فَزِعةً إلى التنصل، ودحض الاتهام، وكأنها ضبطت متلبسة بجريمة تستدعي التوبة والاستغفار!
هل معنى هذا أنهم، العرب والمسلمون، يسلّمون بأنهم بالفعل محظور عليهم، وحدهم دون غيرهم، الاقتراب من مجرد التفكير في امتلاك هذا السلاح دفاعاً عن أنفسهم إزاء خطر ماحق وماثل يتهددهم في كل آن، أو حتى لمجرد تحقيق توازن للقوة كعامل للردع؟
هل معنى هذا أنهم يمنحون إسرائيل مجاناً، مشروعية امتلاك هذا السلاح، من دونهم ويقرون احتكارها له، فيأخذون المسألة على أنها مسلّمة لا تقبل النقاش؟
من ذا الذي يملك الحق في فرض هذا المنطق عليهم في أدق مسألة تتعلق بوجودهم ذاته على ظهر هذا الكوكب؟
كيف رضوا، ما عدا قليلاً منهم كإيران وسورية، بالتوقيع على معاهدات «حظر التسلح النووي» على حين امتنعت إسرائيل عن ذلك، متحدية المجتمع الدولي برمته، ثم لا يجرؤ أحد على لومها أو حتى مجرد السؤال عن ترسانتها النووية؟
لقد قامت إسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، أي قبل أكثر من ثلاثٍ وثلاثين سنة من الآن، تحسُّباً لاحتمال أن يمتلك العراق سلاحاً نووياً يهدد أمنها، مجرد احتمال لم يتحقق فعلاً فيما بعد، وإسرائيل اليوم تعلن، جهاراً نهاراً، أنها على وشك القيام بالعمل نفسه حيال إيران تحت عنوان «الحرب الاستباقية»، لإجهاض أي مشروع، بل أي «نية» في هذا المضمار للقضاء عليها في مهدها.
أكثر من هذا فهي قد قامت وتقوم الآن وبمشاركة وتسهيلات أميركية، باغتيال العشرات من علماء العراق وبلغ عددهم مئة وخمسين عالماً، كما سبق لها أن اغتالت العَالِمين المصريين، يحيى المشد وناديا موسى، وغيرهما، في أوروبا وأميركا، وهاهي ذي أخيراً تغتال علماء إيرانيين.
إلى هذا الحد تحرص إسرائيل على أمنها وتتحسب لمستقبلها، فأين العرب والمسلمون من هذا كله؟ مع أن كتابهم يأمرهم بإعداد القوة لمن يبغي الاعتداء عليهم بمثل اعتدائه، ومثل وسائله وأدواته، فما بالنا بمن يمارس العدوان اليومي عليهم منذ عقود؟
كما إننا نرى كيف أن أميركا تخشى، صادقة أو كاذبة، امتلاك كوريا الديمقراطية، البعيدة عن شواطئها نحو تسعة آلاف كيلومتر، لمثل هذا السلاح، وهي تعلم أن كوريا لا تملك القدرة على تهديدها، لضعف محصولها من هذا السلاح من جهة، ولعجزها عن القدرة على امتلاك وسائل حمله إلى أراضيها من جهة ثانية.
تتحسب أميركا لاحتمال على هذا القدر من الضعف والوهن، بينما لا يأخذ العرب والمسلمون، على محمل الجد، خطراً حقيقياً، شديد الاحتمال، من عدو لا تصده شرائع ولا قوانين ولا أخلاق، هو في حالة اشتباك دائمة معهم وفي حرب معلنة، على مسمع ومرأى من العالم الصامت عن سائر اعتداءاته ومذابحه وجرائمه، على مدى خمسٍ وستين سنة بالتمام والكمال.
ألا نرى إلى هذه الحرب المحتدمة الأوار، بل المسعورة من الغرب وإسرائيل على برنامج إيران الذري السلمي، لا لشيء إلا لأنهم يريدون سائر العرب والمسلمين مجردين من مثل هذه القوة، فضلاً عن رغبتهم الخبيثة في ألا يكون لدى هؤلاء من التكنولوجيا والعلم ما يؤهلهم للوقوف على قدم المساواة مع بقية أمم العالم المتقدم، في هذا المضمار وغيره من فروع العلم والمعرفة، وخاصة التكنولوجيا؟
غير أن الأكثر إدهاشاً أن العرب والمسلمين، حتى بعد أن تبرّع، مردخاي فعنونو، بكشف أسرار سلاح إسرائيل النووي، مضحياً بثمانية عشر عاماً من عمره سجيناً، لبثوا مصرِّين على صمتهم وإقرارهم بما هو عليه الحال، مكتفين بـ«لا حول ولا قوة..» و«حسبنا اللـه ونعم الوكيل»! وكأن المسألة قدر لا مفر منه، ولا سبيل إلى الوقوف في وجهه حماية لوجودهم الراهن ذاته.
صورة هزلية أخرى، لا أخيرة، تلك هي حكاية الدكتور العربي رئيس وكالة الطاقة الذرية في حينه، محمد البرادعي، الذي صال وجال في كل من العراق وإيران بحثاً عن «الاحتمالات» و«النيات» في هذه المسألة، ولكنه عندما زار إسرائيل وعرف الكثير عن قنابلها النووية والهيدروجينية فضلاً عن مفاعلاتها الخمسة التي تهدد سلام المنطقة، لم تصدر عنه سوى غمغمة غير مفهومة، وتأتأة خجول لا تفصح عن شيء، ثم يرحل عنها مكتفياً من الغنيمة بسلامة الإياب، والنجاة من تهمة «اللاسامية»، وربما احتمال الاغتيال لو صدر عنه غير ذلك، ترى خدمة لأي مسرحية زار إسرائيل إذاً؟
أما «أصدقاء بعضهم» الأميركيون الذين يخوضون الحروب نيابة عن «إسرائيل»، في كل مكان تشير إليه إسرائيل بسبابتها، كمصدر لاحتمال قد يمس أمنها بعد مئة عام أو حتى يوم يبعثون، فإجاباتهم الجاهزة عندما يُسألون عن أسباب الكيل بمكيالين أو أكثر، في هذه المسألة، هي أن إسرائيل في حالة «دفاع عن النفس»! وبالسلاح الذري أيضاً! يقولون هذا وهم يعرفون أن إسرائيل هي مصدر الخطر والعدوان على كل نفس في المنطقة، وأن هؤلاء الذين تزعم أنهم مصدر خطر على أمنها، بالكاد يملكون القدرة على مواجهة اعتداءاتها، دفاعاً عن أنفسهم بسلاح تقليدي، فهي حتى في مضمار هذا السلاح يجب أن تظل متفوقة عليهم مجتمعين ومنفردين، تبريراً لمواقفهم أنها لم تستخدم هذا السلاح حتى الآن.
هم إذاً ينتظرون استخدامه أولاً لكي يقولوا كلمة في المسألة! ثم من ذا الذي يضمن ألا تقوم به اليوم أو غداً؟ نذكر أن إسرائيل وضعت طائراتها على المدرجات محملة بالقنابل النووية إبان حرب عام 1973 لضرب كل من سورية ومصر، في عهد سيئة الذكر، رئيسة وزراء العدو يومئذ، غولدا مائير، لولا أن الرئيس نيكسون منعها من ذلك خشية ردة فعل سوفييتية، واعداً إياها في الوقت نفسه بالمشاركة في تلك الحرب. ثم منفذاً وعده، بإقامة جسر جوي يحمل لها الدبابات التي نزلت في سيناء بشحمها من مستودعات الجيش الأميركي، ثم أسعفها بمبعوثه هنري كيسنجر، اليهودي فكراً وانتماء، لإكمال المهمة. وكان الثمن اتفاق «كامب ديفيد» الكارثي على الأمة العربية بعزل مصر عنها وتحييدها عن الصراع مع العدو والمطالبة والسعي لتحرير فلسطين.
إذاً هم يقرون ضمناً بأن احتمال استخدام إسرائيل للسلاح النووي قائم في كل حين، وهم يعرفون أن حكاماً لإسرائيل أمثال أفيغدور ليبرمان وايهود باراك وبنيامين نتنياهو يمكنهم إيجاد الذرائع ولن يردعهم شيء عن استخدام ذلك السلاح، بل إن ليبرمان دعا يوماً إلى ضرب السدّ العالي في مصر بالقنابل الذرية ولم تحرك إدارة الحكم في الشقيقة مصر ساكناً في عهد حسني مبارك.
ولكن ألا يخشى الغرب وأوروبا خاصة، عواقب تلك المجازفة المجنونة، حتى لو أنهم لم يحسبوا لما يحل بنا نحن أي حساب؟ ألا يخشون ما سوف يصيبهم هم من انتشار إشعاعات نووية قاتلة ومدمّرة للحضارة الغربية؟ فأي هيمنة عجيبة لإسرائيل عليهم؟
ما جدوى معاهدات عدم انتشار السلاح الذري المفروضة على طرف واحد عندئذ؟ الطرف الذي لا يملك هذا السلاح أصلاً، على حين يبقى من يحوزه حرّاً طليقاً يتصرف كيف يشأ؟
ألم تظهر الإحصائيات والاستفتاءات التي جرت مؤخراً في أوروبا بأن 75 بالمئة يرون أن إسرائيل خطر على السلم العالمي؟ فماذا ينتظر أولئك إذاً؟
إن واجبنا الإنساني، نحن قبل غيرنا، تعريف العالم، بشتى الوسائل ولاسيما وسائل الاتصال الاجتماعي، وبالبذل من دون حدود، وبلا هوادة، بهذه الحقائق، قبل أن يحلَّ الدمار على أيدي تلك الطغمة، ليس بمنطقتنا وحدها، بل في سائر أرجاء الأرض، أي مصير البشرية قاطبة.
أطلقوها صرخة مدوية تصك آذان الغافلين والعارفين الصامتين على حدٍّ سواء: إسرائيل، خطر علينا وعليكم جميعاً فبادروا إلى لجمها قبل فوات الأوان.