تفكير المسؤول بين المؤسساتي والشخصي والمواطن ..!؟.. بقلم: سامر يحيى

تفكير المسؤول بين المؤسساتي والشخصي والمواطن ..!؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨

في لقاءٍ مع مسؤولٍ في دولةٍ عربية يتحدّث فيه عن الفساد، وانتشاره لدى الغالبية العظمى من مسؤولي بلده، وأنّ الشخص عندما يعود إلى منـزله يسأله أهل بيته ماذا أحضرت معك؟! وليس كيف أحضرت هذا! ويتم تقييم عمله بمقدار الهبات والهدايا التي يقدّمها تحت شعار "اِطعم الفم تستحِ العين"، وتحدّث شخصٌ آخر عن أنّه أثناء لقاء مسؤولٍ وصلته هديّة فكان تساؤله، إنّها بسيطةٌ جداً قياساً لدخله...
للأسف هذه هي حقيقة بتنا نسمعها لدرجة بات هناك انفصالاً بين المسؤول والمواطن، بين المسؤول ومؤسسته، فبات يعتبر الهدية (سواءً رشوة علنية أو مستقبلية) حق له، ولا يتساءل عن هدف الهديّة، والغالبية من هؤلاء قادرٌ على ادّعاء النـزاهة والشرف والأخلاق، وحديثهم يقنعك بأنّ لولاه لسقطت البلد، وأنّ ما يقدّمه للبلد أضعاف ما قدّمه له البلد، ويقارن بين مرتّبه والمزايا الممنوحة له مع مزايا المسؤولين في الدول الأخرى، ويتّخذ القرارات انطلاقاً من نظرياتٍ تعلّمها أو دراسة قُدّمت له من أحدهم، أو رغبةً شخصانية لأنّه سمع بها في دولةٍ أخرى أو من أصحاب المصالح، ولكن لم يضع بحسبانه الإمكانيات والموارد والقدرات المادية والبشرية والوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المواطن العربي السوري. 
فهذا ليس تفكير رجل دولةٍ، أو تفكيرٌ مؤسساتي، إنّما تفكيرٌ شخصاني تحت غطاء المؤسسة التي ينتمي إليها، بعيداً عن كلامه وكلام المتملّقين له بأنّ تفكير الدولة غير تفكير المواطن، متجاهلين أنّ الدولة هي المواطن، والحكومة ومسؤوليها هي جزءٌ من خدمة الوطن والمواطن، وبالتالي تفكيرهم يجب أن يكون نابعاً من تفكير المواطن وتحويلها، سواءً كان مثقفاً صاحب فكرةٍ أو مواطناً صاحب حاجةٍ، لعملٍ تطبيقي على أرض الواقع بأفضل السبل، وأقصر الطرق، وأسرع وقت، ضمن إمكانيات وموارد الوطن وقدرات هذا الشعب، وبالتالي يستطيع تحقيق الهدف المنشود منه، وهنا نقول تفكير مؤسساتي، أو تفكير رجل دولة، ما عدا ذلك فهو تفكيرٌ شخصاني يضرّ بالوطن والمؤسسة والمواطن تحت شعار تفكير المؤسسة غير تفكير الشخص، والنجاحات ما هي إلا سيرورة الحياة ووجود الشرفاء المخلصين كلٌ من مكانه.. 
المؤسسة لا يمكن أن تبتعد عن المواطن، أو فكره ورؤيته، ودليلنا أن القيادة السياسية تحوّل نبض الشارع والمبادئ الثابتة وتسير في ضوئها وعلى نهجها في تعاملاتها السياسية والدبلوماسية الدولية بما يساهم بالحفاظ على كرامة وقدسية واستقلال القرار السياسي، ويصبُّ بمصلحة الوطن ككل دون تمييزٍ بين أبنائه، وأن المؤسسة العسكرية بكلّ قواها، تقوم بواجبها بالدفاع عن قدسية تراب الوطن، وتحريره من رجس الإرهاب، بعيداً عن التفكير الشخصاني المصلحي، وهذا ما تحتاجه بقية المؤسسات الاستفادة من هذه الثوابت والمبادئ الوطنية الراسخة لكي تؤدي الدور المنوط بها، والتفكير بمصلحة الوطن لتتمكن من النهوض والسير بالتوازي على خطا الانتصارات المتتالية سياسياً وعسكرياً، ليكتمل الانتصار اقتصادياً واجتماعياً وتوعوياً، وصولاً لإعادة إعمارٍ جديّة سريعةٍ لا متسرّعة للبشر والحجر بآنٍ معاً، وتلقائياً سيزداد الإنتاج ويتضاعف. 
لا يقلّ دور مؤسسة عن أخرى، ولكن بطبيعة الموضوعات نقول بأن المؤسسة التربوية المفترض عليها أن تقوم بتأهيل جيلٍ يقدّم أبحاثٍ ومشروعات ضمن الحرم المدرسي بمشاركة الطالب والمدرس، والانتقال من مرحلة التلقين لمرحلة التعليم والإرشاد والتأهيل للمرحلة الجامعية، وبالتالي إعداد جيلٍ يحمل ثقافةً وفكراً وأخلاقاً سامية، وليس تعقيداً للأهل والطلبة بآنٍ معاً وفتح المجال لمنتهزي الفرص سواء الدروس الخصوصية أو صانعي المشروعات المدرسية وتكليف الأهالي نفقاتٍ كبيرة، لو استفدنا منها بالشكل الصحيح لتحوّلت لطرقٍ أكثر فاعلية ونجاعةً، ونستطيع رفع مستوى الأداء التربوي مادياً ومعنوياً بآنٍ معاً، بالتعاون والتضافر بين الأهل والمؤسسة التربوية، ويكون دور المؤسسة التعليمية تحقيق التكامل العلمي العملي، بعيداً عن التفكير المادي السطحي، أو اللهاث وراء علامةٍ هنا ونجاح هناك، ليكون الجيل جاهزاً للانطلاق في العمل لبناء بلده وتطويره وتحقيق الهدف الأسمى منها.
إن بعد المواطن عن المؤسسات، لا يتحمّل مسؤوليته المواطن، وسوء فهم المواطن للمسؤولين وتصريحاتهم وتمكّن الآخرين من التأثير السلبي على المواطن ليقف ضد بعض مسؤوليه، أو يأسه من أي تغيير حاصل، وهذا الضعف لا سيّما في ظل انتشار المعلومة، وتأويلها، تتحمّله المؤسسة نفسها، لا سيّما أن المؤسسة الإعلامية المفترض أنّ لديها ذراع بكل مكان، عدا عن أن القنوات التلفزيونية المفترض أن تكون متعاونةً متضامنة كل ضمن تخصصها واختصاصها لا متنافسةً متكررّة، وبالتنسيق والتعاون مع المكاتب الإعلامية ببقية المؤسسات، نستطيع إيجاد أفضل الصيغ والسبل للتكامل والتعاون والتعاضد للخروج بالصيغة الأمثل التي تستقطب الشارع، والقضاء على الجفاء بين المواطن ومؤسساته، وكما يقال لا يوجد شيءٌ يرضي الجميع، ولكن عند وجود إعلام وطني حقيقي نستطيع جسر الهوة، ويكون المواطن جزءاً أساسياً من بناء وطنه، ولا سيّما لدينا أمثلةٌ كثيرةٌ جداً عن حيوية الشعب العربي السوري وقدرته على التأقلم مع أحلك الظروف، وفي كل الأمكنة التي يوضع فيها ويبدع بكل ما يستطيع، وما يحتاجه هذا الشعب مؤسساتٌ تساهمه لاستخراج هذا المارد القادر على العطاء والإبداع، وتشجّعه على العطاء والعمل.
إنّ التكامل المؤسساتي مع المواطن، هو أولى خطوات الإصلاح الإداري الجديّ، الذي لا يحتاج لمددٍ زمنية طويلة، فقط دراسة ما حصل وكيفية الخروج منه، والالتزام بتوجيهات القيادة السياسية ممثلّة بالسيد رئيس الجمهورية، فكلٌ خطابٍ بحدّ ذاته يعتبر برنامج عملٍ حقيقي واضح لا يحتاج لترجمةٍ ولا شرحٍ، إنّما البدء الجدي بعملية تنفيذية تطبيقية على أرض الواقع ... وبالتالي نصل للهدف الذي تنشده كافّة مؤسساتنا، ويصبح تفكير المؤسسة كتفكير المواطن.