تركيا والعرب والأسد المنتصر.. بقلم: عباس ضاهر

تركيا والعرب والأسد المنتصر.. بقلم: عباس ضاهر

تحليل وآراء

الخميس، ١٠ يناير ٢٠١٩

كل يوم جديد يُظهر معه حجم الخسائر التي تركها قرار الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بالإنسحاب العسكري من ​سوريا​. بالنسبة الى كل العواصم التي ناهضت دمشق، فإن خروج القوات الاميركية يسمح للرئيس السوري ​بشار الأسد​ أن يبسط سيطرة الجيش السوري على مساحات البلاد المتنامية الاطراف. لكنّ الادارة الأميركية استخدمت الخروج عنوانا لإقناع دول عربية أن قرار الإنسحاب يصبّ في مصلحتهم الاستراتيجية، بإعطاء شرعية لاخراج القوات الاجنبية، التركية والايرانية. وحدها ​اسرائيل​ لم تقبل التبرير الترامبي، وبقيت تدّعي ان “​حزب الله​” يثبت وجوده في هضبة الجولان، بغض النظر عن وجود أو انسحاب الإيرانيين.
جاء كلام الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​ ليعكس حجم القلق من الانسحاب الأميركي، بعدما سارع الأسد الى منع الإنقضاض التركي على الكرد، ودخول الجيش السوري مدينة منبج شمال البلاد. فَهم اردوغان ان دمشق لا يمكن ان تقبل بترك المنطقة للأتراك. بينما كان الكرد يمدّون الأيدي الى جيش بلادهم، ويرون بالاسد مخلّصهم من مطامع الأتراك، الذين وجدوا في موسكو الوجهة للبحث مع الروس عن حصة في سوريا: ما هي؟ وكيف؟.
بحسب المعلومات، سمع الوفد التركي الذي زار موسكو في نهاية الشهر الماضي كلامًا مفاده: أولاً، لا تنازل عن مساحات تواجد الكرد شمال سوريا. ثانياً، تجهيز السوريين والروس لمعركة حاسمة في إدلب.
كانت تلك ثوابت سوريّة تتبنّاها ​روسيا​، لكن موسكو ابدت الانفتاح الكلّي على التعاون مع أنقره إنطلاقاً من تلك الثوابت. فأعلن الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ أن “هناك مهمة حاسمة لروسيا وتركيا في حل الصراع في سوريا”.
تعود رغبة موسكو بالتعاون مع انقره لاسباب عدّة، أساسها ألاّ قدرة على الحسم في شمال سوريا من دون تعاون مع الاتراك، والأهم هو البعد الاقتصادي، بعدما تم تدشين انبوب الغاز بين روسيا وتركيا، تحت البحر، الذي سيمتد الى اوروبا.
وكان بوتين اظهر حسن النية تجاه اردوغان، عندما هددت أنقره بتوسيع نفوذها حتى شرق نهر الفرات، بينما كانت واشنطن تقف بوجه خطوات الاتراك في التعامل مع الكرد.
تخفي المستجدات استعدادا تركيا على التعامل مع الواقع السوري، خصوصا ان الخليجيين العرب اعلنوا صراحة رغبتهم في احتضان سوريا من اجل مواجهة المشاريع التركية-الإيرانية. واذا كانت طهران لا تملك مشروعا توسعيّا ضخما في سوريا، بإستثناء تواجد حليفها “حزب الله”، فإن الخليجيين يخشون من مخططات الأتراك بعد تمدّد العلاقات بين انقره وموسكو، والتعاون الاقتصادي-السياسي حول سوريا. ولا يستبعد المطّلعون ان يقوم اردوغان قريبا بتغيير موقفه من الاسد، وأن يعقد مع نظامه اتفاقيات عسكريّة: لا قبول بإقليم كردي مستقل. وإقتصادية من خلال مشاركة أنقره بعملية الاعمار في شمال سوريا بإشراف روسي، واعادة ​النازحين السوريين​ الى قراهم.
قد يتم الامر خلال الاشهر القليلة المقبلة، بإخراج روسي ودفع ايراني. لكن هل يؤثر ذلك على الاندفاعة العربية نحو دمشق؟.
تعي العواصم العربية ما تحضّر له موسكو بشأن الاتراك، ولذلك قرّرت تلك العواصم بمباركة أميركيّة الوصول الى دمشق، ومحاولة استمالة الأسد واقناعه بعدم التصالح مع الأتراك، لأن اردوغان يتبنى “الاخوان المسلمين” ولا يمكن الوثوق بخطواته المستقبلية.
بالتأكيد ان دمشق ستكون محطة الجذب لمحورين: الخليج العربي من جهة، والأتراك ومعهم قطر من جهة ثانية. سيحاول الخليجيّون التصالح مع دمشق ودعمها ماديّا، كما هي الآن خطوة اعادة اصلاح مطار دمشق الدولي والاستعداد الخليجي لتزويد السوريين بطائرات مدنيّة، على شكل هبة او مساعدة.
ستجد سوريا نفسها هدفا للهجوم العاطفي الجديد، الذي بدأ من قبل العواصم العربية، ولن يقف الامر عند فتح سفارات او اعادة علاقات، بل سيتطور الى حدّ التفاخر بالسباق لإعلان الودّ والدعم المفتوح اللامحدود خلال الزيارات الى الشام، وانسجاما مع ما قاله ترامب عن تمويل ​السعودية​ لاعادة اعمار سوريا.
انها المرحلة الآتية: مصالحات سياسية واتفاقيات اقتصادية بأبعاد استراتيجية، فكيف سيتصرف الاسد المنتصر؟. هذا هو السؤال الذي يسود في تلك العواصم.
النشرة