ماكرون بعد الجولة العاشرة لـ«السترات الصفر»: ديغول أم لويس السادس عشر؟.. بقلم: عثمان تزغارت

ماكرون بعد الجولة العاشرة لـ«السترات الصفر»: ديغول أم لويس السادس عشر؟.. بقلم: عثمان تزغارت

تحليل وآراء

الاثنين، ٢١ يناير ٢٠١٩

نجاح الجولة العاشرة من احتجاجات «السترات الصفر» عصف باستراتيجية «النقاش الكبير» الماكرونية الهادفة إلى احتواء الحراك. وبات أنصار الرئيس، قبل خصومه، يطرحون علامات استفهام بالغة التشاؤم: هل سيواجه مصير ديغول بعد انتفاضة أيار/ مايو 1968، أم لويس السادس عشر غداة ثورة 1789؟
لم تكن الجولة العاشرة من احتجاجات «السترات الصفر»، التي استقطبت أول من أمس السبت نحو 84 ألف متظاهر في مختلف المدن والمناطق الفرنسية، مجرد محطة أسبوعية عادية ضمن فصول الحراك المعادي لـ«الإصلاحات» الماكرونية، المستمر منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. فقد جاء هذا الموعد الاحتجاجي العاشر في ختام أسبوع حافل من المساعي الحكومية، ضمن الاستراتيجية الهادفة إلى احتواء غضب «السترات الصفر». وكانت أولى محطات هذه المساعي «الرسالة إلى الفرنسيين»، التي دعا فيها الرئيس ماكرون إلى «نقاش كبير» حول أسباب الأزمة التي تعصف بفرنسا وسبل تجاوزها، معلناً فتح «دفاتر مطلبية» على مستوى المجالس المحلية في مختلف البلديات الفرنسية، للسماح للمواطنين بالتعبير عن شكاواهم ومطالبهم، تمهيداً للنقاش الوطني الكبير الذي سيدوم نحو ثلاثة أشهر. وضمن هذا السياق، بادر ماكرون إلى إطلاق سلسلة من «النقاشات التمهيدية» بينه وبين رؤساء البلديات في مختلف المناطق الفرنسية، وافتتحها بجولتين نقاشيتين خلال أسبوع واحد، في بلدة غراند بورغتيرولد (مقاطعة نورماندي)، ثم في سوياك (جنوب غرب البلاد)، حيث واجه ماكرون أسئلة نحو 600 منتخب محلي في نقاشات ماراتونية امتدت لأكثر من سبع ساعات.
التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها تلك النقاشات سمحت لماكرون بوقف النزف الحاد في شعبيته، لكن الجولة العاشرة من الاحتجاجات سرعان ما عصفت ببارقة الأمل، التي كان الفريق الحكومي يأمل أن تشكل منطلقاً لتجاوز الأزمة. فقد بيّن استطلاع للرأي أُجري أمس الأحد أن 70 في المئة من الفرنسيين لا يثقون في صدقية «النقاش الكبير» الماكروني، ولا يعتقدون بأنه قادر على احتواء غضب «السترات الصفر». هذه الانتكاسة السريعة لـ«النقاش الكبير» دفعت المحللين إلى مقارنة الوضع الذي يواجهه ماكرون الآن بالمأزق الذي واجهه الجنرال ديغول، بعد الخطاب الشهير الذي ألقاه في 24 أيار/ مايو 1968. على غرار مقترح «النقاش الكبير» الماكروني، الذي رد عليه أصحاب «السترات» بمزيد من التجنيد في الجولة العاشرة من الاحتجاجات، كانت ردة فعل طلبة أيار/ مايو 1968 على المقترح الديغولي إجراء استفتاء شعبي، عكسية تماماً. فقد تلت خطاب الجنرال «ليلة متاريس» ثانية شهدت مواجهات أكثر راديكالية من «ليلة المتاريس» الأصلية (13 أيار/ مايو 1968)، التي كانت بمثابة الشرارة التي سمحت للانتفاضة بالخروج من الإطار الطلابي الضيق لتتحول إلى ثورة شعبية، بعد إعلان الإضراب العام لعمال المصانع.
فشلُ مقترح الاستفتاء الذي طرحه «الجنرال العجوز» في نزع فتيل انتفاضة أيار/ مايو 1968 جعلَ أركان الحكم الديغولي تهتز بلا رجعة، واضطُر ديغول، بعد أسبوع واحد، إلى الاستجابة لمطلب حلّ البرلمان في 30 أيار/ مايو 1968. وكان ذلك بداية سلسلة طويلة من النكسات أفضت به إلى الاستقالة، بعد الفشل المدوي الذي مُني به في الاستفتاء الشعبي الذي أُقيم في نيسان/ أبريل 1969. أنصار ماكرون يخشون أن يواجه زعيمهم الشاب المصير ذاته، بعدما فشل مقترحه إقامة نقاش وطني كبير في نزع فتيل احتجاجات «السترات الصفر»، على رغم الدعاية السياسية والإعلامية الواسعة التي واكبته. وقد كان لافتاً أن الانتقادات الموجهة لاستراتيجية ماكرون وحكومته لم تعد تقتصر على المعارضة، بشقّيها اليساري واليميني المتطرف، بل امتدت إلى معسكر اليمين التقليدي الذي كان موالياً له حتى الآن.
ضمن هذا السياق، فاجأت أسبوعية «لوبوان»، كبرى الصحف اليمينية في فرنسا، قرّاءها بافتتاحية حملت عنوان «ماكرون ومتلازمة لويس السادس عشر». هذه الصحيفة، التي كانت في طليعة الدعاية الإعلامية التي روّجت لأطروحة تراجع شعبية «السترات الصفر» منذ «هدنة الأعياد»، غيّرت موقفها جذرياً هذا الأسبوع، وتبنّت نبرة غير مسبوقة من التشاؤم بخصوص أهلية الاستراتيجية الماكرونية لتجاوز أزمة الحراك الاحتجاجي، إذ قارنت رسالته إلى الفرنسيين بالخطاب الملكي الذي أصدره لويس السادس عشر في كانون الثاني/ يناير 1789، ودعا فيه «ممثلي الملك» إلى فتح «دفاتر مطلبية» في كامل البلاد لرصد مطالب الرعية وشكاواها، تمهيداً لعرضها أمام «المؤتمر العام» الذي قرّر عقده في قصر فرساي خلال شهر أيار/ مايو 1789، لإصلاح النظام الجبائي الذي كان قد ألهب الغضب الشعبي في مختلف أرجاء المملكة آنذاك. كما هو معروف، جاءت النتيجة معاكسة تماماً لما خطط له الملك. فقد كانت التجاذبات التي حدثت بين «المجالس الثلاثة» (ممثلو النبلاء، رجال الكنيسة ونواب الثلث المتبقي من الشعب)، خلال «المؤتمر العام» في فرساي، بمثابة الشرارة التي أشعلت ثورة 1789 التي أفضت إلى إطاحة النظام الملكي وقطع رأس لويس السادس عشر!