الصمت أقوى صرخة بقلم منور توفيق اسماعيل

الصمت أقوى صرخة بقلم منور توفيق اسماعيل

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ فبراير ٢٠١٩

تضطر في كثير من الأحيان بأن تسمع كلمة تزعجك ومع هذا تكتفي بالصمت دون أن ترد عليها بالمثل..

أحياناً يكون الصمت من باب الاحترام نظراً لفارق العمر، وأحياناً لأنك لا تريد أن تعكر صفو مزاجك بالرد على الترهات، أو أن الشخص الذي قبالتك أصغر من أن تعطيه قيمة وترد عليه..

لكن للأسف بعض الأشخاص يعتقدون أن كثرة رمي الآخرين بالكلام الجارح وصراخهم المستمر هو نوع من القوة، دون أن يدركوا أن افتعال المشاكل والانفعال من أبسط الأشياء تفقد هيبة الشخص وتسبب له بنفور الأشخاص من حوله مع الأيام.

فالشخص سريع الغضب هو شخص مكشوف لا يحسب له حساب لأنه كشف عن كل أوراقه مسبقاً فقلت هيبته، ودائماً ما نخشى الشخص الذي يحافظ على هدوئه وثباته في أصعب اللحظات لأننا لا نستطيع توقع الأتي منه.

حتى أننا دائماً ما نجد رجال الأعمال والشخصيات السياسية البارزة يتحدثون بهدوء وصوت خافت دليل على ثقتهم واعتزازهم بأنفسهم، وإذا اعترض أحد خصوصيتهم بالصراخ يقابلونه بكل هدوء ويوظفون أشخاص خاصة يتقنون لغة الشارع للرد على مثل هؤلاء.

مع الأسف أعيد قول أنه كلما تقدم بنا الزمن نزداد تخلفاً!.

فاليوم نعتبر صاحب الصوت العالي قوي الشخصية والشخص الهادئ ضعيف.

نسمي اللص محترف، والموظف الشريف مغفل أو (مو قد حالو) كما نقولها بالعامية.

لكن مهما موهنا وحاولنا الابتعاد عن العادات والمبادئ تبقى تلاحقنا ويبقى صوت المرأة العالي (فجور)، ومهما مارس رجالنا الرقي والحضارة يبقون شرقيين لأن الشرقية لاتنفي أبداً الحضارة والثقافة بل تثبت الرجولة والشهامة.

ولو دخلنا إلى بيوت أو قلوب أصحاب الشخصية العدوانية لوجدنا أنهم أضعف مخلوقات الرب، وأنهم يملكون شخصيات مهزوزة وغير متوازنة!.

لوجدناهم أقلنا ثقة بالنفس، و يحملون داخلهم شعور بالنقص يحاولون تعويضه بالصراخ..

فمعظم هؤلاء الأشخاص إما أن يكونوا منبوذين ضمن عائلتهم لا أحد يولي لهم بال، أو محرومين من الحياة العاطفية والكلمة الحلوة فيحاولون إثارة الاهتمام ولفت الأنظار إليهم عن طريق افتعال المشاكل وتحسسهم من أي كلمة توجه لهم لا تستحق الرد من وجهة نظر شخص متصالح مع نفسه.

لكن لو نظرنا لهذا الموضوع من باب الإنسانية فهؤلاء الأشخاص يصنفون من المرضى ويجب أن نتعامل معهم إما كطفل تقدم له قطعة حلوى فيبتسم أو التجاهل التام لهم.

أعتقد اليوم أن أكبر تتطور من الممكن أن تصل له شخصيتك هو أن تعرف كيف تتحكم بإنفعالاتها، وتلجم نفسك في أصعب المواقف كما قال سيدنا عمر (رضي الله عنه): ما ندمت على سكوتي مرة.. لكن ندمت على كلامي ألف مرة..

فكم من كلمة قلناها في لحظة غضب  لم نكن واعيين لها جرحت أشخاص ذنبهم الوحيد أنهم أحبونا.

وكم من لحظات تمالكنا بها أنفسنا وسيطرنا فيها على لساننا فكسبنا جيشاً من المحبين..

فالكلمة ليست مجرد عدة أحرف وخرجت، بل هي موقف يرسخ في الذاكرة أوليس الرجل يمسك من كلمته؟!. وهي نظرة تؤخذ على سلوكك وتربيتك كما يقول القدماء لا يعرف حقيقة الأشخاص إلا في لحظات الغضب.

وحتى في الحب كان للصمت الأثر الكبير عندما تصمت الشفاه تاركة مجالاً للعيون بأن تتحدث كما قال شاعر الحب والمرأة نزار: فالصمت في حرم الجمال..جمال..

واختار الصمت مرة أخرى حين قال: هل تستمعين إلى أشواقي عندما أكون صامتاً؟! فالصمت يا سيدتي أقوى أسلحتي!.

حتى أحلام مستغانمي أعطتنا نصيحة بالحب مفادها الصمت ألا وهي: تعلمي الإصغاء إلى صمت من تحبين..

لذلك فلنحاول قدر المستطاع أن ندرب أنفسنا على الصمت حتى نبلغ الحكمة والفضيلة، كما قال إرنست همنغواي: يحتاج الإنسان إلى سنتين كي يتعلم الكلام.. وخمسين كي يتعلم الصمت..

ولو تمعنا قليلاً حولنا لوجدنا أن كل الأشياء التي تصدر صوتاً مدمرة وقاتلة كأصوات القنابل والصواريخ.

لذا اصمتوا حتى يصبح لصوتكم هيبة وكلامكم معنى.

اصمتوا فالكلام ببلاش و الصمت من ذهب فاختاروا أثمانكم يا قوم..