دمشق .. أيا دمشق!.. بقلم: منير كيال

دمشق .. أيا دمشق!.. بقلم: منير كيال

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ فبراير ٢٠١٩

لا يكاد يغيب عن فكري قول الشاعر العربي أحمد شوقي بمدينة دمشق:
«لولا دمشق ما كانت طليطلة
ولا زهت ببني العباس بغدان»
إلى قوله:
جرى وصفق يلقانا بها بردى
كما تلقاك دون الخلد رضوان…
فقد عايش تاريخ هذه المدينة نشوء حضارات كان لها شأن بتاريخ قارات العالم القديم أكان ذلك بقارة آسيا أم قارة أفريقيا أو قارة أوروبا.
ولعلّ إطلالة على هذه المدينة من أعلى مآذن جامعها الأموي تدل على امتداد دمشق شرقاً بغرب، وشمالاً بجنوب، بفسيفساء امتزج بها الأخضر بالأبيض بالرمادي والألوان الأخرى في سيمفونية تجعل من هذه المدينة أشبه بأيقونة انصهرت بها معاني التحابّ والوفاء والعطاء لتقدّم للإنسانية شعبا يعيش بأفيائها عيشة الوفاء والإيثار، والذوب بكيان واحد، أكان ذلك بحالات اليسر والرخاء، أم بحال الشدّة والضيق.
وقد أطلق على هذه المدينة أسماء عدّة كان منها:
جدّة المدن، والمدينة الخالدة، ولؤلؤة الشرق، كما أطلق عليها اسم زهرة النعيم، وعين البادية، وروضة الفراديس، وأيضاً: شامة على خدّ الزمان، وعين الشرق، وعتبة الصحراء، فضلاً عن اسم: ينبوع الجنّة، والوردة الأرجوانية.
وكان من الأسماء التي أطلق على مدينة دمشق اسم: جلّق وهي كلمة من أصل فارسي مشتقة من جلق أي حلق الشعر. وهذه التسمية من قسمين:
القسم الأول هو: جلّ أي وردة أو زهرة، والقسم الثاني هو، لك أي مئة ألف. فتكون جلّق، بمعنى مئة ألف زهرة.
وهناك من يذهب إلى أن هذه التسمية إنما هي نسبة إلى صنم، أو تمثال لامرأة يخرج من فمها الماء.
ولعل الأصول من هذا كله، أن تسمية دمشق من التسميات الآرامية بالألف الأول قبل الميلاد.
وقد وصفت مدينة دمشق بأنها حّلة من الماء، وبحر من الزبرجد، وهو الزمرّد المعروف بالعرف الشعبي، وذلك تشبيها بزورق من الخضرة.
كما وصفت هذه المدينة بأنها حورية مستلقية بين الأنهار.
ومنهم من يذهب إلى أن اسم دمشق مشتق من قماش حريري مزخرف ومطرز بخيوط ذهبية وفضية، يستعمل بأغطية المفارش الثمينة، ولعل هذا القماش هو قماش البروكار الذي ينسج بدمشق. ثم أطلقت التسمية على كل ما هو مصنوع من الفولاذ الدمشقي المعروف باسم الجوهر.
أما تسمية دمشق بالشام، فهي مصطلح جغرافي يضم البلاد الممتدة من العريش بجنوب فلسطيني، إلى نهر الفرات شمال شرقي سورية الطبيعية، فهي بذلك تضم سورية ولبنان وفلسطين والأردن.
وقد لقّبت دمشق بالشام لشامات حمر وسود وبيض تتلون بها أرضها، أي لتنوع أراضيها وكثرة قراها، وتداني بعضها من بعض، فشبهت بالشامات.
وهناك من يذهب إلى القول: إن إطلاق اسم الشام على مدينة دمشق، إنما هو نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام، لأنه نزل بها، وقد قلبت السين شيناً فكان اسم: الشام.
وقد بنى اليونان لدمشق سوراً له سبعة أبواب، على غرار ما كان لمدنهم، ونسبوا هذه الأبواب للنجوم والكواكب والأقمار.
فكان الباب الشرقي فيه للشمس، وباب كيسان لزحل، والباب الصغير للمريخ، وباب الجابية للمشتري، وباب توما للزهرة، كما نسبوا باب السلام لعطارد، وباب الجنيق للقمر. وقد شملت مدينة دمشق، داخل سورها وخارجه عدداً من الأحياء يربط بينها أزقة وحارات، فالحارة تتكون من عدة بيوت متلاصقة متراكبة بحيث يمكن أن تدخل غرفة من بيت ببيت مجاور، كما قد تركب غرفة جانباً من الطريق فتغطيه وهو يعرف باسم تحت القبيبات.
أما الزقاق فهو ما كان أكثر عرضاً من الحارة، ومن الأزقة ما كان ينفتح على عدد من الحارات المتصلة، كزقاق الجكر المكون من ثلاث حارات بحي الشاغور، وكذلك الأمر بالنسبة لزقاق الشيخ الذي يتفرع عند موقع تحت المئذنة بحي الشاغور ثم يتفرع غرباً إلى عدد من حارات كما قد يتفرع عن الحارة حارات أخرى قد يتصل بعضها بزقاق، كما هي حارة الشالة أو الشالق بحي سوق ساروجة.
الوطن