فكرةٌ بمتناول اليد..!؟ .. بقلم: سامر يحيى

فكرةٌ بمتناول اليد..!؟ .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٩ مارس ٢٠١٩

نسي السائق مفتاح السيارة في داخلها، وكعادة المواطنين بدأوا بالتجمهر لمساعدته، إذ استطاعوا فتح زجاج السيارة الخلفي الصغير وحاولوا إيصال السلك للتمكّن من فتح الباب، أثناء مرور طفلٍ فطلب منهم أن ينـزلوا زجاج النافذة الثاني فهو أقرب ليساعدهم على فتح الباب بسهولة... 
الخبير عادةً يفكّر بعمق المسألة ويضع أعقد الخطط للعلاجوالتي غالباً ما تحتاج وقتاً وجهداً وتكلفةً ماديةً،متجاهلاً احتمال سهولة الحل وبسيطاً وبمتناول اليد، والمشكلة هي أن يعاني الإداري من ذلك، لا سيّما من في سدّة المسؤولية، حيث يبدأ بتشكيل فرق عملٍ ولجانٍ ويستعين بخبرات من خارج المؤسسة، ومحاولة تطبيق نظرياتٍ أعجبته أو رأيٍ سمعه، وحاشيةٍ ضيّقة يعتبرها ثقةّ بالنسبة له، متجاهلاً أن يكون الحل بمتناول اليد، وأن لكل شخصٍ مهما كانت مرتبته الوظيفية أن يتم إشراكه باقتراح العلاج، وأن لكل مديرية أنّى كانت تسميتها لها مهامٌ منوطة بها، وما نحتاجه فقط استثمار جهد كل شخصٍ وقسمٍ ودائرةٍ وبناء.
هذا لا يعني نكران تجارب الآخرين وأبحاثهم ودارساتهم والأسس التي وضعوها، إنّما الواجب أولاً أن ننطلق من التجارب والخبرات والموارد والإمكانيات المتاحة لنا، لا سيّما أنّ كل مؤسساتنا دون استثناء ـ رغم ضعف دور بعضها ـ لكنّها أثبتت صمودها وتحدّت كل محاولات تدميرها وتفتيتها، إذاً المطلوب الاعتماد على خبراتنا وتجاربنا مستفيدين من الخطأ والنجاح، نقوّم ونقيّم، بما يساعدنا في البحث في جذور المشكلات لإيجاد الحلول، مستفيدين من الرؤى والخبرات والمعلومات المتوافرة لدى كلٍ منا، فمن غير المنطقي ونحن في القرن الحادي والعشرين الاعتماد على نظرية السكان لتوماس روبرت مالتوس (1766 ـ 1836)، أو نظريات الإدارة لهنري فايول وفريدريك تايلور وهنري غانت وفرانك وليليان جلبرث، وغيرهم حتى أقدمّ وأعرق المعاهد الإدارية العالمية، بينما نتجاهل تاريخ طويل من التجارب والخبرات لدى مؤسساتنا وجامعاتنا والأفكار التي يكاد يتكلّم بها كلٌ منا، نضع نصب أعيينا خطط ومصطلحات لبيئات مختلفة، والكثير منها لاستهلاك الوقت والجهد والمال وكسب الشهرة لمصلحة رعاتها، كالإدارة بالأهداف والهندرة والبرمجة اللغوية العصبية والتنمية البشرية والموارد البشرية وغيرها من مصطلحاتٍ نسمع بها كل يوم، والتي هي غالباً ما تكون فتح باب شهرةٍ ومالٍ وتُحَمِّل المسؤوليةللآخر، والتهرّب من التطوير والتحديث وتجاهل أن "النظر للوراء كما النظر إلى المستقبل تخلّف إن لم يكن بهدف الاستفادة من الماضي بسلبياته وإيجابياته وأخذ العبرة منه، والانطلاق من الواقع الراهن ضمن الإمكانيات المتاحة والمتوفرة، لنستطيع التفكير بالمستقبل الصحّي المبني على أسسٍ سليمةً قادرة على تحدّي كل المعوقات وتجاوز الثغرات والاستعداد للأزمات والقضاء على الفجوة بين المواطن والمؤسسات".
إن إهمال التقييم والتقويم والتشاركية الفاعلة الجدية، إضاعةً للوقت ورغبة للاستمرار فيمنصبٍ، وتحميل مسؤولية الفشل للآخر، والهروب من الواقع الحقيقي والمعاش ليدّعي أنّه أول من قام بكذا، ومخططّاته ناجحةً لكنها تصطدم بمحاربي التغيير، وتطبّق في أرقى الدول العالم... إلى ما هنالك.. لكن لم يفكّر أن أولى مهام المسؤول الإداري هي التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه، أي وضع الخطط التي تساعده في إزالة العراقيل ومواجهة التحديات وسلوك الطريق الأسلم والأفضل لصالح المؤسسة وتطوير أدائها ضمن الإمكانيات والموارد والبيئة المحيطة.
ذلك يجعلنا نحرص على العودة لسياسة الاعتماد على الذات، وأن كل اختراع هو وليد الحاجة ويتم تطويره، فالسيارة التي صُنِعت عام 1769 لا تختلف بهيكلها الرئيس عن السيارة الحالية، إنّما يتم تطوّرها وفق متطلبّات اللحظة، ولدى المؤسسات الوطنية من الكفاءات والموارد المادية والبشرية والمعنوية، ما يحتاج لاستنهاض الهمم وتفعيل التشاركية والاستثمار الأمثل، وهنا لا بد من الإشارة لموضوع مطروح بقوّة في الوقت الراهن، ألا وهو البطاقة الذكية، التي من المفترض أن تكون عوناً للمواطن والمؤسسات الحكومية التي تدير موارد البلد، وليس عقوبةً أو تعجيزاً أو نفقاتٍ إضافية في ظل ضغط النفقات ومنع الهدر، فتأمين المواد الأساسية والطاقة مسؤولية الحكومة بامتياز التي عليها ابتكار الآلية الأسلم لإيصالها لكل مواطن دون استثناء، وبالتالي يكون دور البطاقة المساعدة في معرفة الاستحقاق الفعلي لكل مدينة ومنطقة وحي وشخص، بما يضبط عملية الهدر والتهريب داخل وخارج الوطن، ومنع التهرّب الضريبي بإعادة دراسة فرض الضريبة انطلاقاً من الاستهلاك الحقيقي للمواطن أو الآلية أو المنشأة، بما يؤدي لتوفير المواد بشكلٍ إيجابي، وتوجيه الضرائبوجهتها الصحيحة في خدمة المجتمع وتوفير المواد، واستبدال التهريب بتأمين المواد المفروض عليها الحصار من دولٍ تدّعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيره من أفكار تساهم في إظهار الجهود الكثيرة التي تقوم بها الحكومة، وتشجّع على مضاعفة عودة المستثمرين والمغتربين، للمشاركة في بناء الوطن، وانتشار المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة التي تحقّق الاعتماد على الذات والتعاون بين كافة مكوّنات وأبناء الوطن المقيم والمغترب، لتحدّي كل محاولات الحصار والاستغلال، مدركين أنّ المواد الأساسية والطاقة حاجة ماسة لكل قطّاع أنّى كان صغيراً أم كبيراً، وتسهم في دعم عملية الإنتاج، لأنّ كل نقصٍ فيها مهما ظنّ من وراءه ربحاً، فهو خسارةً مضاعفةً للوطن والمواطن بآنٍ معاً، وأي تمنين للمواطن بالدعم على حساب موازنة الدولة، تهرّب من ذلك المسؤول عن القيام بدوره بالبحث عن أفضل السبل لزيادة موارد الخزينة العامة للدولةوالدخل القومي وتنشيط عملية الإنتاج. 
من المنطقي أن تبني المؤسساتالحكومية أرقامها بناءً على استهلاكها وحاجاتها وإمكانياتها ودورها، ومن ثم وضع رؤية القائمين بالعمل الإداري والتعاون مع مراكز الأبحاث والمعاهد والجامعات لاستثمار الطاقات المتجددة وإعادة التدوير وتوفير الموارد والمواد الأساسية بجودة وإتقان، واستثمار منشآتها ومبانيها ومواردها المادية والبشرية والثابتة، بما يؤهلها للتطوير والتحديث البنّاء، وبالتالي بناء المؤسسة بكلٍ أركانها وأولاها الإنسان. 
بكل تأكيد ليس المطلوب من المؤسسات أن تنقلب رأساً على عقب،ولا الانتظار لتكتمل الخارطة للبدء بقوّة، والاكتفاء بالتنظير والتعريف والشرح والتوضيح، بل العمل فوراً للتنفيذ على أرض الواقع ضمن إطار العمل الكلي، وبالتالي فقط نكون أوفياء لتضحيات وجهود أبناء الجيش العربي السوري، وصمود الشعب العربي السوري الذي أثبت قدرته على العطاء والتجدد رغم أحلك الظروف، وللقائد المواطن الموجّه النابع من صلب هذا الشعب الحريص على استقلال وسيادة وازدهار وطنه وشعبه.