شعبٌ طموح.. بقلم: سامر يحيى

شعبٌ طموح.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١ أبريل ٢٠١٩

قصة يتداولها كلٌ بصياغته وبهدفه مدحاً أو ذماً، لا سيّما على صفحات التواصل الاجتماعي، للرئيس الراحل شكري القوتلي، وهنا أوّد نقل بتصرّف ما أورده محمد حسنين هيكل في صحيفة "الأهرام" المصرية في 27 تشرين الأول عام 1961، قول الرئيس الشيشكلي: أنت لا تعرف ماذا أخذت يا سيادة الرئيس؟ أنت أخذت شعباً يعتقد كلّ من فيه أنه سياسي، ويعتقد 50% من ناسه أنهم زعماء، ويعتقد 25% منهم أنهم أنبياء، بينما يعتقد 10% على الأقل أنهم آلهة.
هذه القصّة تبرهن بالدليل القاطع أنّ الشعب السوري واعٍ ومثقّف ولديه طموح، وقادرٌ على العطاء والإنجاز في أحلك الظروف وأعتى التحدّيات، وما يؤكّد ما قاله الرئيس الشيشكلي، أن الشعب السوري صمد في وجه كل المؤامرات التي تعرّضت وما زالت تتعرض وستبقى تتعرّض لها سوريتنا ما دامت قلب العروبة النابض الذي يؤمن بكرامة الإنسان السوري المدافع  عن كرامة وحقوق أبناء الوطن العربي خاصّة والإنسانية عامّة، وتستثمر مواردها دولةً مستقلّة بذاتها تقيم شراكات نديّة مع كل دول العالم ولا تقبل التبيعة لأحد أو انتهاك حقوقها، وشعبُ رغم الآلام والجراح والخيانة التي تعرّض لها يضجّ قوميةً وإنسانيةً وحيوية ونشاطاً وإبداعاً، كان وما زال وسيبقى يقدّم الشهداء للزود عن حياض الأمة العربية، وخيرة الأساتذة والأطباء والمهندسين والاختصاصيين كلٌ بمجاله بما فيهم سياسيين ومناصب عليا للعديد من الشركات والدول، وهنا يتوقّف دور المؤسسات الوطنية بالعمل على الاستثمار الأمثل لقدرات وإمكانيات هذا الشعب الحيوي وتحديّ الهجمة الجديدة التي أضيفت لمحاولات أعداء الإنسانية لا سيّما الحصار ودعم الإرهاب، التي هي مواقع تواصل اجتماعي، وينقل عنها البعض من أبناء الوطن بنيّة حسنة، أو حتى سوء نيّة من قبل البعض، وإرضاء لذات وإشباع رغبات من خلف شاشات بأسماء خلّبية وهمية، أو حقيقية مشتراة بثمنٍ بخسٍ مهما كان مرتفعاً، بهدف خلق فجوة بين الشعب ومؤسساته وقيادته، ودق إسفين لتمزيق التلاحم والتماسك والنسيج الوطني الحيوي لهذا الشعب.
 مما يتطلّب من كل منا البحث عن الطريق الأمثل للاستثمار الإيجابي والبنّاء لهذه الأسلحة الجديدة، لتفوّت الفرصة على أعدائنا وتصبّ في مصلحتنا الوطنية العليا، عبر سدّ الثغرات وتصحيح الأخطاء التي حاول أعداؤنا التغلغل من خلالها في عقول أبنائنا، وتقع المسؤولية الكبرى لعملية الاستثمار هذه على عاتق مؤسسات التربية والإعلام بالدرجة الأساسية، فمؤسستي التربية والتعليم لا سيّما أن المرحلة الأولى سيمرّ عبرها كل مواطنٍ سوري، تتوجّب عليها حسن استثمارها لتعزيز الولاء والانتماء الوطني، وأولى خطوات ذلك التزام المدرس بالمهام الموكلة إليه، وأن يشرح للطالب المعلومة التي ترد بين دفتي الكتاب، بل وتشجيعه على البحث والاطلاع وحتى حين ورود أخطاء أو وجود صعوبةٍ من قبل الطالب في فهم هذه المادة، تقريب المادّة لعقل الطالب وذهنه وفكره، وتجميع كل الانتقادات والأخطاء بهدف تفعيل العصف الفكري والتفاعل الحيوي بين المدرّس والطلبة ومن ثم تقديم اقتراحات التطوير والتحديث في المراحل القادمة للمنهاج بدلاً من النقدّ الهدّام، والتنفير، مما يغرس هذه الفكرة لدى الطالب وجعلها جزءٌ أساس من تطوير ذاته ومستقبله ودوره بالاستزادة والبحث ليصبح الهدف من الصفوف الدراسية الحصول على المعلومة، التي تلقائياً ستؤدي للحصول على العلامة وتحقيق التطوّر والنهوض الذي سينعكس مادياً ومعنوياً ومن كافة النواحي والمجالات على المواطن والوطن دون استثناء.
والدور الهام أيضاً في عملية الاستثمار هو المؤسسة الإعلامية التي دورها استثمار الطاقات الكامنة والواضحة لدى الشعب السوري وتوجيهها الطريق السليم، لا سيّما أنّها أيضاً تشمل كافّة فئات المجتمع دون استثناء، عبر وسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية والالكترونية والمكاتب الصحفية والعلاقات العامة لدى المؤسسات، والمنابر العلمية والتعليمية والدينية، التي من المفترض الاستفادة من كل الرؤى والأفكار للمؤسسات الأخرى طالما جميعها تصب لصالح الخزينة العامة والنهوض بالوطن، عبر توجيه الرأي العام الوجهة الصحيحة، وتعزيز الولاء والانتماء للوطن والدفاع عن مقدّساته كلٌ بمكانه وضمن نطاق عمله، بدءاً من الحفاظ على اللغة العربية السليمة، التي يتقبّلها جميع أبناء الوطن، وابتكار السبل والأساليب التي تستقطب المتابع والمشاهد، عبر رؤيةٍ إيجابية بنّاءة بعيداً عن تقليد الآخر، لأنّ الإعلام الوطني لم يكن هدفه الترفيه على حساب المعلومة، ولا دغدغة المشاعر على حساب تعزيز الولاء الوطني والانتماء، والمؤسسة الإعلامية الناجحة قادرة على الدمج بين إيصال المعلومة الحقيقية، واستقطاب الجمهور بشكلٍ عام بأسلوبها ورؤيتها الوطنية المستقلة، مستفيدين من تجارب الآخرين، وبنفس الوقت آخذين بعين الاعتبار أن أولى المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي انطلقت من سورية وبكوادر سورية، وبالتالي مؤسساتنا ليست عاجزة عن خلق صلة وصلٍ وفق خطة إعلامية منهجية مدرسية مستغلّة جهود جميع المنابر الإعلامية، إضافةً للقاءات دورية تفاعلية تشاركية بين المدراء وموظّفيهم،  مدركين أن الموظّف أو العامل هو اللسان الناطق باسم مؤسسته أنّى كان تخصصه أو اختصاصه أو مجال عمله، ومهما علت أو دنت مرتبته العلمية أو العملية أو الوظيفية، فهو لا يمثّل شخصه بل انتمائه الوظيفي، حتى المواطن العادي فما يقوم به ينسب لعائلته وبيئته وليس لشخصه المستقل.
والدور الوطني الذي يجب على المؤسسات الحكومية إدراكه، أنّ من حق المواطن الشعور بأنّ الحكومة قادرةً على تأمين طلبه ولو كان من المعجزات، كما أنّ الطفل يثق بأنّ والده قادرٌ على تأمين كل متطلّباته مهما كانت مستحيلة، ولكن بالتفاهم والتناغم والتوضيح والشرح والمصداقية تكمن مسؤولية المؤسسات الإعلامية، وكذلك الموظّف الذي هو على احتكاك مع المواطن بأن يهدئ من روع المواطن مهما كان استفزازياً، ويقدّم له المعلومة التي تجعله يؤمن بأداء مؤسساته، ويكون عوناً لها لا عبئاً عليها، لا سيّما أن الموظّف في خدمة المواطن باعتباره مطّلعاً على القوانين والإمكانيات والواجبات والحقوق أكثر من المواطن العادي، وتلقائياً المواطن والموظّف هما في خدمة الوطن باعتبارهما يحملان شرف لقب "مواطن عربي سوري".
لقد أثبتت الظروف والتطوّرات أن المواطن السوري يؤمن بما تقوم به قيادته ويفتخر بتوجيهاتها وخطابها الواقعي، ويقف إلى جانبها، معتمداً على ذاته وصامداً في وجه كل محاولة لتدمير وزرع الجراثيم في الجسد الواحد.. لنصل للمرحلة التي ننشدها جميعاً، بأنّ يكون الجميع يداً واحدةً للنهوض بالوطن واستكمال مقّومات صموده والحفاظ على استقلاليته من أي مستعمرٍ أو طامع، استمراريةً لمسيرة التصحيح المجيد، وعملية التطوير والتحديث، لتحقيق أفضل النتائج بعملية إعادة البناء والإعمار.