الاعتراف الأمريكي بسيادة اسرائيل على الجولان.. بقلم: د. خلود أديب

الاعتراف الأمريكي بسيادة اسرائيل على الجولان.. بقلم: د. خلود أديب

تحليل وآراء

الخميس، ٤ أبريل ٢٠١٩

لقي قرار الرئيس ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان ترحيباً عبر الطيف السياسي في إسرائيل. وفي حين واجه القرار انتقادات واسعة على الصعيد الدولي، بما في ذلك الزعماء العرب، إلا أن الإسرائيليين اعتبروه بمثابة إقرار  بأنه لا يمكن إعادة  "الهضبة" الاستراتيجية إلى سورية.

وقد تقدم نتفالي بينيت، ما يسمى بالزعيم القومي في إسرائيل، بالشكر إلى الرئيس ترامب على قراره هذا مدعياً ان " الجولان قد أصبح الآن لإسرائيل للأبد"  بينما صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي نيتانياهو قائلاً : "يقول الجميع أنه لا يمكنك الاحتفاظ بأراض محتلة، لكن هذا يثبت أن باستطاعتك القيام بذلك. فإذا تم احتلالها خلال حرب دفاعية، فإذاً إنها لنا". ولا ادري من أين جاء بهذه القاعدة القانونية.

وقد أتى الاعتراف في زمن قصير يسبق الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في ٩ نيسان  ٢٠١٩ والتي يواجه فيها نيتانياهو المنافسة الأعنف مع أشخاص عددين على رأسهم الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس.

ويبدو ان الإدارة الأمريكية قد منحت باعترافها بشأن الجولان نيتانياهو دعماً سياسياً على أمل أن يفوز فوزاً يسمح له بتشكيل حكومة تمثل شريحة واسعة من المجموعات السياسية وبالتالي يتمكن من الموافقة على "صفقة القرن" التي على الرغم من التسريبات الكثيرة التي تمت بشأنها، إلا أنه لم يتم الإفصاح عنها رسمياً.

في الواقع لا تغير يتوقع حدوثه في سياسة أمريكية استمرت لـ ٥٢ سنة خلت ببساطة هكذا وفي هذا الوقت بالتحديد. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تبادر الولايات المتحدة إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان قبل ذلك؟ ربما لأن إسرائيل لم تكن تواقة لمثل هذا الاعتراف كونها كانت قد أصدرت قراراً في عام ١٩٨١ يفيد ذات المضمون - السيادة وليس الضم - وبالتالي لا يشكل لها جديدا بالنسبة لها.

 وجدير بالذكر أن إعلان ترامب سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، هو إعلان رئاسي وليس قانون صادر من الكونغرس الأمريكي، وبالتالي فإن أي رئيس أمريكي يأتي بعد ترامب يستطيع إلغاء ما قام به ترامب. كما أنه يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني، وبالأخص اتفاقية كامبل لسنة 1907، واتفاقية جنيف لسنة 1949، هذا من الناحية الأولى. أما من الناحية الثانية وهي الأهم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي شاركت في صياغة قرار مجلس الأمن 497 لسنة 1981، والذي ينص على سحب البعثات الدبلوماسية من القدس، وعدم الاعتراف بالقانون الأساسي الذي سنه الكنيست في عام 1981، وبالتالي الولايات المتحدة الآن تخالف نمط القانون الداخلي الأمريكي وكذلك القانون الدولي.
ومن المعروف أن القانون الدولي يعلو على القانون الداخلي لأي دولة، وما يجري يعد انتهاك جسيم لميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945، وبالأخص المادة الثانية التي تحرم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وهنا نخلص إلى القول أن هذا الإعلان لا قيمة له على المستويين الدولي والقانون، ناهيك أنه اعتراف بالسيادة وليس الضم مثله مثل ما اصطلح عليه خطأ بأن قرار الضم في عام ١٩٨١. 

في الحقيقة جميع رؤساء وزراء إسرائيل، بمن فيهم نيتانياهو، أملوا بأن الجولان يمكن أن يستخدم كجزء من صفقة سلام تبرم مع سورية على غرار صفقة سيناء ١٩٧٩.

لعقود خلت، لم يكن موقف الإدارات الأمريكية السابقة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، أن تنظر في الاعتراف بسيدة إسرائيل على الجولان، ولكن كان خيارها دائماً ان تحاول دعم جهود رؤساء وزراء إسرائيل للتوسط لاتفاقية بين سورية وإسرائيل.

حتى أن دانييل شابيرو، سفير الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل في إدارة أوباما بين عامي ٢٠١٠ و ٢٠١١ صرح بأن هذه الحركة لم تؤخذ بالحسبان من قبل إدارة أوباما. وخاصة أن  نيتانياهو كان قد دخل في ٢٠١٠ و ٢٠١١، وبخياره الخاص غالباً، في مفاوضات مباشرة مع سورية على الأرض مقابل السلام. واستمرت المفاوضات حتى اندلاع الحرب على سورية.
ويبدو أن هذه الحرب قد غيرت من الاعتبارات الأمنية الاسرائيلية على "حدودها" بوجود القوات الإيرانية وحزب الله في سورية. ورأى شابيرو أن العديد من الاسرائيليين يعتقدون الآن بأن إسرائيل لا يمكنها الانسحاب حالياً من الجولان في ضوء الظروف الحالية، وأنهم حسناً فعلوا بعدم الانسحاب في وقت سابق نظراً للوضع في سورية حالياً. وأردف قائلا أنه كان بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية دعم سيادة إسرائيل على الجولان كأمر واقع دون إعلان ذلك.
 
وعليه نأتي إلى القول أن قرارها أتى نتيجة لدوافع سياسية أكثر منه تغييراً في سياستها الخارجية. وفي هذا السياق فإن بعض منتقدي هذا الاعتراف، بمن فيهم فريديريك هوف، مستشار وزارة الخارجية الأمريكية الأسبق حول سورية، اقترحوا أن ضم الجولان سيؤذي فقط مصالح إسرائيل.

وقد يكون دافع ترامب أبسط من ذلك كله. فهو يريد أن يشعر بالفخر بأنه أول رئيس أمريكي في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية يثبت نفسه كموالي صريح وكامل لإسرائيل وبالتالي يكون من شأن ذلك تلميع صورته أمام اللوبي اليهودي في أمريكا وتحسين حظوظه هو الآخر لولاية رئاسية ثانية.

ومن جملة الأسباب الأخرى والتي قد لا تقل أهمية عن السابق إكساء سرقة "شركة أفيك الإسرائيلية للنفط والغاز" للنفط السوري في الجولان في السنوات السابقة شرعية ومن خلفها شركات النفط الأمريكية. وكانت سورية حذرت في رسالتين متطابقتين وجهتهما وزارة الخارجية والمغتربين في الثامن والعشرين من شباط عام 2013 إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة من أن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالترخيص لشركة أمريكية للتنقيب عن النفط في الجولان السوري المحتل يشكل انتهاكا صارخا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 ويهدف إلى تكريس حالة الاحتلال والضم. بالإضافة إلى تغيير قواعد المفاوضات مع سورية مستقبلاً بغية الحصول على المزيد من التنازلات من الجانب السوري، الأمر الذي امتنعت عنه سورية بثبات لعقود عدة.