بريطانيا وتداعيات طلاقها مع الاتحاد الأوروبي.. بقلم: سركيس أبوزيد

بريطانيا وتداعيات طلاقها مع الاتحاد الأوروبي.. بقلم: سركيس أبوزيد

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ أبريل ٢٠١٩

تسير بريطانيا في الوقت الحالي في طريق قد يؤدي بھا الى الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وذلك لأن هناك صفقة تتيح للندن وبروكسل فترة انتقالية مدتھا 21 شھرا للتفاوض على آلية تجارية جديدة معرضة لخطر الانھيار. انطلاقا من ذلك، يواجه الاقتصاد البريطاني خطر التعثر أو الانكماش مع اقتراب الخروج البريطاني وتباطؤ الاقتصاد العالمي، فيما تعلن شركات في قطاع الخدمات المھيمنة على الاقتصاد تقليص وظائف للمرة الأولى في 6 أعوام وتراجع الطلبات، فيما سجل ھروب لصانعي السيارات (ھوندا، تويوتا، نيسان اليابانية)، وإعلان جاغوار لاند (أكبر شركة لصناعة السيارات في بريطانيا) وفورد موتورز عن تخفيضات كبيرة للوظائف في أوروبا. كما أعلنت شركات سوني وباناسونيك وھيتاشي كذلك خفض عملياتھا في بريطانيا قبل “بريكست”…، وقد أشارت بعض الوقائع إلى عدة أمور:
– تراجع ثقة الشركات البريطانية في شباط الماضي إلى أدنى مستوياتھا منذ حزيران 2016.
– مؤخراً أظھر استطلاع رأي أجرته “ديليوت” و”معھد المحاسبين القانونيين” في إنكلترا، تخوّف أصحاب الأعمال من انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي في ظل عدم التوصل لاتفاق، كما أظھر الاستطلاع أن ثقة الشركات أصبحت في أدنى مستوياتھا في عقد من الزمان.
حتى الآن صناعة الخدمات المالية في بريطانيا لم يمسھا سوء الى حد كبير، إذ يتوقع نقل أو خلق نحو 2000 وظيفة في الخارج حتى مع تنامي خطر انفصال مصحوب باضطرابات.
ومع شعور معظم المصرفيين بالثقة أنه سيتم التوصل الى حل وسط، تعتزم بنوك الاستثمار الكبرى تعيين عدد أكبر بكثير من العاملين في لندن مقارنة بأي مدينة أخرى في أوروبا، ما يشير الى أنھا تتوقع أن تظل بريطانيا مركز صناعة المال العالمية في الأجل القريب على الأقل. وتتمتع البنوك وشركات التأمين في بريطانيا في الوقت الحالي بإمكانية التواصل من دون أي عوائق تذكر مع عملائھا في أنحاء الاتحاد الأوروبي في أغلب الأنشطة المالية.
ويعد مستقبل لندن كمركز لصناعة المال في أوروبا واحدا من أھم نتائج محادثات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لأن ھذه الصناعة تشكل أكبر مصادر دخل للصادرات في بريطانيا وأكبر مصدر للدخل من ضرائب الشركات. لكن شكوك “بريكست” تھدد التصنيف السيادي لبريطانيا، حيث ترى وكالة “فيتش” أن الطلاق من دون اتفاق من شأنه أن يؤدي الى اضطرابات كبيرة في الاقتصاد البريطاني، وأن يقوّض آفاق الاتفاقات المستقبلية بشأن التجارة الحرة، على الأقل في المدى القصير.
مجمل ھذه الوقائع وضعت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي في وضع لا تُحسد عليه، إلا أنھا ما زالت تقاوم على أمل أن تحصل على تنازلات أوروبية تخص مشكلة الحدود الإيرلندية تقدمھا للمشرّعين البريطانيين من أجل إنقاذ الموقف والحصول على دعم لخطة خروجھا من الاتحاد الأوروبي. وأعلنت أمام النواب أنھا تحتاج الى الوقت للبحث مع الاتحاد الأوروبي تعديل اتفاق “بريكست” الذي توصلت إليه مع بروكسل، بحيث يرضي البرلمان، ما يضفي مزيدا من الغموض على تفاصيل خروج لندن.
وأدخل بند على اتفاق “بريكست” كحل أخير وينص على بقاء المملكة المتحدة ضمن اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي وبقاء مقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية ضمن السوق الأوروبية المشتركة للسلع، وذلك لتفادي أي رقابة جمركية وتنظيمات مادية بين شطري إيرلندا. لكن ذلك أثار غضب النواب البريطانيين الذين يخشون أن يربط ھذا الإجراء بشكل دائم بريطانيا بالاتحاد ويھدد وحدة المملكة بسبب المعاملة الخاصة لإيرلندا الشمالية.
ومؤخراً، عُقدت في بروكسل قمة أوروبية استمرت 8 ساعات لم تحضر رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي معظمھا، وافق الاتحاد الأوروبي على تأجيل “بريكست” حتى 31 تشرين الأول المقبل، مُبقيا الباب مفتوحا أمام خروج بريطانيا قبل ھذا التاريخ. ورافقت التمديد الأوروبي شروط عدة، كان أبرزھا حماية الاتحاد من تدخل بريطاني.
وقبلت رئيسة الوزراء البريطانية المھلة الجديدة رغم أنھا كانت دعت إلى تأجيل حتى 30 حزيران المقبل فقط. وشددت: “ما زال بإمكاننا أن نخرج في 22 أيار المقبل، وبالتالي تفادي المشاركة في الانتخابات الأوروبية التي تنطلق في 23 أيار” مشيرة إلى أنه يكفي لحصول ذلك أن يوافق النواب على الاتفاق المبرم مع بروكسل.”
بعدها عادت ماي إلى مجلس العموم البريطاني لتدافع عن تأجيل جديد لموعد خروج بلادھا من الاتحاد الأوروبي، وبحث حلول جديدة. ولم تفقد ماي الأمل بإقناع النواب، وبدأت طرح سلسلة من عمليات التصويت الاستدلالية حول مستقبل العلاقة التي يريدونھا مع الاتحاد الأوروبي بعد “بريكست”.
ويرفض جزء من النواب المحافظين اتفاق ماي، بسبب ما يعرف ببند “شبكة الأمان” الذي يھدف إلى تفادي عودة الحدود المادية بين مقاطعة آيرلندا الشمالية البريطانية وجمھورية آيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي وينص على بقاء المملكة ضمن الاتحاد الجمركي الأوروبي إذا لم يتم التوصل إلى حل آخر، وضمنت ماي مبدئيا اتفاق “بريكست” خروجا من الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة حتى تتمكن المملكة من إقامة علاقاتھا التجارية الخاصة، ومراقبة الھجرة عند الحدود. لكن حزب العمال يريد أن تبقى المملكة ضمن الاتحاد الجمركي، والإبقاء على علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي.
في الواقع، هناك ثلاثة سيناريوھات أمام لندن، وھي:
– إما التصديق على الاتفاق في البرلمان.
– أو سحب طلب الخروج أي عكس طلب تفعيل المادة خمسين التي تتيح الطلاق من الاتحاد بحيث تبقى بريطانيا عضوا.
– وأخيرا الخروج من غير اتفاق في اليوم التالي الخميس 31 تشرين الأول، وھو ما يدفع إليه الجناح المتشدد في حزب المحافظين.
ستكون الأشھر المقبلة حساسة، مع تشكيل مفوضية أوروبية جديدة في أعقاب الانتخابات، ومع المناقشات حول عدة ملفات مثل الميزانية المستقبلية على المدى البعيد للاتحاد الأوروبي. فأي خيار ستختار بريطانيا؟
العهد