"يبرود" لم ولن "تسقط".. بقلم: أمين بن مسعود

"يبرود" لم ولن "تسقط".. بقلم: أمين بن مسعود

تحليل وآراء

الجمعة، ٤ أبريل ٢٠١٤

ما يزال خطاب العديد من المؤسسات الإعلامية المنتمية إلى خط المقاومة تتخبط في معجمية "الحرب" وتعيش تحت وقع "الاحتلال" المفاهيمي الذي تمكّن من أدوات التحرير ومن آليات التحبير ومن ميكانيزمات التعبير سواء لدى الباعث أو المتلقي للرسالة الإعلامية.
مصطلحات كثيرة هجينة تبثها "الماكينات" الإعلامية الضخمة الغربية منها أو "العربية العبرية" لتضييق الخناق على المستعمل فلا يلتجئ إلا للمفاهيم المصنوعة غربياً "مبنى ومعنى".. فتسقط معاني الرسالة الإعلامية التي يود إبلاغها تحت مقصلة المعجمية وتتدلّى "مغازي الكلمات" من حبل مشنقة الحقل الدلالي المضبوط وفق هوى العم سام وأدواته في المنطقة.
لم ينجح خط المقاومة إلى حد اللحظة على الأقل – وعلى الرغم من سنوات الاحتلال الثقافي والاستعمار المعجمي، من إرساء حقل دلالي واضح وواسع مدعوم بوسائل إعلامية ضخمة تروج له- قادر على كسر ربقة احتلال "اللغة" المستعملة في الخطاب الاتصالي.
لم ينجح إلى حد اللحظة -على الرغم من الدعوات المتواصلة منذ أزيد من عقدين على الأقل من طرف العاملين والدارسين لمجال اللغة والإعلام - في فرض "مقاومة اصطلاحية" تقف في نفس الصف إلى جانب المقاومة السياسية والعسكرية والفكرية الثقافية والرمزية وغيرها من عناوين المجابهة وقطاعات المقارعة.
آخر مطبات الخطاب الإعلامي المقاوم لسورية – الدولة والدور–  كامن في اجترار عبارة "سقوط يبرود" على يد الجيش العربي السوري دون التوقف عند دلالات المصطلحات المستخدمة ودون الوقوف ملياً للإقرارات "الملغومة" الواردة في هذه العبارة.
ذلك أن استعمال مصطلح "السقوط" يشير من جملة ما يشير إليه إلى أن البلدة كانت في سياق "المكانة" وفي واد "السؤدة" قبل وفود قوات الجيش العربي السوري في حين أن الأصل متمثل في أن "يبرود" هوت إلى سحيق الخروج من الدولة والإخراج من الحضارة وتهاوت إلى درك "العمل الميليشوي" المستهدف للوطن والمهدّد للإقليم ككل.. لولا تصميم وإرادة الدولة السورية لإعادتها إلى وضعها الطبيعي.. جغرافياً وتاريخياً وإنسانياً..
يؤكد علماء "اللغة" أن الإنسان يفكر باللغة وأن المفاهيم المركزية التي يستخدمها في خطابه هي جوهر شخصيته ومفتاح منظومته المعرفية وبالتالي فإن تغيير المصطلحات – من طرف فاعل خارجي- يمثل المرحلة الأولى والأهم في تبديل تمثلاته لـ"الأنا" ولـ"الأنا" الجمعية ولأدواره الاجتماعية والسياسية وحتى الوطنية.
"من أنا؟ هذا سؤال الآخرين ولا جواب له. أنا لغتي أنا ,وأنا معلقة.. معلقتان.. عشر, هذه لغتي أنا لغتي. أنا ما قالت الكلمات".. هكذا عبّر وعبر الشاعر محمود درويش عن العلاقة بين الذات واللغة.. كينونة واحدة متوحدة.. لا تنفصل وغير قابلة للانقسام..
يريد "التغريبيون" في الوطن العربي تحويل اللغة العربية إلى مجرد "أداة" اتصالية بالإمكان الاستعاضة عنها بلغة أخرى فهي في المحصلة بالنسبة لهم "مجرد" علامات ذات دلالة في سياق محدد.. ولكنهم ينسون أو نظنهم يتناسون أن اللغة هي اللبنة الثانية والمرتكز الأساس للهوية العربية الإسلامية – مع التاريخ المشترك - وفيها جملة رواسب الحضارة وفيها كينونة الأنا العربية من رموز وتمثلات ومنظومات فكرية.
لذا فهم لا يتطاولون إلا على اللغة العربية في حين أنهم يخرسون عندما يتطرقون إلى اللغة الفرنسية أو الإنكليزية أو الروسية أو الفارسية.. ولهم أن يخرسوا فهي لغات أمم مستقلة وليست مثل العربية لغة أمة واحدة متشرذمة على عشرات الأقطار ومئات الطوائف وآلاف القبائل والعشائر. 
"يبرود" لم تسقط ولن تسقط في يد الجيش والمقاومة.. يبرود تحررت من الرجس وحُررت من الجاهلية, يبرود.. ارتقت إلى سماء الوطن وارتفعت إلى سقف الاستحقاقات الوطنية والقومية.. يبرود لم تسقط.. يبرود إلى الحضن السوري.. تعود ..
هذه هي الحقيقة.. إلى حين اقتران "حقيقة" الميدان بـ"جوهر "اللسان".. وإلى حين التوقف عن استيراد المصطلحات والمعاني والتوقف عن استجلاب الخراب المتدثر برداء "الخطاب"..