النوم مع الشيطان.. بقلم: غسان يوسف

النوم مع الشيطان.. بقلم: غسان يوسف

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ أغسطس ٢٠١٤

في الجزء الرابع من كتاب "النوم مع الشيطان" لمؤلفه روبرت باير الضابط الميداني السابق في الاستخبارات المركزية الأميركية والذي شغل مناصب عديدة أبرزها رئاسة وكالة الاستخبارات الأميركية CIA في لبنان عام 1983 يكشف المؤلف دور بندر بن سلطان في دعم الجماعات التكفيرية الناشطة في المنطقة والتي تحمل فكر القاعدة, والتي انبثق منها مؤخراً كل من داعش والنصرة.
المؤلف يقول: إن نصوصاً وأسماءً معينة حُذفت من الكتاب- حرصاً على مصالح الولايات المتحدة وللتستر -على ما يبدو- على بعض العملاء والضباط الذين لايزالون في العمل, حتى إن بعض الصحافيين أطلقوا على الكتاب عنواناً آخر هو (البيت البيض والذهب الأسود) .
صحيح أن الكتاب صدر في العام 2003 لكن ما يميزه أنه يشير إلى ما يحدث الآن من دعم واضح من قبل المجتمع الغربي لانتشار الفكر التكفيري في المنطقة.
من يقرأ الكتاب يدرك حجم دور الولايات المتحدة في دعم الأعمال الإرهابية التي تنفذ في العديد من مناطق العالم, وفي تغذية الحركات المتطرفة سواء كان ذلك في الماضي أم الحاضر.
ومن هنا يمكن التأكيد على شيء وهو أنّ الغرب ينافق ويكذب .. أليس هو من صنع القاعدة لمحاربة السوفييت في أفغانستان, ألم يدعم الإخوان المسلمين في مصر, ويتحالف مع القاعدة في ليبيا؟ ألم يصمت عن وجود داعش في سورية واستيلائها على الرقة ومن ثم الموصل في العراق ؟
في قرار مجلس الأمن الأخير رقم / 2170 /  تجاهل أعضاء المجلس جميعهم الحركات المشابهة لداعش في العقيدة والممارسة! ما دعا مندوب سورية في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري للتساؤل ؟ لماذا لم تُدرج الجبهة الإسلامية أو جيش الإسلام أو صقور الشام أو أحرار الشام ضمن قائمة المجموعات الإرهابية, على الرغم من أنّها تحمل الفكر نفسه والعقيدة ذاتها وتمارس أفعالا قد تماثل داعش أو تفوقها !.
لعل الكلام الأفضح و الأشد صراحة جاء من ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا في مقالته التي نشرها في صحيفة الصندي تايمز عندما قال بلهجة بالغة الخطورة: "إنّ داعش ستستمر في بناء قوتها إلى أن تتمكن من استهدافنا في شوارع المملكة المتحدة" متناسياً تجاهل بلاده والغرب عموماً لهؤلاء الإرهابيين لفترات طويلة عند سفكهم لدماء الشعبين السوري والعراقي, بل إن بعضاً منهم كان يتلقى السلاح والمال من كاميرون نفسه, وما ينطبق على كاميرون ينطبق على هولاند وأوباما !
والسؤال: هل كان الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية استطاع أن يتمدد في المنطقة لولا الدعم الغربي وعلى رأسه الأميركي والبريطاني والفرنسي وبمساعدة دول إقليمية كتركيا والسعودية وقطر, فعندما كان هؤلاء الإرهابيون يقتلون المواطنين السوريين الأبرياء كان يروج لهم في العواصم الغربية على أنّهم “دعاة حرية وديمقراطية” أو “معارضة معتدلة” إلى أن بدأ الاستيقاظ الأوروبي المتأخر من خطر عودة هؤلاء.
الغرب كان في حسبانه أنّ هذه المنظمات هي من ستفتح الطريق له واسعاً للسيطرة على المنطقة والتدخل بها, ومن هنا يأتي تحذير الكاتب الأميركي أندرو جيه باسيفيتش في مقال نشرته مجلة (سبكتاتور) البريطانية من مغبة التدخل الغربي المباشر لمواجهة تنظيم “داعش” في العراق, وقال إنه لن يزيد الأمر إلا سوءاً. ويرى باسيفيتش الذي يعمل أستاذاً للتاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن أن أصحاب هذه الدعوات أغفلوا حقيقة واضحة وهي أنّ التدخل العسكري الأنجلو-أميركي للعراق عام 2003 هو من فتح الباب أمام المتطرفين في المقام الأول.
نعم, إنّ القوات الأميركية والبريطانية زرعتا بذور الفوضى في مكان كان ينعم بالاستقرار, وما “داعش” إلا صورة لهذا التطرف في أقبح تجلياته, فهل أتت صحوة هؤلاء واستفاقوا بعد نوم طويل مع الشيطان ؟!