الحرب على الإرهاب تدرّ نفطاً وتبيض ذهباً

الحرب على الإرهاب تدرّ نفطاً وتبيض ذهباً

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٧ سبتمبر ٢٠١٤

 لم تعرف الولايات المتحدة الأميركية حرباً، إلا وكانت تسعى من خلالها "لحماية الشعب الأميركي". وهي بذلك لا تقصد محاربة الإرهاب على أرضه كما تدعي، أكثر منه استمرار عمل شركات التصنيع لديها ومؤسسات المال والخدمات. وفي وقتٍ لم تعد الدول الصناعية الكبرى قادرةً على مواجهة كميات الانتاج الصيني ورخص أسعاره، فهي سعت منذ عقودٍ للحفاظ على احتكارها لأسواق السلاح وصفقاتها الكبرى. فهل تجد لها أفضل من منطقة الشرق الأوسط الملتهبة سوقاً، وهي التي تستخرج نفطه ومن ثم تبيع أسلحتها لدول النفط في عملية سرقةٍ مزدوجة؟ فلتندلع الحروب إذاً، ولنواجه "داعش"!
ليست الحملة الأميركية المستحدثة ضد "داعش" سوى واحدة من حروبها المتعددة. وهي لم تخض حرباً وكالةً عن أحد، ولا حتى حمايةً له مهما ادّعى ذلك وسوّق له. فمنذ تخلّيها عن مبدأي الحياد في الحربين العالميّتين مطلع القرن العشرين، تغلغلت دولة العم سام إلى مكانز النفط وأراضيه، فورثت فرنسا وبريطانيا "ديمقراطياً". ولقد سطع نجم الجيش الأميركي خارج أراضي دولته في أرجاء المعمورة، بعد هاتين الحربين، فكانت حجته حينها مواجهة المد الشيوعي.
ابتكرت الدولة المناوئة للاتحاد السوفياتي عدة حروبٍ لها، وهي اختلقت في كل مرّة عدواً "بعبعاً" تخوّف به حلفاءها ومن ثم تحارب بهم. وهي خاضت أعظم حروبها الحديثة وأكثرها مأساةً في فييتنام، وخسرتها. لكن حروبها بالوكالة لم تكن بدايتها بدعم الكيان الصهيوني، ولم تتوقف بعد دعم الإسلاميين في مواجهة الاتحاد السوفياتي كما جرى في أفغانستان، وهي لم تنته بالطبع عند تشكيل حلف دولي لمواجهة الغزو العراقي للكويت. وفي الماضي القريب، كان وحش القاعدة هو العدو الأول للشعب الأميركي، فانتهى بشكلٍ غامض. أما نظام صدام حسين، فتبيّن أنه لم يكن يملك الأسلحة الكيميائية، فأُسقِط واستُبدِل بالعبث. أما فزّاعة السنين الماضية، ألبستها الولايات المتحدة لإيران. ولمّا باتت قريبة من التوصّل لاتفاقٍ معها، كان لا بدّ من وحشٍ كـ"داعش" تخيف به أعداءها وتهددهم به.
إنّ معظم الحروب الأميركية التي سلف ذكرها، لم تكن لمعظمها نهايات سعيدة كما في الأفلام الهوليوودية. بل إنها استهلكت ثروات الدول المستهدَفة والمحارِبة، واستنزفت طاقاتها وخلقت عداوات فيما بينها حتى. كل ذلك عداك عن الدمار والقتل الذي لحق ويلحق بالدول الحليفة للولايات المتحدة، وأيضاً بتلك التي تقف في المحور المقابل.
كانت حرب أفغانستان التي زحف إليها الجيش السوفياتي في عملية دعمٍ للنظام الحليف، سبباً في قيام الإسلام "الجهادي". بل إنها حثّت على تدعيم مواقف التكفير، وهي طالت الشيوعية كما طاولت كل من يقف ضد المشروع الأميركي. وللمفارقة، فإنّ الولايات المتحدة، كما ورد في العديد من المقالات والمذكرات، دفعت ببعض الدول الخليجية لتمويل تلك الحرب. وهي أقنعتها بضرورة مواجهة المد الشيوعي في أفغانستان قبل أن يغزو "بلاد المسلمين". فعملت تلك الدول على مد "المجاهدين" بالمال والرجال حتى اشتد ساعد طالبان والقاعدة، وضرب بالحديد والنار عقر دار العم سام، فحان وقت التخلص منه. فكان مال النفط العربي مرةً جديدة في الواجهة، وكان أن عزز الجيش الأميركي تواجده في المنطقة، خاصةً بعدما غزا صدام الكويت.
بعد تخلّصها من القاعدة، عملت دولة البيت الأبيض على محاصرة إيران انطلاقاً من العراق. وهي لذلك دفعت العرب إلى استعدائها ووضعها في مصاف الدولة الصهيونية، بل إنّ الأخيرة باتت في نظر معظم "دول الاعتدال" أرحم من "دولة الفرس". فلم يعد غريباً إذاً أن تبتاع الدول العربية، خاصةً دول الخليج، السلاح الأميركي بمليارات الدولارات لمواجهة "الخطر الفارسي". فاحتلّت تلك الدول مراتب متقدمة عالمياً من حيث استيراد السلاح الأميركي.
وجاء في التقرير السنوي الذي أعدّ للكونجرس عام 2011، أنه "في الوقت الذي لا تزال فيه واشنطن أكبر مورد للأسلحة في العالم سجّل، جميع الموردين الرئيسيين الآخرين باستثناء فرنسا تراجعاً في مبيعات 2011". وكانت السعودية أكبر مستوردٍ للأسلحة بين الدول النامية، إذ أبرمت صفقات بقيمة 33.4 مليار دولار، تلتها الهند بمشتريات تبلغ 6.9 مليار دولار ثم الإمارات العربية المتحدة بصفقات بقيمة 4.5 مليار دولار. كل هذا عداك عن صفقات الأسلحة مع الجيش العراقي، الذي بلغت كلفة تجهيزه نحواً من أربعين مليار دولار، على مدى سنيّ خضوع دولته للاحتلال الأميركي. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ما عُرف "بالربيع العربي"، ومن ثم تصاعد تنظيم "داعش" وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، دفع بهذه الدول إلى فتح شهيتها على استيراد السلاح الأميركي.
إنّ الولايات المتحدة التي تنهب ثروات الشعوب، لا سيما العربية منها، تحافظ على سعادة وبحبوحة شعبها واستمرار الأنظمة التابعة لها على حساب شقاء شعوب المنطقة. وهي بالرغم من كون شركاتها تشغل معظم آبار النفط في المنطقة، فإنها لا تنفكّ تخلق لهذه الدول "فزّاعة"، تعمل في كل مرّة على تسويق أسلحة الرجل الأبيض. فلم يعد خافياً أنّ واشنطن خرجت من أزمتها المالية على حساب الأموال العربية. والدولة التي يُعتبر فيها المركّب الاقتصادي العسكري من أقوى لوبيات الضغط في العالم، ليس غريباً أن تهدّد بعد حينٍ بمهاجمة طهران على خلفية اتهامها بتطوير برنامجها النووي لأغراض عسكرية، فترتفع عندها صادراتها من الأسلحة لدول الخليج. وحصل كل ذلك ويحصل، في وقتٍ لم يتخلّ البيت الأبيض يوماً عن دعم ربيبته "إسرائيل" بالمال والسلاح دون مقابل.
كما في معظم حروبها، عملت الولايات المتحدة الأميركية حديثاً على تشكيل تحالفاتٍ دولية لمواجهة تهديدات تنظيم "داعش" ودولته المزعومة. وهي لم تكن لتتدخل ضد هذا "الوحش" الهجين، لولا أن اقترب من مصالحها الاستراتيجية في كردستان، ولولا أن شعرت السعودية بخطر وجودي حقيقي. وبذلك استطاع الرئيس الأميركي أوباما الذي سحب جيشه من العراق نهاية العام 2011 وتعهّد بخفض عديد جنوده خلف الحدود، أن يعود إلى المنطقة من جديد بطلبٍ من دولها. وفي حين صرّحت واشنطن خلاف مرّة أنها لن تتدخل بريّاً في دول المواجهة، بل ستكتفي بالهجمات المحدودة عبر الطائرات، يبدو أنها تقول لحلفائها أنِ استعدوا لتقاتلوا أنتم بأموالكم ورجالكم، تحت جناحنا ولكن بأسلحتنا.