النفط الرخيص يشعل العالم.. بقلم: إيفلين المصطفى

النفط الرخيص يشعل العالم.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٦ أكتوبر ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com
 مع تزايد الأزمات الجيوسياسية التي تشغل العالم، نجد أنّه من الضروري توصيف الصورة العامة لمجريات الأحداث التي تدور في العديد من دول العالم العربية منها والغربية، فالمتابع لهذه المجريات يدرك أنّ هناك لغزاً غير واضح حيث يعيش العالم في لهيب توهج المجموعات الإسلامية المتطرفة التي تجتاح الشرق الأوسط، في حين أنّ الولايات المتحدة تستعد لحرب ثانية في العراق، أما روسيا وأوروبا فمستمرتان بتبادل وابل من العقوبات بينهما، في حين أنّ اليمن ينهار ويعاني شمال إفريقيا من فوضى جديدة، وكأن الفوضى التي تجتاح إفريقيا غير كافية حيث باتت تعاني أيضاً من الانتشار السريع والكبير لفيروس الحمى المميتة يومياً "إيبولا".
لكن على المقلب الآخر للمشهد العام نجد أنّ أسعار النفط حافظت على انخفاضها وحتى الآن مازالت في أدنى مستوى لها منذ أكثر من عام، ولكن الأسواق ليست مجنونة، ببساطة فإنّ عامل العرض والطلب هو الذي يحدد الأسعار في السوق العالمية، حيث إنّ الاقتصاد العالمي خاصة في آسيا وصل لطريق مسدود، ما أثّر بدوره على تراجع نمو الطلب على النفط دافعاً إياه إلى مستويات منخفضة لم يشهدها منذ الكساد العظيم.
وبالرغم من ذلك إلا أنّ منتجي النفط استمروا بالضخ، وقد أضافت الولايات المتحدة للإنتاج 3 ملايين برميل نفط يومياً في السنوات الثلاث الأخيرة محققة قفزة سنوية في إنتاج النفط لتسجل مستوى قياسياً.
في حين أنّ منتجي النفط في منظمة أوبك يعملون بكامل طاقتهم حتى في ليبيا التي لا تمتلك حكومة فعالة وكذلك السعودية التي اعتادت أن تكون صوت المنطق للحفاظ على الأسواق بأقل أو أكثر إنتاجاً لتحقيق التوازن، فقط في شهر آب بدأت السعودية بتخفيض إنتاج النفط لتعوض جزئياً الزيادة في العرض المفاجئ في مكان آخر.
جميع تلك المؤشرات أدت إلى وفرة في النفط ساهمت بانخفاض أسعار النفط الخام إلى مستويات قياسية شهدها بداية عام 2013. حيث بلغ سعر تداول برنت الخام في لندن حوالي 97 دولاراً للبرميل، في حين سعر التداول لخام غرب تكساس المتوسط في نيويورك بات مهدداً بالانخفاض إلى سعر في الحدود العليا من 80 دولاراً (أي عند 85-89 دولاراً للبرميل)، وبالتالي فإذا كان هناك دور للعالم الجيوسياسي أكثر من أي وقت مضى فإنّه ينبغي أن يساهم في رفع أسعار النفط ويفترض أن يظهر ذلك في الوقت الراهن، لكن ما يحدث يدلنا على مدى قوة العوامل الأساسية في السوق وهي الآن تشكل العامل المهيمن على الأسعار، لكن السؤال الأهم فيما إذا كان رخص أسعار النفط يمثل زوبعة على المدى القصير أو الطويل حيث إنّ التغير جوهري وسيكون له أثر على الدول النفطية في الشرق الأوسط وإفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا ناهيك عن الدول التي تطمح لأن تصبح دولاً نفطية رغم محاولاتها التي لم يكتب لها النجاح بعد، مثل اسكتلندا ومنطقة الأكراد في العراق.
وعوضاً عن أن يكون السؤال لما أسعار النفط انخفضت بالرغم من أنّ كافة الأمور الخاطئة تحدث في العالم؟ فإنّه من المنطقي أن نسأل فيما إذا كانت جميع المشكلات في العالم هي الشيء الوحيد الذي حافظ على أسعار النفط من الانهيار؟
وحتى اللحظة نجد أنّ الاقتصاد العالمي لم يتمكن بعد من إيجاد وصفة لنمو مستمر، حيث تعاني اليابان من انكماش مروع بلغ 7% من إجمالي الناتج المحلي في الربع الثاني، وقد يكون سيئاً، لكن الاقتصادات في آسيا أيضاً تضغط على الفرامل خوفاً من التراجع، في حين أنّ حاجة الصين للنفط على أساس سنوي (وغيرها من المواد الخام) أساساً أصبح كاسداً، كما أنّ أسعار النفط والحديد وغيرها من السلع الأساسية تشهد انخفاضاً، أما أوروبا فهي من دون مساعدة، حتى دون القلق مما سيفعله الدب الروسي مستقبلاً، إلى جانب كل ذلك فإنّ الاقتصاد الأميركي (وحاجتها للنفط) تبدو قوية، لكن رغم ذلك فإنّ طلب الولايات المتحدة على النفط مازال دون المستوى الذي كان عليه في السنوات الخمس، ويبدو في أسوأ نصف عقد له.
جميع تلك المؤشرات دفعت بإدارة معلومات الطاقة الأميركية لتعديل توقعاتها بشأن أسعار النفط لتعكس ديناميكيات جديدة في السوق، كحالة مرجعية فإنّ إدارة معلومات الطاقة توقعت أن تبقى أسعار النفط دون 100 دولار للبرميل حتى بداية العقد القادم. وحتى في حال انتعاش الأسعار فإنّ إدارة معلومات الطاقة خفّضت من تقديراتها لارتفاع عقود برنت إلى حوالي 141 دولاراً للبرميل في 2040 بدلاً من 165 دولاراً للبرميل الذي كانت قد توقعته السنة الماضية، وفي حال استمر الاقتصاد العالمي بالانخفاض فإنّ إدارة معلومات الطاقة بينت أنّ الأسعار ستبقى عند حدود 75 دولاراً للبرميل للعقود القادمة.
إنّ تذبذبات الأسعار هذه تثير مخاوف كل شخص يضخ أو يحرق النفط خاصة في الدول مثل الشرق الأوسط وروسيا وجزء من أميركا اللاتينية التي تعتمد على ارتفاع أسعار النفط لتبقي اقتصادها واقفاً على قدميه وتحافظ على هدوء شعبها، وإذا أردنا أن نكون ضمن بيئة في أسعار ضعيفة فإنّ ذلك سيؤثر على العائدات الافتراضية لعدد من البلدان التي تدير اقتصادها وتشغل أنظمتها السياسية.
فالعراق مثلاً يعتمد بنسبة 93 % على النفط للحصول على دخل الحكومة والتي تحتاج لأن يكون سعر خام النفط فيها فوق 106 دولارات للبرميل لتحقق توازناً في ميزانيتها إلا أنّ انخفاض الأسعار دفع بصندوق النقد الدولي لإطلاق التحذيرات هذا الصيف من مخاطر انخفاض الأسعار، ذات الأمر ينعكس على بلدان عديدة في منظمة أوبك والتي تعاني من ذات المشكلة بدءاً من إيران وصولاً إلى نيجيريا فهذه الدول في ذات القارب.
حيث نجد أنّ روسيا تحتاج لأن يكون سعر البرميل 114 دولاراً لتبقى ميزانيتها من دون عجز، وما هو أكثر من ذلك إذا أرادت موسكو أن تبقى منتجة للنفط من خلال استغلال احتياطيات صعبة في أماكن واعدة مثل المناطق الموجودة في القطب الشمالي فإنّ هناك حاجة لأن تكون أسعار النفط مرتفعة (نظراً للكلفة العالية للاستخراج) حتى إنّ كندا تحتاج لأسعار مرتفعة للنفط لجعل اقتصادها قادراً على استخراج نفط من رمل القطران وهو عمل محفوف بالمخاطر، كما إنّ انخفاض الأسعار لن يؤذي فقط المنتجين الحاليين بل أيضاً المستقبليون، فمثلاً نجد بأنّ بغداد لن تشارك عائدات النفط مع كردستان العراق بعد الآن، ما يجعلها تعتمد على تحويل وفرة احتياطي النفط للمبيعات لتعويض الفارق. وتبدو طموحات كردستان العراق متواضعة لبيعها حوالي 400000 برميل يومياً من قبل سوق مسيطر عليه بالسلاح. ومن غير الواضح كيف ستقوم ببيع المزيد في ظل انخفاض الأسعار.
هذه الصورة المقربة لتأثيرات أسعار النفط على الأحداث السياسية تؤكد بأنّ استمرار منتجي النفط بضخ المزيد من النفط بما يفوق حاجة العالم سيزيد من اشتعال المنطقة وخاصة أن النفط أصبح سلاح المعركة الدائرة في العالم أجمع.