الجسد في السينما المغربية الجرأة والنيّات لا تصنع عرياً ...

الجسد في السينما المغربية الجرأة والنيّات لا تصنع عرياً ...

سينما

الأحد، ١٥ يناير ٢٠١٧

هناك بداهة أرستها السينما: لا يحضر الجسد إلا في الكادر، بعد عملية تأطير وإخراج، وبناء وإعادة بناء مركزة في أفق توجيهها للنظر. خارج ذلك لا يعدو أن يكون الجسد عائماً في دوامة مجهول محمل بكل الأيديولوجيات والاستيهامات التي تتخفى في الغالب اﻷعم خلف الكثير من التواضعات المقبولة. أي خارج الصورة، في الحياة العامة، حيث لا يعدو أن يكون جزءاً من الجسد المجهول، في حركته وجموده، في إعلانه عن ذاته في شكل صارخ أو في انحساره وعاديته.

بالتالي، فإن السينما لا يمكنها إلا أن تظهر الجسد. هو جزء من خاصيتها ومبرر استمرارها. فهو يؤخذ في إطار سردي مخصص، حينذاك يتخذ انحساره أو الإعلان عنه معنى ظاهراً وملموساً. ولا يعود مجرد حالتين له. هنا ينطرح مشكل تَمثّله الذي يحرك المشاهد ويثيره ويجعله ينتبه إليه. يصير ذلك المجهول محط أخذ ورد، بخاصة حين يظهر في هشاشته ووعيه وفي رغباته السرية. بما أن للسينما القدرة على اللعب على زوايا التقاطه.

 

أمثلة مغربية

وتمنحنا السينما المغربية نموذجاً حياً ومتفاعلاً باستمرار للعلاقة المتوترة مع تصوير وتمثّل الجسد، الأنثوي على الخصوص، بما أنه الأكثر غياباً مجتمعياً، والأكثر إثارة للجدل والصراع الفكري الرصين كما الديماغوجي الشعبوي. فمروره من مجال الحياة العامة إلى مجال الصورة الحية يخضع لضوابط بعضها ذاتي يتبعه المخرجون من تلقاء ذواتهم، وبعضها مسطّر في القوانين العامة، ومفروض بالسلوكات العامة لمجتمع محافظ. وتأخذ السينما كل حضورها المصحوب بالضجة والصخب الجدالي حين تزعزع هذا الضوابط في شكل رئيسي حين يكون موضوعاً أساسياً، أو في شكل جبهي عرضي عبر صورة أو مشهد لا غير. ويظهر ذلك جلياً كلما خرج إلى القاعات السينمائية فيلم تجرأ على مقاربة الجسد وفق تصوّر متحرر و «حداثي» أكثر من المسموح به. ونسوق هنا مثلين دالين. الأول هو فيلم المخرج عزيز السالمي «حجاب الحب» عام 2009. فيلم له تطور درامي لا يخرج عن المألوف السينمائي الرائج، مع تقنية تصوير متمكنة. وكان سيكون عرضه طبيعياً لولا تخيّره لبطلة ذات شخصية محافظة سلوكاً ولباساً، تربطها علاقة حب عاطفية وحسية برجل خارج مؤسسة الزواج. وهو ما أثار عليه عاصفة من النقد من جانب فئة من المحافظين. وغير هذا المعطى السيناريستي، لا يتضمن الفيلم سوى مشاهد قليلة وسريعة لما يمكن وصفه بعرض للجسد. وهي مصممة في الكتابة وليست خارجة عنها أو مجانية. لكن كفاه أن يتخير جسداً مغطى كي يندرج في خانة من تطرّق إلى الممنوع. الأمر ذاته يمكن إيراده بخصوص فيلم عبدالحي العراقي «جناح الهوى» الذي أخرجه عام 2011. إننا هنا إزاء علاقة حب حسّية جارفة بين جزار وامرأة متزوجة تعاني من عجز زوجها. هذا المعطى الرئيسي ترافقه في الفيلم معطيات ثانوية أخرى، لكن ما يجمع الكل هو علاقات البطل بالنساء. الفيلم تجرأ إذاً على التطرق إلى ممنوع من نوعية أخرى، نتتبع مراحل تجليه الدرامية متناميةً في شكل معروف ومقبول، أي من دون اجتهاد على المستوى الشكلي كما المضموني، مع إتقان حرفي طيب. لكن ثيمة الجسد خلاله تبعت منطق الإيحاء أكثر وفي المشاهد التي اعتبرت إروتيكية، خاصة تلك التي صورت في الحمام الشعبي تبقى وفية لمنطق الحذر.

 

حامل الاستيهامات

هكذا، يلاحظ أن الجسد في السينما المغربية عبر هذين العملين، هو شيء غير ظاهر فعلياً إلا كحامل وكبوتقة لكل الاستيهامات المرتبطة بحكايات أشخاص معينين في لحظات خاصة. الجسد هنا قصة درامية أفقية تخترق المواصفات السلوكية المجتمعية لتعلن ما يختزن المجتمع من أعطاب نتيجة تناقضات النظرة إليه. وحين تتم إزالة بعض الثوب عنه، يتم ذلك وفق تقدير لا يخلخل كثيراً العادات والتقاليد والسينما. ما يهم ويثير الضجة يبقى هو الموضوع المختار في أي فيلم. إن جلّ الأفلام المغربية المدعاة جريئة تتبع هذا المسار، باستثناء فيلم نبيل عيوش «الزين اللي فيك»، لكن مشكلة هذا الفيلم أنه ليس على مستوى فني يجعلنا ندرجه كمثل. هكذا، تبدو السينما المغربية في محاولاتها المنخرطة في الهم المجتمعي، بعيدة من تناول الجمالي والإيحائي الخالص في موضوعة الجسد عندما تنقله من المجهول إلى الإظهار...