حلف شمال الأطلسي: أزمة حكم.. بقلم: عامر نعيم الياس

حلف شمال الأطلسي: أزمة حكم.. بقلم: عامر نعيم الياس

تحليل وآراء

الخميس، ١٩ يناير ٢٠١٧

 أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابلته مع صحيفتي «تايمز وبيلد» التذكير بمواقفه الحادة تجاه المؤسسات التقليدية في الغرب وفي مقدمها حلف شمال الأطلسي الذي «يعاني من مشاكل»، وقد «عفا عليه الزمن»، الأمر الذي أعاد إحياء التساؤلات حول بقاء الحلف بشكله الحالي، وأهمية المجال الحالي لنفوذ الحلف في أوساط المراقبين وحتى النخب السياسية ألأوروبية.

الرئيس الأميركي الذي يهدد وصوله بقلب السياسة الغربية رأساً على عقب، ليس في مواجهة مهمة سهلة بل هي مملوءة بالعقبات والمخاطر التي قد تصل إلى حد «الانقلاب» وفق التوصيف اللافت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هنا الانقلاب ليس كلاسيكياً بالمعنى الذي نعرفه، بل يمكن أن يأخذ أشكالاً سياسية واقتصادية في ضوء عامل أساس هو الخلاف بين أقطاب الحكم وأجنحته في الولايات المتّحدة والتناقضات التي تقوم عليها الإدارة الأميركية بشكلها الجديد، والملفات الشائكة التي تواجهها في سياق رؤية ترامب لإعادة صياغة علاقة بلاده مع العالم، بين من يريد الحفاظ على العولمة العابرة للحدود، وبين من يريد العودة إلى الحمائية التي تعني بشكل أو بآخر تحفيز الشعور الوطني القومي، وهو ما يقلق النخب الحاكمة في أوروبا وحتى في الولايات المتّحدة التي تملك تأثيراً كبيراً في دوائر صنع القرار في أوروبا التي تعد امتداداً بشكل أو بآخر لإرادة النخب الأميركية الحاكمة.
استناداً إلى ما سبق فإن حلف الأطلسي الذي يضم حالياً 28 دولة، في قلب العاصفة الترامبية. فالحلف الذي تأسس في 4 نيسان 1949 نتيجة مفاوضات الدول الخمس الموقعة على معاهدة بروكسل (بلجيكا، فرنسا، لوكسمبورغ، هولندا، المملكة المتحدة) مع الولايات المتحدة وكندا، كان هدفه الأساس وفق ما يقول اللورد هاستينغز اسماي الأمين العام الأول للحلف هو «مراقبة التوسع الروسي في الخارج، واحتواء الأميركيين في الداخل (داخل أوروبا)، ووضع الألمان تحت الوصاية». هذه المعادلة السحرية والأكثر تعبيراً عن نواة الحلف وصلب استراتيجيته تتعرض الآن لهزة كبرى في ضوء عوامل إضافية غير وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وهي:
– التناقضات في الموقف الخارجي بين الدول الأعضاء في الحلف، فدول شمال ووسط أوروبا تتخوّف من الصعود الروسي على المستوى الدولي عموماً والأوروبي خصوصاً بعد ضم شبه جزيرة القرم، والحرب في أوكرانيا، بينما الدول الأخرى في غرب أوروبا على وجه الخصوص أو تلك الواقعة في جنوب أوروبا ترى أن الأولوية اليوم لمكافحة الإرهاب في الشرق عموماً وفي الشرق الأوسط خصوصاً، ومعالجة مشكلة الهجرة التي تعد النتيجة المباشرة للتردد في معالجة ظاهرة الإرهاب والآثار الكارثية لإدارة الصراع في الشرق الأوسط وفي أفغانستنان والعراق.
– صعود اليمين الشعبوي والمحافظ في الغرب، وهو ما أفرز قلقاً لدى النخب الكلاسكية الأوروبية المرتبطة بشكل وثيق بالنخبة الكلاسيكية الأميركية الحاكمة والتي عانت هي الأخرى بعد وصول ترامب إلى السلطة. هذا القلق أفرز مشاكل داخلية وطرح تساؤلات حول بنية النظم الحاكمة في أوروبا، وضرورة إعادة النظر بالديمقراطية الأوروبية ونتائجها على مستوى القيادات الحاكمة في أوروبا.
– الحلف بشكله الحالي هو نتيجة لما جرى بعد الحرب العالمية الثانية سواء على مستوى تكريس القيادة الأميركية لأوروبا التي دمّرتها الحرب، وسواء في العمل على مواجهة الاتحاد السوفييتي، واليوم تتغيّر الصورة مع وصول رئيس أميركي لا يريد تحمّل كلف الدفاع عن أوروبا وحده من دون مساهمة الأوروبيين بشكل فاعل في موازنة الحلف التي لم تصل دوله حتى الآن إلى ترجمة قرار دعمه بـ2% من الميزانية الدفاعية المخصصة لكل دولة الذي اتخذ في عام 2014. فضلاً عن صعود ألمانيا في أوروبا وانكفاء بريطانيا وخروجها من الاتحاد الأوروبي.
إن انهيار الحلف أو غيابه عن المشهد الدولي حالياً ليس بالأمر الوارد، وأوروبا تعي جيداً أن عليها الحفاظ على الحلف أكثر من أي وقت مضى، كما أن الحلف لا يمكن إسقاط أهميته في صياغة السياسة الخارجية الأميركية خاصةً مع ارتفاع منسوب القلق الغربي والأميركي من الصعود الروسي، على الرغم من موقف ترامب المهادن حتى اللحظة مع بوتين، حيث يبدو الأمر أكثر من أي وقت مضى مرهوناً بنتائج التحوّلات الداخلية في الغرب وتموضع مراكز القوى، وهو ما يجعل الأطلسي والاتحاد الأوروبي والعديد من المنظمات الدولية في حالة من العجز على المدى المنظور.
الوطن