جنيف 5 على وقع خيبات معسكر العدوان هل سينتج؟

جنيف 5 على وقع خيبات معسكر العدوان هل سينتج؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٢ مارس ٢٠١٧

العميد د. أمين محمد حطيط

انصرف المشاركون في جنيف 4 قبل ثلاثة أسابيع بعد ان فرض وفد حكومة الجمهورية العربية السورية إرادته المستندة الى المنطق وللقرار 2254، وأضاف الى جدول اعمال البحث بند محاربة الإرهاب كأولوية تتساوى مع البنود الأخرى التي كان دي ميستورا طرحها وتشمل مسألة الحكومة والدستور والانتخابات، وبات جدول أعمال أيّ لقاء مستقبلي في جنيف محكوماً بجدول أعمال رباعي تتساوى فيه البنود أهمية ولا يحجب أحدها الآخر الا بمقدار ما يفرض نفسه لجهة الإلحاح والتأثير على البنود الأخرى بمعنى ان يكون بند مكافحة الإرهاب وقرار وقف الاعمال القتالية أي الموضوع الميداني يكون ضمنياً متقدماً عمّا سواه عملاً بمنطق الأمور.

وقد كان لافتاً هذه المرة أن يحدد دي ميستورا موعداً لجنيف 5 في مهلة لا تتعدّى الثلاثة أسابيع من اختتام اعمال الجولة السابقة، الأمر الذي يوحي اقله ظاهراً بانّ هناك جدية هذه المرة من قبل الرعاة الدوليين للعملية السياسية لدفعها قدماً خلافاً للتسويف والمماطلة التي شهدتها على ما يقرب العام تقريباً، حيث ان دي مستورا الممثل للأمم المتحدة صاحبة الرعاية والدعوة امتنع منذ نيسان 2016 عن الدعوة الى جنيف 4 وأنه لم يفعل مؤخراً الا تحت ضغط اعمال أستانة التي كادت ان تحجب جنيف وكادت أن تنشئ منظومة دولية موازية للأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية من أجل البحث في حل سياسي للمسألة السورية.

ومن المعلوم ان اجتماعات استانة كانت ثمرة مباشرة للانتصارات السورية الميدانية الاستراتيجية، والتي كان تحرير حلب أهمها قبيل نهاية العام الماضي، وهو الانتصار الذي اعقبه مباشرة وفي أقل من شهرين 3 اجتماعات في أستانة واجتماع واحد في جنيف. والآن تتجه انظار المتابعين الى الاجتماع الثاني في جنيف جنيف 5 ، فما الذي سيميّز هذا الاجتماع وما المتوقع او المنتظر او المحتمل منه؟

في عودة سريعة الى ما حصل في سورية في الأسابيع الثلاثة الفاصلة بين جنيف 4 وجنيف 5 يمكن أن نسجل ثلاثة أمور مهمة ستلقي بظلها على اعمال هذه الاجتماعات الآن وهي:

انعقاد اجتماعات أستانة 3 التي كانت مخصصة لتثبيت آلية مراقبة وقف العمليات القتالية وتطويرها وصولاً الى وضع الخرائط النهائية لمواقع الإرهابيين والفصل التام بينهم وبين المسلحين الذين ارتضوا الدخول في العملية السياسية ووقعوا على وقف العمليات القتالية. لكن تركيا ومعها الفصائل المسلحة تراخوا وتلكأوا عن القيام بموجباتهم مما جعل نتائج أستانة 3 اقل من المتوقع وأثار ريبة وشكاً كبيرين في مواقف الأطراف المتلكئة ونياتها الحقيقية حول الموضوع.

العدوان الجوي الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية في العمق السوري وما استتبعه من رد سوري عنيف قلب المشهد القائم وغير الكثير من قواعد الاشتباك بين سورية والعدو الإسرائيلي ، وفرض معادلة جديدة تحكم السلوك الإسرائيلي وتدخله العسكري في الحرب الدائرة على الأرض السورية الى الحدّ الذي يمكننا القول بأن قيوداً ثقيلة وضعت في أيدي إسرائيل وأقدامها تمنعها من الحركة الحرة الطليقة تدخلاً في سورية.

الغزوة الإرهابية الفاشلة التي قامت بها الفصائل المسلحة المشتركة والمشكلة من فصائل وقعت على وقف العمليات القتالية ومن فصائل إرهابية غير مشمولة بالقرار، وهي غزوة انتهت الى نتائج مخيّبة للإرهابيين ورعاتهم وانقلبت عليهم خسراناً فادحاً على كل الصعد المعنوية والمادية، رغم أنهم استطاعوا وعلى مدى ثلاثة أيام ان ينشروا جواً من الخوف في نفوس المدنيين قريباً من مناطق الاشتباك في جوبر والغابون وبرزة وصولاً إلى ساحة العباسيين في دمشق.

بالإضافة الى هذه المسائل الثلاث الهامة لا يمكن أن ننسى أمرين آخرين: الأول يتصل بالنجاحات التي حققها الجيش العربي السوري في ريف حلب الشرقي وتمدّداً الى الجنوب باتجاه طريق الطبقة والرقة، والثاني المراوحة التي تستمر على جبهة الرقة الشمالية الشرقية وبإشراف وقيادة أميركية مباشرة، حيث إن اميركا رغم إعلان قسد التي تقودها وتحضرها لمعركة الرقة والتي حدّدت أول نيسان موعداً لانطلاقها، أن اميركا تعلم ان تحضيراتها لمعركة الرقة ليست كافية حتى الآن، وأن فرضية تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه ودخولهم في المعركة قبل الآخرين، ما يقطع الطريق عليها، فرضية واقعية لا يمكن أن تُستبعد خاصة أن الجيش العربي السوري استطاع وبحنكة واحتراف قطع الطريق على تركيا ومنعها من المشاركة في هذه المعركة بامتلاكه السيطرة على قطاع يمتدّ من كويرس الى ضفة الفرات الغربي ما شكل حاجزاً مانعاً للتقدم التركي من الشمال.

هذا المشهد وبكل عناصره الرئيسية وخصائصه التي تفرضها تلك العناصر يؤكد قطعياً أن الوضع السوري في الميدان هو أرجح وأفضل مما كان عليه في الشهر الماضي، ويؤكد أيضا أن وضع معسكر العدوان على سورية متآكل ومتراجع وفي افضل الحالات يراوح مكانه في بعض الأمكنة، ويخسر في امكنة أخرى، ما يعني أن جنيف 5 سينعقد في ظل تقدم معسكر الدفاع عن سورية وتراجع وتآكل في المعسكر المعتدي. وبما ان المنطق وقواعد التفاوض تقول بان التفاوض إنما هو صرف في السياسة لما يحصل في الميدان، فإن السؤال هنا يكون بشكل مباشر هل سيعترف معسكر العدوان بهذا الواقع ويوافق على عملية الصرف، وعندها تتقدم جنيف 5 الى الأمام؟

إن أميركا التي تقود معسكر العدوان على سورية، والتي تدرك هذا المشهد غير المؤاتي لها، لن تكون الآن، وهي في الأشهر الأولى لولاية ترامب جاهزة للاعتراف بالهزيمة، كما نظن، ولذلك لا نعتقد انها ستسهّل أعمال جنيف 5 كما يجب ان يكون ولهذا نعتقد ان حضورها في الاجتماعات سيكون شكلياً غير مؤثر، وفقاً لما كان عليه في جنيف 4 وأستانة، وستعمد عبر دي مستورا مبعوث الأمم المتحدة المنحاز كلياً ضد الحكومة السورية الى عرقلة اعمال الاجتماعات والحؤول دون تحقيق المرغوب سورياً منها، وقد بدأ دي مستورا المهمة حتى قبل بدء الاجتماع بالإعلان عن غيابه عن افتتاح الاجتماعات، رغم أنه هو الذي حدّد تاريخها وفي هذا الغياب طبعاً رسالة سلبية واضحة.

اما على صعيد معسكر الدفاع عن سورية والذي يحضر في جنيف بالوفد السوري المحترف الذي أفشل كل المناورات السياسية السابقة لمعسكر العدوان، فإنه يدرك هذا الواقع ويعمل بما تقتضيه مصلحة سورية في وحدتها وسيادتها وأمنها، لذلك فإنه في جنيف 5 لن يفوّت فرصة فضح مواقف الآخرين واقتناص فرصة انتزاع أي شيء يمكن انتزاعه كما فعل في جنيف 4 في مسألة فرض بند محاربة الإرهاب كأولوية، ويتخذ من جنيف على الأقل منصة إعلامية مؤثرة والإعلام السوري حقق في الجولات السابقة نجاحات في هذا الأمر يمكنه البناء عليها. فإذا كنا لا ننتظر الكثير سياسياً من جنيف 5، فعلى الأقل يمكن الاستفادة معنوياً وإعلامياً في إظهار الحق وكشف زيف العدوان، أما الميدان فإن أعماله تتابع مع جنيف وبعده، كما كانت قبله، والحصاد التراكمي يستمر لصالح سورية.

البناء