الاعتداءات الصهيو – أميركية وإمكانيات الردّ..بقلم: عمر معربوني

الاعتداءات الصهيو – أميركية وإمكانيات الردّ..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ أبريل ٢٠١٧

 بيروت برس -

إنّ تكرار الإعتداءات الصهيو – أميركية على سوريا عبر الجيشين الأميركي والصهيوني بشكل مباشر يستدعي منّا إعادة تعريف الحرب على سوريا لارتباط التعريف بالكثير من التساؤلات وأجوبتها، فما يحصل في سوريا ليس أمرًا عابرًا ولا حربًا أهلية كما ارادوا تسميتها وكما أرجعوا السبب منذ بدايتها الى تمنّع الدولة السورية عن الإستجابة لمطالب اصلاحية وهي بالتأكيد مطالب محقّة تحتاجها اي دولة في كل مراحل تطورها، رغم قناعتي أنّ مستوى الأمان الإجتماعي والإقتصادي في سوريا لا يستدعي ما شهدناه من تظاهرات كانت مجرد محاكاة لسيناريوهات مماثلة حصلت في تونس ومصر وليبيا وانتقلت الى سوريا، وكان من أطلقها يأمل ان تصل الى نفس النتائج في البلدان المذكورة.

لكن حسابات الحقل لم تتوافق مع حسابات البيدر، فقد وجد اعداء سوريا انفسهم أمام قرار بالتصدي والمقاومة اتخذته القيادة السورية في ظروف معقدة وصعبة لم تصمد تونس ومصر وليبيا في مواجهتها، على عكس القيادة السورية التي تمثل حالة متكئة على خلفية متجذرة وعميقة في التجربة والتنظيم في حدوده المقبولة، ما يعني اننا كنا امام منظومة متكاملة ومتجذرة وعميقة يبدو ان تفاصيلها لم تكن بمتناول الإستخبارات المعادية، وهو برأيي العامل الأساسي الذي شكّل للأعداء الصدمة الأكبر وهي متلاحقة حتى اللحظة ولن تنتهي مفاعيل مفاجآتها حتى لو انتهت الحرب.

في سوريا دولة عميقة مترابطة وُضعت اسس قواعدها على اساس عقائدي وارتكزت على قاعدتين هما:
1-    بناء الدولة الإجتماعية التي أمّنت مجانية التعليم والإستشفاء والنقل الرخيص والإنتقال بسوريا من دولة زراعية بدائية الى دولة ذات خطط خمسية متصاعدة وصلت الى مرحلة التكامل بين الزراعة والصناعات التحويلية المرتبطة بها والصناعات الخفيفة النوعية وصولًا الى مرحلة الصناعات الثقيلة.
2-    استخبارات قوية متشعبة ومتوازية عملت على تأمين الحد المقبول من تحصين الساحة الداخلية ومتابعة التهديدات الداخلية والخارجية، وامتلكت قاعدة معلومات كبيرة وخبرات تصاعدية مهمة وكان لها الدور الأساس في تأمين مرحلة الإنتقال من الصدمة الناتجة عن إطلاق الحرب على سوريا الى مرحلة الدفاع السلبي والإيجابي ومرحلة الهجوم المضاد الحالية.

وعليه، فإنّ ما نراه هو حرب كونية بإرادة صهيو – اميركية وتمويل خليجي تخوضها ادوات محلية ووافدة ذات بعد اسلاموي تكفيري تم تفريخها عبر سياق زمني طويل ومعقد بصيغتها الحالية منذ حرب افغانستان بمواجهة الإتحاد السوفياتي حينها.
ومع وصول الجيش السوري الى مرحلة استعادة المبادرة وسيطرته على الثقل الإستراتيجي للدولة وتمكنه من تحقيق الإنتصارات الكبرى، نرى الأصيل يتدخل لإعادة  رسم الميدان بضربات محدودة هدفها ايصال الرسائل بمختلف الإتجاهات.

وعليه، فإني سأقارب الإعتداءات الصهيو – أميركية على سوريا بثلاثة ابعاد: "البعد السياسي – الإقتصادي والبعد العسكري الإستخباراتي والبعد التقني".
1-    في البعد السياسي – الإقتصادي: لا يستطيع أحد يمتلك الحد الأدنى من الموضوعية من خلال مقاربته لأصل الهجمة وطبيعة المشروع المعادي وأهدافه أن يُنكر البعد الإقتصادي للهجمة المرتبط بحقول الغاز والنفط والممرات النفطية والغازية والبحرية، وهو امر يمكن مراجعة تفاصيله من خلال مئات الأبحاث والدراسات الغربية قبل دراساتنا وأبحاثنا والتي تحتوي على تأكيدات وشروحات وتفصيلات حول تاريخ الغرب كناهب دولي في التعاطي مع هذا الملف والكيفيات والاساليب التي استخدمها ولا يزال للوصول الى غاياته وأهدافه ضمن مسار متبدل الآليات وثابت في الأهداف، استطاع من خلاله ان يحيّد كامل دول الطوق ما عدا سوريا عبر اتفاقيات "كامب ديفيد"  و"اوسلو" و"وادي عربة"، كما استطاع ان يدمّر قدرات العراق ويرجع به الى الوراء عشرات السنين وأن يجعل منه نموذجًا طائفيًا أريد من خلاله ان يتم تعميمه على كامل المنطقة، لكن الأمور رغم سوئها تسير عكس الرغبة الأميركية والصهيونية بسبب حالة المقاومة التي مثلتها سوريا ولا تزال، اضافة الى نموذج المقاومة اللبنانية والفلسطينية والصلابة الإيرانية المتقدمة في تقديم الدعم والمؤازرة الفورية والمستمرة والمتصاعدة لسوريا منذ بداية إطلاق الحرب على سوريا، وبالطبع الدخول الروسي على خط الحرب مباشرة والذي سبقه وقوف روسيا سياسيًا وديبلوماسيًا واقتصاديًا الى جانب سوريا التي مثلت ديبلوماسيتها ولا تزال حالة استثنائية في ادارة الصراع السياسي والديبلوماسي بمهارة وحكمة وصبر وتفانٍ، وهو عامل لا يقل اهمية عن عامل الصمود العسكري.

2-    في البعد العسكري والإستخباراتي، لا يشك احد بالقدرات التي يمتلكها الأميركيون والصهاينة والتفوق الذي يمتلكونه لناحية عدد ونوعية الأسلحة والعتاد الموجود بحوزتهم، اضافة الى قدرات الإستطلاع الإلكتروني المتقدم وكل ما يرتبط بأدوات وآليات خوض الحرب، ونحن عندما نتكلم عن الحرب على سوريا نأخذ بعين الإعتبار قدرات المشغّل الأساسي للجماعات الإرهابية التي تم إطلاق يدها لخوض حرب لا نمطية على كامل الجغرافيا السورية وكانت ردًّا على صمود الدولة في مرحلة التظاهرات التي تكلمنا عنها اعلاه ولم تحقق اهدافها، لهذا تم الإنتقال الى البعد العسكري بهدف الوصول الى تفتيت الجيش السوري وانهاء قدراته والسيطرة على سوريا، وهو الأمر الذي لم يحصل خلال ست سنوات من الهجمة لتمكن القيادة السياسية والعسكرية من ايجاد الأساليب والوسائل المناسبة لتأمين حالة الصمود والتأقلم مع التطورات بشكل تصاعدي بعضه مدروس وبعضه تجريبي بسبب لا نمطية الحرب، لهذا وكما أسلفنا سابقًا تحصل في محطات محددة ضربات مباشرة صهيو – اميركية تهدف الى تعديل ميزان الميدان ولكنها رغم تنفيذها تبقى ضربات محدودة ويتم التعامل معها في بعدها المحدود، مع الإشارة الى انّ القيادة السورية تعلم جيدًا عدم الحكمة في فتح جبهة مواجهة مع الكيان الصهيوني حاليًا بسبب تركيز الجهد على الجبهات الداخلية الى حين توفر الإمكانيات والظروف المناسبة، وتكتفي بالتعامل مع هذه الضربات بشكل محدود وضمن الإمكانيات المتاحة.

3-    في البعد التقني، لا بدّ من شرح طبيعة الضربات التي نفذتها اميركا والكيان الصهيوني حيث كنا امام تعامل مباشر مع الطائرات الصهيونية اكثر من مرّة، نتج في مرتين منهما اسقاط طائرتي اف – 16 وطائرة استطلاع بدون طيار واصابة طائرة اف -16 اخرى، وهو ما يجعل الطائرات الصهيونية تستخدم المجال الجوي اللبناني وعلى ارتفاعات محددة لتأمين عالم المفاجأة وتحاشيًا لالتقاطها من قبل الردارات السورية حيث تعمد الطائرات الصهيونية الى اعتماد مسار داخل  الأراضي اللبنانية تحت خط القمم للسلسلة الشرقية لجبال لبنان ومن ثم تعمد الى الإرتفاع عند نقطة محددة فوق خط القمم لتطلق صواريخها وتعود ادراجها وذلك عندما تستهدف اهدافًا في محيط دمشق محققة عامل المفاجأة والسرعة في الإستهداف، اضافة الى استخدام الصواريخ الجوّالة متوسطة المدى والتي يمكنها سلوك مسار فوق الأرض تتم برمجته مسبقًا بحيث يحقق ايضًا عامل المفاجأة بغياب منظومة الإنذار والمتابعة التي عملت الجماعات الإرهابية على تدميرها، وخصوصًا في تل الحارة شمال درعا ومرصد صيدنايا للحرب الإلكترونية وموقع مرج السلطان في الغوطة الشرقية وغيرها الكثير من مواقع الإستطلاع الميداني، وهو ما يطرح تحديًا جديًا في ظل الإستهدافات المحدودة الّا اذا تمت استعادة استكمال بناء منظومة الدفاع الجوي من رادارات ومنظومات اطلاق متنوعة ومختلفة يمكنها ان تؤمن تكاملًا يؤدي الى منع اي شكل من الإستهداف سواء كان عبر الطائرات او الصواريخ الجوالة او بالحد الأدنى الحد من هذه الإستهدافات.

لذلك لن يكون هناك حل كامل لمسألة الإستهدافات الّا بتوفر منظومة متكاملة يقول الروس انهم بصدد توفيرها للدولة السورية في وقت ليس بالبعيد، لنستطيع عندها القول إنّ الأمور قد تدخل في باب التكافؤ والتوازن الذي يمنع الأميركيين والصهاينة من تكرار ضرباتهم.