بين «رمادية السيسي» وخلاف «المشيخات النفطية»: دراما رمضانية بحبكة دموية

بين «رمادية السيسي» وخلاف «المشيخات النفطية»: دراما رمضانية بحبكة دموية

تحليل وآراء

السبت، ٢٧ مايو ٢٠١٧

 فرنسا- فراس عزيز ديب
لم يكن مُستغرباً أن تدخل الدراما السورية مرحلةَ الاحتضار لدرجةٍ دفعت العديد من الفنانين لإطلاق ما يشبه «نداء استغاثة». من أزمةِ النص أو التسويق إلى فضائح سرقة أفكار من مسلسلاتٍ أجنبية، وكأن الأقلام السورية دخلت «سن اليأس»، أو أن الأمر مجرد هروبٍ من تصوير الواقع لأنه لم يعد مادةً دسمة على فضائيات البترودولار إذا لم يكن كما تشاء في تحديد الظالم والمظلوم. هذا الخفوت للدراما السورية رافقه ظهور «درامات» ثانية ستكون مسلية للمواطن السوري خصوصاً والعربي عموماً في هذا الشهر الفضيل، ولعل أهمها تلك الدراما التي بُنيت على حدثِ ارتفاع حدة الخلاف بين مشيخات النفط حتى وصلَ درجاتٍ غير مسبوقةٍ تعدت فكرة التراشق الإعلامي. هي دراما يجيد ممثلوها لعبَ أدوارهم دون ارتجالٍ، لكنها ستبقى بعيدة عن فكرة «النجم الواحد» للعمل، تحديداً أن الكاتب الذي نجح سابقاً في معظم «حبكاته» بتدميرِ بلدانِ وتفتيتها لا يبدو بعيداً عن هذه الحبكة، وإن اختلفت البيئة المحيطة.
منذ أن نشرت وسائل الإعلام القطرية ما نشرته عن لسانِ أميرها، ظن كثر أن الأمر سينتهي خلال ساعاتٍ، فالخطاب والمصطلحات المستخدمة لا تمثل تلك المشيخة، كذلك الأمر فإن الظروف السابقة لما جرى لم تكن لتشير إلى اقترابِ هذا الانشقاق الخليجي. هذه المقاربة تؤكد لنا بصورةٍ غير مباشرة أن القطريين صدقوا بقولهم إن مواقعهم تعرضت للاختراق لكن من هو صاحب المصلحة في ذلك؟
مبدئياً لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال افتراض أن ما جرى هو خطة مدبرة من المحور الذي لا تنتمي إليه قطر بهدف ضعضعة الحلف المقابل، والتبرير بسيط:
لو كان الروس ومعهم السوريون أو الإيرانيون يقفون خلف هذا الحدث لكان الأمر انتهى بعد ساعات لمجرد إعلان الدوحة أن مواقعها تعرضت للاختراق، لكن القطريين اعتذروا علناً، ورغم ذلك ظلت الوسائل الإعلامية التابعة لكل من «أحفاد شخبوط» و«آل سعود» يستثمرون بالحدث وكأنهما من سعيا إليه. إن الإصرار على رفض الاعتذار والتوضيح يوحي بأن الكاتب دخل مباشرةً في الحبكة الدرامية لأن أدواتها موجودة، أي أن قطر تعرضت لانقلاب داخلي بأيدي الحلفاء، وليس لهجومٍ أرادَ توريطها مع الحلفاء، أمران مختلفان والفرق بينهما هو ما يشي لنا بما هو آتٍ في الحلقات القادمة، فكيف ذلك؟
أولاً: غالباً ما تدفعنا العواطف للنظرِ في مثل هكذا حالاتٍ باتجاه نوعٍ من الارتياح، لأن الخلاف بين رُعاة الإرهاب أياً كان أفضل من تصالحهم. لكن تبقى العواطف شيئاً والواقع شيئاً آخر، لأننا هنا لا نتحدث عن رعاةٍ بالمعنى المستقل للكلمة وإنما نتحدث عن مجردِ ممولين أما الراعي الرسمي فهو يفرض مشيئته بالطريقة التي تناسب مصالحه.
ثانياً: ما جرى لم يكن فقط تالياً لقمة الذل «الأميركية- الإسلامية» في الرياض لكنه بذات الوقت كان بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للبيت الأبيض وماحُكي عن إخفاق لقائهِ بنظيره الأميركي الذي لم يستمر لأكثر من ثلثي الساعة. هذا يعني أن تكريس «آل سعود» على زعامة التحالف المذهبي الذي تم الاتفاق عليه في القمة بدأ يأخذ الخطوات العملية الأولى، ما يعني أن هذا الخلاف لن يكون له أي أثر على ملفات المنطقة بما فيها الحربان على سورية واليمن، بل على العكس ستحمل الأسابيع القادمة استفراداً لـ«آل سعود» بكل هذه الملفات.
ختاماً؛ قد يرى البعض أن انشقاقاً كهذا سيدفع كلاً من التركي والقطري باتجاه روسيا وإيران بشكلٍ أكبر. هنا علينا أن نتذكر أن القطري والتركي والإيراني أساساً مجتمعون على نقطة واحدة وهي أن ما جرى في المنطقة بما فيها وصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر هو «صحوة إسلامية»، مع ذلك لم يكن لهذا الأمر أي انعكاسٍ في الملف السوري تحديداً، لأن ما هو أخطر أن كاتب حلقات هذه الدراما لن يتابع في حبكته على أساس أن كلاً من قطر وتركيا سيبقيان كما هما الآن، ربما إن كان الأمر سيأخذ وقتاً بما يتعلق بالتركي لكن الملف القطري وُضع فعلياً على نار حامية وكل هذه التشابكات أرادها الأميركي مدفوعاً بالمال السعودي لرفع مستوى الاستثمار في الفوضى، هذه الفوضى قد لا تكون ضمن حساباتها منطقة الخليج العربي فقط، فأين مصر من كل هذا؟
عندما نتحدث عن مصر ينتابنا نوع من الأسى، ليس فقط لمكانتها في قلوب السوريين بعيداً عن الشعارات الرنانة، لكن لأننا لا يمكن أن نتخيل دولةً بعراقتها تهرب من «دلف قطر» لتقع تحت «مزراب آل سعود». إن إطالةَ القيادة المصرية الحالية للنوم في العسل تبدو أحد مشاكلها، لكن المشكلة الأهم أنها ما زالت مقتنعة وتريد إقناع شعبها بأن سياسةَ اللعب على أكثر من حبلٍ أمر مجد. منذ استلام السيسي للسلطة حاول أن يزاوج بين موقع مصر ومكانتها، وبين سباحته مع تيار «آل سعود» إلى ما لانهاية. هذا الانفصام إن جاز التعبير نقلته القيادة المصرية أتوماتيكياً إلى وسائلها الإعلامية الرسمية والمستقلة، بالإضافة لما يسمى «النخب»، هؤلاء بمعظمهم متفقون مثلاً أن قناة «الجولاني القطرية» تدعم وتمول الإرهاب في مصر وهي ليست للرأي أو الرأي الآخر، لكنها وسيلة للسيطرة على عقول البسطاء لتدمير أوطانهم وعندما تسألهم ماذا عن «عربية آل سعود» يهربون من الإجابة ليحدثوك عن مساعدتها للشعب المصري خلال الأحداث التي أطاحت بحكم الإخوان! حتى عبارات السيسي في قمة الذل «الأميركية- الإسلامية»، أو خطابه قبل أمس بعد الحادث الإرهابي الذي استهدف حافلة للمدنيين كانت واهية والأمثلة كثيرة؛ منها: تحدث عن الدول التي تدعم وتمول الجماعات الإرهابية وتقيم معسكرات تدريب لها، هل هذا الكلام يشمل «آل سعود» باعتبارهم فعلوا كل هذا في سورية؟ تحديداً إنه ذات نفسه اعترف أن عملية تدمير سورية انتهت والدور آتٍ على مصر. دائماً ما تلهت النخب المصرية بعبارة «مصر ليست سورية». يوماً ما رددنا عليهم بالقول فعلاً مصر ليست سورية إذ لا تستوي دولة يرفرف فيها العلم الإسرائيلي مع دولة ذاق شعبها منذ سبع سنوات العلقم كي لا يرتفع هذا العلم في عاصمتها. أغلبهم مازال مقتنعاً بأن ما يجري في سورية «حرب مذهبية» يستحيل أن تمتد إلى مصر، لكنهم يتجاهلون أن هناك من يحاول تسعير مشكلة أعظم وهي «الحرب الدينية» التي هي أشنع من المذهبية، هل نعود بكم لما فعلته هذه المشكلة في لبنان؟ قبل الخروج للتنظير بالحرب على الإرهاب هناك أسئلة لابد للأخوة في مصر أن يجيبوا عليها لتسهيل التعاطي مع الآتي: هل يمتلك الإخوان المسلمون خزاناً شعبياً مصرياً لا يمكن تجاهله؟ هل بات الأزهر يمارس دور «الدولة الدينية» ضمن «الدولة الوطنية»؟ ختاماً هل هناك من يسعى في واشنطن وفرنسا (تحديداً اللوبي القبطي المتصهين) لتسهيل مشروع إقامة الدولة القبطية؟ يبدو هذا السؤال هو المفصل، أجاب عنه السيسي بطريقةٍ معكوسة بالقول إن استهداف الأقباط يهدف لجعلهم يرحلون، كيف سيرحل ملايين البشر؟ لماذا لا نأخذ مقاربة أدق بأن ارتفاع حدة العمليات هي بداية الطريق نحو ما يريدونه لمصر؟
هذه المقاربات تقودنا لنتيجة أساسية إن مصر ستكون مرشحة لتكون مسلسلاً في دراما الدم التي لا تنتهي، كما أنه يؤكد أن القيادة المصرية في وادٍ والأحداث المتتابعة في وادٍ آخر، لدرجة يخرج فيها السيسي ليحدثنا عن «عشمه» بجدية الرئيس الأميركي في محاربة الإرهاب. إنها للأسف سياسة «الحوَل السياسي» التي بدأت مع صدام حسين عندما قرر تحرير القدس عبر غزو الكويت، أما اليوم فإن الرئيس المصري قرر محاربة ما يخطط لمصر عبر قصف الإرهابيين في ليبيا، ويبدو أن الأمر استقاه من استعراض العضلات الذي قام به الرئيس الفرنسي السابق فراسوا هولاند عندما قرر الانتقام لضحايا اعتداء «نيس» بقصف مواقع لـ«داعش» في الرقة يومها كان هولاند مادة دسمة للسوشيال ميديا الفرنسية عندما قالوا: الحدث هنا، وهولاند قرر الانتقام هناك. إذن ماذا ينتظرنا؟
الرمادية لم تعد مجدية، فنحن فعلياً دخلنا مرحلة أكثر خطورة من سابقاتها، لأن «الاستثمار في الفوضى» مشروع سيكمل به الأميركي حتى استنزاف آخر دولة في المنطقة. مصر لن تكون هدفاً فقط بل ستكون مسرح عمليات وما يجري بين مشيخات النفط لن ينتهي بهذه البساطة، ربما هي دراما مستمرة حلقته الأخيرة لن يتم عرضها حتى تصبح منطقة الشرق الأوسط بالكامل «عالحديدة»… طوبى لمن ينجو.