«أنا امرأة الأرض» مجموعة شعرية للشاعرة ليندا إبراهيم … إلى أين أمضي.. ولي جسد قدّ من مريم الحزن.. روح مليء بملح الغياب..

«أنا امرأة الأرض» مجموعة شعرية للشاعرة ليندا إبراهيم … إلى أين أمضي.. ولي جسد قدّ من مريم الحزن.. روح مليء بملح الغياب..

شاعرات وشعراء

الخميس، ٢٩ يونيو ٢٠١٧

سارة سلامة

صدر عن اتحاد الكتاب العرب سلسلة شعرية للشاعرة ليندا إبراهيم بعنوان «أنا امرأة الأرض»، حملت في جعبتها العديد من القصائد للوطن والحب والأم والشهيد، ما يوضح تأثرها الكبير وعاطفتها تجاه كل ما يدور حولها، متناولة هذه المحاور بأسلوب جميل يبرز شخصيتها الحساسة الشغوف والمجبولة بكثير من الأدب والحب والشعر، وذكرت الكاتبة في المقدمة هذه الأبيات بعنوان «نص البدء.. نص الختام..».

لا بدّ من سفر إذاً..!
فالروح تنشج
واشتياق العاشقين يذيب قلبي مثل صوفي براه العشق
فادّكر الأناشيد القديمة في ظلال الدوّح..!
لا بدّ من سفر..!
لا تنسى الشاعرة أبداً فضل أمها عليها فيما تعلمته بهذه الحياة من القيم الجميلة والنبيلة ومعاني الصدق والعطاء والنبل، أمها التي ربتها وهي طفلة باكية في السرير هي الآن بيت أسرارها والحضن الدافئ الذي تختبئ إليه من ظلم الأيام فهي بيديها وقلبها الكبير تهب الحياة للجميع.

إليها أيضاً.. أمي..
مذ علّمتني رسم وجه الخبز في الأعياد..
ميقات اليتامى في الدّروب
ورتّلت قربي نشيد الجوع والخصب المعلّل
بالأغاني..
كانت تقوم العمر لي مهدي أراجيحٍ
وروح يمامةٍ من أخضر التّكوين..
عينين ائتمنتهما على أسرار روحي
لا الشمس أدفأ من سناها..
لا
ولا القمر المعتّق
-حين تصنعه عجين الروح-
أبهى من بهاها!!
أو دمعها.. يا دمعها!..
كنز الفقير..
وراحتاها:
سهل قمح الجائعين..
هي زينب المظلوم..
فاطمة اليقين..
ومريم الأحزان..
إذ تهب الندى للبائسين..
تبين لنا الشاعرة في «أضحيات» معاني التضحية والإخلاص وكيف يضحي الإنسان بنفسه من أجل الشيء الذي يصبو إليه.

أضحيات
جمعنا قرابيننا.. وبقايا خطانا..
وجئنا لمعبدك الطّهر نزجي نذور هوانا..
فيا سيّد الخير..
املأ سلال جوانا..
رحيقاً من الكوثر العذب
إنا العطاش إليك..
في «نشيد قديم» نرى حالة الحب عندما يشوبها الهجر والنسيان والكلام المكرر ذاته فهو صرح لها بحبه ولكنه رحل واختفى وتركها بالانتظار.
نشيد قديم..
قالها واختفى في قميص الغمام..
كان نرجس روحي بكامل وحشته
يتغنى بذاك النشيد القديم:
«أ.. ح.. ب.. ك..
حتى اليمام!..»
في قصيدة «نشيد لليل الشّآم»، تصف لنا الشاعرة جمالية ليل دمشق وإطلالة القمر الساحرة فهنالك ما تشاهده في هذا القمر وتتبع أثره ولكن ما من أثر واضح في عتمة هذا الليل، فالروح اشتاقت ولم تعد بمقدورها أن تصبر أكثر ومع بزوغ فجر دمشق لم تستطع تمالك نفسها فانفجرت بالبكاء.

نشيد لليل الشآم..
الوقت كالشجر البكاء..
ووجهه قمر قصيٌّ
غاب في ليل الشآم..
وما تبقت غير نرجسة بقلب الرّوح
تبتكر الغناء..
وجه.. بلون مآذن النجوى
بصبح دمشق..
كالسلوى.. بروح الأتقياء..
بدأ البكاء..!
أما في قصيدة «مناجاة»، تنادي فيها روحها من الداخل وتتساءل أين خلان الروح، وتسأل الورد والناس هل من أحد مرّ قرب داره، فهي اليوم تريد أن تسلم على عينيه لأن عيونها لم تنم من كثرة الاشتياق والحنين مع أن النعاس أضناها.

مناجاة
وبتّ أناجي الروح أين نديّه..؟
ويا عطره، هلا مررت على الورد!
ويا سارياً.. بالله.. مرّ بربعه..
وسلّم على عينيه.. سلّم على الخدّ..
فجاءت جفون اللوز سراً مع الكرى..
تهيم اشتياقاً في أضاميم من «رند»..!
وفي قصيدة «طفل الأناشيد» المهداة إلى روح الشاعر الكبير سليمان العيسى، تصف لنا الشاعرة حالة الاحترام والتقدير والحزن لفقدان مثل هذه القامة المؤثرة في أعماق كل منا، وتقول إنها لم تستطع بمكان ما أن تكتب بهذا الخصوص، لأنها على ثقة أن لا شيء بإمكانه التعبير عن بالغ حزنها، وعند ذكر قامة كهذه فإن الحبر في قلمها سيبدأ هو نفسه الكتابة بكل ما هو جميل وهي اليوم لا تملك سوى الصلاة في ليل الذكرى لهذه القامة، وتقول أليس من الجدير به أن يبقى بيننا ويبقى يكتب للأطفال أجمل القصائد؟

طفل الأناشيد
ماذا أقول اليوم
يا طفل الأناشيد الجميل!..
ماذا سأكتب في غيابك
كي يصير الحبر أجمل..
ما أضيف لحزنك العالي لتصبح هذه الآلام
أعمق..؟
لم يعد في روحك الخضراء
غير تهجّد الجرح الجليل..
يا صاحب القلب المبلل بالقصائد والنشيد..
أوليس أفضل أيها القلم النبيل
بأن بقيت مغرداً
في ليل أمتنا الطويل؟..
وفي قصيدة «امرأة الأرض» وهي التي اختارتها عنواناً لهذه السلسلة الشعرية توضح فيها قوة ذاتها في عنوان يبرز معنى التحدي والعنفوان، فتقول إن السنين أنهكتها وحتى الناظر إلى وجهها يرى كم الوجع الذي مرت به منذ القدم إلى اليوم، وتصف نفسها بأنها امرأة المتعبين جسدها أنهكه الحزن الشديد، فهي امرأة خالية كصحراء مهجورة لا تدري إلى أين تمضي وروحها مملوءة بالغياب.

امرأة الأرض
أنا امرأة الأرض..
لي جسد من رفات السنين
ووجهي ذوب عناءٍ.. قديم..
وتاجي سنابل للجائعين
ولدت..
يداي أصابع ملحٍ
وفوق جبيني إكليل قمحٍ
وصلّيت..
كي يملأ الغيم مملكة الياسمين
أنا امرأة المتعبين..
إلى أين أمضي
ولي جسد قدّ من مريم الحزن،
روح مليء بملح الغياب..
كأن المساكين عبر العصور
كتاب التّراب..
أنا امرأة من يباب..
وهذه بعض عناوين ما تضمنته السلسلة الشعرية: نشيد السهر، هِيَ، سفر، مُدَلَّه، زلـيخَا، ظهور، هموم الرُّوحِ، أُمُّي، سلاماً أمير الغمام، نَاسِكُ التُّرَاب، قبضُ رِيحٍ، نَشِيْدٌ لأُنْثَى الضَّبَاب، لقاء دمشقي، يوسف، سِيْرَةُ العَاشِقِيْن، وداعاً دمشق.