جِلَّق البدء والمُنتهي..!!.. بقلم: سيدي محمد ولد ابه

جِلَّق البدء والمُنتهي..!!.. بقلم: سيدي محمد ولد ابه

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧

أكثر من ثلاثين ساعة من السفر مررنا عبرها بأربع عواصم عربية، وانتقلنا من قارة إلى أخرى، حتى وصلنا دمشق.. كان السفر مُضنياً إلى حد بعيد، لكن لا ضير ففي الطريق إلى "جلق" الفيحاء تهون الصعاب، وهي التي قال فيها شاعرها الفحل: "إن مَهْر المناضلات ثمين". سيما إن كانت هذه المناضلة دمشق أرض الفاتحين، ومرقد الصحابة وعُظماء الأمّة الخالدين.

هي دمشق التي "كانت حين في الليل فكر الياسمين".. دمشق التي قرأنا عنها الكثير، وعشقناها حد الولَه، قبل أن نراها، هي هي بهضابها الشامخة، وهوائها العليل، وتاريخها الحافل بالأمجاد والتضحيات، هي هي بحاضرها الزاهر، وأهلها الطيّبين، وجنودها البواسل.

لم تلفح سنوات المؤامرة الكونية الست في تغيير شيء من عادات ومعالِم دمشق وكَرَم أهلها الحاتمي، وتمرّدها الأبدي على قوانين الغاب، وشرائع وذرائع العالم "الحر".

الناس في دمشق هم عُصارة هذه الأمّة، ومعين عزّتها، وعنوان كرامتها التي لم تجرح إلا انتفضت سوريا ثأرا لها. حين تتجوّل في الشارع، تقرأ في وجوه الدمشقيين، كبرياء يوسف العظمة، وعنفوان حافظ الأسد، وسماحة شهيد المحراب محمّد سعيد رمضان البوطي، وتُبصر في عيونهم إصراراً وعزيمة لا تلين على العيش بحرية فوق هذه الأرض التي سقوها بدمائهم، في توارث نادر لعشق الموت في سبيل الوطن..

في باطن الأرض السورية ينام خالد ابن الوليد وبلال ابن رباح، وحُجر بن عدّي، وأبو الدرداء الخزرجي، وضرار بن الأزور، وأبو موسى الأشعري، وصلاح الدين.. وغيرهم من الصحابة والفاتحين..

وفيها أيضاً يرقد أبطال الثورة السورية ضدّ الاستعمار الفرنسي 1925 ومئات الضبّاط والجنود الذين استشهدوا في معارك التحرير، وحروب العزّة والكرامة ضدّ الكيان الصهيوني، ومعركة الوجود التاريخية التي تخوضها سوريا الآن في مواجهة العصابات الإرهابية وكل أشرار العالم، نيابة عن القاعدين مع الخوالف من أبناء يعرب..

وعلى أديم هذه الأرض التي "يبدأ منها وينتهي التكوين" يمشى اليوم بخُيلاء أحفاء أولئك الصحابة، وهؤلاء القادة، وتلك الحُقَب التي تتالت إثرها حُقَب، عمّر فيها السوريون الأرض وذادوا عن حياض أمتهم وكرامتها.

ولأن هذا الشبل من ذاك الأسد، فقد برهنت أحداث السنوات الست، أن العربي السوري، قُدَّ من جبال: قاسيون، والشيخ، وتل الندى، وتل العرام، والأربعين.. وإنه لن يبرح هذه الأرض، ولن يبخل عليها بدمه حين يحين وقت الجد، وتخرج السيوف من أغمادها، وتُثير النقع حوافر الصافنات الجياد.

دمشق اليوم هي حاملة لواء المقاومة، وآخر قلاع العزّة، لذلك هم حاربوها بما أوتوا من قوة، لكنها هزمتهم في النهاية، وبدأت تستعيد شيئاً من ألقها الحضاري والثقافي الذي أنار دروباً موحِشة في أوروبا والخليج قروناً عديدة..

في دمشق اليوم وكما في كل مدن سوريا، يد تبني وأخرى تحمل السلاح، آليات البناء لا تتوقّف عن ترميم الطرقات، وإعادة بناء ما دمّرته العصابات الإرهابية، وما سرقه "خليفة المسلمين أردوغان" من مصانع الشهباء حلب..

وفي الميدان السياسي، لا تُخطئ العين قوافل الوفود العربية والأجنبية وهي تزرع شوارع دمشق لحضور اجتماع هنا أو هناك، بالتوازي مع نشاط دبلوماسي لم يتوقّف أصلاً منذ اندلاع الأزمة..

سوريا تتعافى بفضل الله، وحنكة قيادتها السياسية، وبصبر وتضحيات جنودها البواسل والتفاف شعبها العظيم خلف قائده الأسد.. من دون أن نتجاهل دور حلفائها في حزب الله وإيران وروسيا. أما محور الإرهاب فقد انكسر إلى الأبد، وما "أزمة الخليج" إلا واحدة من تداعيات هذا الانكسار وتجليّاته، التي ستتوالى تباعاً خلال الأشهر والسنوات اللاحقة..