سائقو السيارات الحكومية والشاحنات: غنائم لا تُفوَّت!

سائقو السيارات الحكومية والشاحنات: غنائم لا تُفوَّت!

أخبار سورية

السبت، ٢١ أكتوبر ٢٠١٧

 مرَّ ما يقارب الخمس سنوات وسامر الموظف بمهنة سائق في الشركة السورية للمطبوعات لا يجرؤ على مغادرة دمشق، ففي ذلك اليوم «المشؤوم» من عام 2012 تعرض لعملية خطف استمرت لساعات، ولم يعد إلى عائلته إلا بعد أن تم دفع فدية وصلت قيمتها إلى نحو نصف مليون ليرة سورية. يروي الرجل ما حدث معه، فيشير إلى أنه كان يتولى إيصال المطبوعات الموزعة من قبل الشركة إلى محافظة اللاذقية، وبينما كان يحاول الوصول باكراً إلى اللاذقية، اعترض مسلحون طريقه في منطقة النبك.

من بعيد، اعتقد أنهم دورية أمنية، لذلك سارع كالمعتاد لتحضير نسخ من الصحف اليومية الصادرة لإعطائهم إياها، لكن ما أن توقف حتى أصبح «الكيس» في رأسه، ليتم إخراجه فوراً من السيارة بالقوة ويُقتاد إلى جبال القلمون القريبة، حيث نال هناك نصيباً وافراً من التعذيب الجسدي والنفسي. نهاية قصّة سامر، هي أن الخاطفين طالبوا بفدية مالية، وقد تمكن أهله بمساعدة زملائه في العمل من تأمينها وإعادته.
حظ سامر كان أفضل بكثير من حظ زميله الذي تعرّض للخطف وسيارته في منطقة بانياس بداية الأحداث، ومنذ ذلك الحين لم يُعرف عنه شيء. وبحسب مدير «الشركة السورية للمطبوعات»، آدم محمد، فقد «تعرض ستة سائقين من الشركة للخطف خلال سنوات الأزمة، جرى إطلاق سراحهم بعد دفع فدية مالية، وهؤلاء يعانون اليوم من ضغوط نفسية جراء تلك التجربة، وبعضهم يرفض تنفيذ أيّ مهمة للشركة خارج دمشق، ونحن نقدّر ذلك». ويضيف في تصريح إلى «الأخبار» أنّ «عمليات الخطف كانت تطال السائقين وسياراتهم معاً، وإن كان قد عاد السائقون بخير بعد دفع معظمهم فدية، فإن السيارات لا نعلم عنها شيئاً».

كلّ ما يتحرك!

كما هو حال كثير من السوريين خلال سنوات الحرب، فقد شكّل سائقو السيارات الحكومية على اختلاف أنواعها ومهامها هدفاً مباشراً للمسلحين، إما للانتقام منهم بحجة استمرار عملهم في مؤسسات تدعم «النظام»، أو لسرقة سياراتهم واستغلالها في العمليات العسكرية ونقل المؤن... وفي حالات أخرى، لخطفهم ومبادلتهم بفدية مالية أو بمعتقلين.

نسبة الشاحنات التي خرجت من الخدمة النظامية تعادل 60%


ومع أن كثيراً منهم، كانوا يؤدون مهام إنسانية في ظروف الحرب كنقل السلع والمنتجات الغذائية وغير الغذائية بين المحافظات، وتأمين نقل الموظفين والناس العاديين من وإلى أماكن عملهم، إلا أن ذلك لم يشفع لهم، فهم في النهاية بنظر المسلحين «صيد ثمين» لا تجوز خسارته.
تُظهر الأرقام والبيانات، التي استطاعت «الأخبار» جمعها في ظلّ عدم توفر إحصائيات حكومية دقيقة، أن شركات النقل الداخلي الحكومية الموزعة على أربع محافظات، فقدت خلال سنوات الحرب أكثر من 54 سائقاً استشهدوا في مناطق مختلفة، منهم 24 في دمشق، 22 في حلب، 5 في حمص، و3 في اللاذقية، إضافة إلى خطف 9 سائقين وإصابة 46 سائقاً بجروح مختلفة. ولعل حادثة تفجير ثلاثة باصات، كانت تنقل أهالي كفريا والفوعة في إطار اتفاق البلدات الأربع، إضافة إلى حرق ما يقرب من 22 باصاً، تكشف بعضاً من مخاطر العمل التي كانت تلاحق سائقي الحافلات الخضراء، والتي غدا لها حضور خاص في تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين الجيش السوري والفصائل المسلحة. وهنا يكشف كميل عساف، وهو مدير عام سابق لشركة النقل الداخلي في دمشق، أن «مهمات بعض السائقين كانت تستمر أحياناً لأيام عدة متواصلة، يتعرضون خلالها لجميع أخطار المعارك، وبعضهم جرى خطفه وضربه وتعذيبه، ومنهم من لا يزال معتقلاً». وفي حديثه إلى «الأخبار»، يستغرب آدم محمد أنه «رغم كلّ ذلك فإن السائقين الذين فقدوا حياتهم أثناء تنفيذ المهام التي كلفوا بها لم يتم اعتبارهم شهداء، وبعض الجرحى بإصابات دائمة لم يتم منحهم التعويض المناسب». وإذا كان البعض يأخذ على سائقي الباصات «الخضراء» أنهم كانوا ينفّذون مهام لصالح وحدات الجيش السوري، فما التبرير الذي يمكن أن يقدمه المسلحون لقتلهم أربعة سائقين كان يعملون على سيارات مؤسسات تعرف بـ«التدخّل الإيجابي»، والمكلفة توفير ما يحتاجه السوريون من سلع ومواد بأسعار مناسبة، وتسيير قوافل سلع ومساعدات للمناطق المحاصرة والمحررة حديثاً، كما حصل مؤخراً عند فك الحصار عن مدينة دير الزور؟ ثم لماذا يتم قتل سائقين تابعين للشركة العامة للمطاحن؟ الشركة المعنية بتوفير مادة الطحين للمخابز العامة والخاصة!

غنيمة الشاحنات

صحيح أن سائقي الشاحنات الحكومية كانوا أكثر من غيرهم عرضة للخطف والقتل والسرقة بحجة أنهم من «جماعة الموالاة»، لكن ما تحمله سيارات أسطول شركات الشاحنات من سلع وبضائع شكّلت هي الأخرى مع سائقيها «غنيمة» لا يمكن تفويتها. يشير رئيس اتحاد شركات الشحن الدولية في سوريا، صالح كيشور، إلى أن «عدد السيارات التي خطفت مع بضائعها كبير، ومنها من تم التفاوض عليها بمبالغ كبيرة ومنها ما خطف مع سائقيها، ولم يعرف عنهم شيء، لكن منها ما دمّر، ومنها ما لا يزال يعمل في مناطق المسلحين بعد بيعها بأسعار متدنية وخُلعت لوحاتها. أما في ما يتعلق بالبضائع، فغالباً ما كان يتم بيعها وتصريفها في الأسواق». وفي السياق نفسه يكشف رئيس الاتحاد المهني لعمال النقل البري، عماد دغيم، أن «البيانات المتوفرة لدى الاتحاد، والخاصة بخمس محافظات، تؤكد استشهاد نحو 77 سائقاً كانوا يعملون لدى القطاع الخاص ومنتسبين لنقابات عمال وسائقي النقل البري. ووفق ما سجلته نقابة طرطوس مثلاً، فإن المحافظة فقدت نحو 16 سائق شاحنة خلال الحرب، ونحو 9 سائقين ميكروباصات، وسائقين اثنين في قطاع السيارات السياحية». وعن مصير سائقي الشاحنات، يشير كيشور في حديثه لـ«الأخبار» إلى أنّ «عدد من خطف وقتل من السائقين غير معروف إلى الآن، إنما هناك من فقدوا حياتهم، ومنهم سائق كان يعمل لدى شركة الشحن الخاصة بي، وقتله المسلحون لرفضه تسليمهم الشاحنة التي كان يقودها، ومن السائقين من جرى خطفه بغية طلب فدية مالية». وهكذا، بعد مرور نحو سبع سنوات على الحرب، فإن «نسبة الشاحنات التي خرجت من الخدمة النظامية تعادل 60% من إجمالي الشاحنات المسجلة والعاملة، والسليم من هذه النسبة يعمل في مناطق المسلحين، وخاصة في محافظتي إدلب والرقة»، يضيف كيشور.
الخوف الذي كان يلازم سائقي الشاحنات المحملة بالبضائع، والتي كانت تتحرك على امتداد الجغرافيا السورية، لم يكن مردّه منطقة جغرافية معينة أو فصيل مسلح بعينه، فإن سلم هؤلاء من اللصوص وعصابات الحرب المنتشرين على الطرقات في مناطق سيطرة الدولة، كان عليهم أن يستعدوا لخطر آخر يحمله مسلحو «الثورة». وبحسب كيشور فإن استهداف السيارات الشاحنة وسائقيها بدأ مع «الجيش الحر ومن انضم إليه من الأرياف، واستمر مع تنظيم داعش، فضلاً عن اللصوص الكثر الذين كانوا على جميع الطرقات». وهؤلاء لم يكن يعنيهم إن كان السائق مع «النظام» أو ضده، ولمن هذه الشاحنة وإلى أين تتوجه، فالمهم بنظر هؤلاء ماذا تحمل، وبكم يمكن أن تباع؟!