القنبلة النوويّة وقفزة الفأرة .. بقلم: نبيه البرجي

القنبلة النوويّة وقفزة الفأرة .. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٣ أكتوبر ٢٠١٧

يشكون في الكي دورسيه، مقر الخارجية الفرنسية، من أن البيت الأبيض ينظر الى القارة العجوز كما لو أنها سقطت من الكرة الأرضية.
باشراقة فلسفية، لاحظ ريجيس دوبريه أن حلف شمال الأطلسي تحوّل الى سوق للنخاسة. سأل «متى نثور على العصي الأميركية وهي تنهال على ظهورنا؟».
دون جدوى، حاول شارل ديغول أن ينتهج، ومن كيبك، ديبلوماسية الأحذية الثقيلة بالضرب على الباب الأميركي. ورثته، باستثناء فرنسوا ميتران الذي تمرد لبعض الوقت، كانوا أكثر واقعية. أخذوا بديبلوماسية رؤوس الأصابع.
من يتابع الرسوم الكاريكاتورية في الصحف الباريسية يستشف أن دونالد ترامب صورة طبق الأصل عن دونكيشوت، ولكن بشاربي أدولف هتلر. هنا الصواريخ العابرة للقارات هي التي تقاتل طواحين الهواء!
الاليزيه حائر. قدم في واشنطن وقدم في طهران. ايمانويل ماكرون آت من امبراطورية روتشيلد. الأرقام مقدسة. الخطوات مقدسة. لا خطوة في الفراغ. دماغ مبرمج وخلاق. كاد يقول « صدقوني، لم أفهم دونالد ترامب».
يا صاحبي، لم يفهمه سوى بعض الحكام العرب الذين يهللون له ولو تعاطى معهم كما غلمان الحرملك…
اوروبا متعبة. فرنسا متعبة. صفقات السلاح لأميركا. الفتات للدول الأوروبية. السوق الايرانية هائلة ويمكن أن تحد من أزماتهم. الاليزيه يستغرب كيف أن اولئك العرب يقدمون حتى عباءاتهم، او ما تبقى من عباءاتهم للرئيس الأميركي.
الفرنسيون لا يستسيغون البنية الايديولوجية لنظام آيات الله. معلقون كثيرون مرتبطون بالمؤسسة اليهودية، بصورة أو بأخرى، غير أن هناك من يرفع الصوت. أي أوروبا اذا ما تحوّل الشرق الأوسط الى أرض يباس اذا ما أخذنا عنوان القصيدة الشهيرة لـ ت.س.اليوت.
قلق داخل الاليزيه، كما داخل الكي دورسيه، من أن جاريد كوشنر نصح والد زوجته ايفانكا، وبايعاز من دنيس روس (وربما هنري كيسنجر)، بالتخطيط لتفجير حرب بين السعودية وايران. لا حدود برية بين البلدين. هنا الصواريخ والقاذفات، وبطبيعة الحال البوارج والغواصات، هي سيدة المسرح.
تماماً كما حدث مع صدام حسين. هكذا تستنزف المملكة حتى آخر ريال في جيب متسول عند أبواب المسجد الحرام. وهكذا تتداعى الجمهورية وتعود عشرات السنين الى الوراء.
اللوبي اليهودي «الكلي القدرة» يدفع في هذا الاتجاه لتقف الشقيقة تل أبيب مع الرياض، حتى ولو اقتضى الأمر اللجوء الى الرؤوس النووية.
الفرنسيون الذي قد تلاحظ في أدائهم الديبلوماسي بعض اللمسات الديكارتية، يرون أن السعودية ناءت، وتنوء، بأثقالها. خسرت على سائر الجبهات. في سوريا تحاول، وبمؤازرة من واشنطن، أن تعثر على موطىء قدم.
هكذا بعثت بفتاها الأغرّ ثامر السبهان الى الرقة لعقد صفقة مع أكراد أميركا (أين العروبة يا رجل ؟). ألا يستحق السوريون كمية أقل من العذاب وكمية أقل من الخراب؟
باريس شديدة التخوف من تفكيك الاتفاق النووي. هو الباب الديبلوماسي، والاقتصادي، الى الفردوس الايراني. لدى العاصمة الفرنسية معلومات قاطعة بأن الايرانيين لا يحتاجون سوى الى «قفزة فأرة» لحيازة القنبلة.
ماذا يستطيع دونالد ترامب أن يفعل في هذه الحال؟ الحرب مع ايران قد تدمر الخليج، وثروات الخليج. البلدان الحليفة أما غارقة في أزماتها مثل مصر، أومشتتة مثل السعودية. ليس أمامهم سوى الماريشال عمر حسن البشير. هذا المرتزق الذي يقبض ثمن قتلاه في اليمن والذي باع جنوب السودان، لا يساوي ثمن حذاء الماريشال.لا نقول ثمن عصا الماريشال.
الفرنسيون، أو بعضهم، يستهجنون كيف أن الولايات المتحدة التي ضربتها ايديولوجيات القرون الوسطى في عقر دارها، لا تفرض على حلفائها تطبيق الحد الأدنى من الديمقراطية في هيكلية السلطة، والحد الأدنى من التحديت البنيوي للمجتمعات بثقافة القرن لا بثقافة تأبط شراً (الصعلوك الشاعر اذا كنتم تذكرون).
ولكن هل يرى دونالد ترامب العرب أكثر من ذرات من الغبار. الرجل لا يملك عينين ليرى كيف يتشكل الزلزال الآخر. باريس تحذر من الانفجار. دوبريه قال «انه البيغ بانغ»، أي الانفجار الكبير.
رجل يخطط للأهوال في المنطقة. قد تأكله الأهوال!!

الديار