عودة الحريري مفتاح لكل الاحتمالات.. إلا الحل

عودة الحريري مفتاح لكل الاحتمالات.. إلا الحل

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ نوفمبر ٢٠١٧

فرنسا- فراس عزيز ديب
هكَذا قررت القيادة الفرنسية إعادة خلط الأوراق في قضيةٍ لا يبدو أنها متعلقة فقط بمصيرِ رئيس وزراء دولة يحمل من الجنسيات أكثر ما يحمل حكام مشيخات النفط مجتمعين من شهادات، بل هي حجر الزاوية لكل ما هو قادم؛ وبمعنى آخر: منذ مقتل الحريري الأب في شباط 2005 حتى اليوم، استثمر الأميركيون وأتباعهم في هذا الاغتيال كل التفاصيل التي تحقق مصالحهم، من تدمير للمنطقة وصولاً لتعويم الخطاب الطائفي كحالةٍ طبيعية واعتبار الحالة اللبنانية المبنية على المحاصصة الطائفية يمكن البناء عليها لتهديم المجتمعات المتماسكة؛ فهل أن ما يجري من تجاذب اليوم في ملف الحريري الابن وإدخالهِ في دوامةٍ لا حولَ ولا قوة له برفضها أو قبولها سيأتي بالنتيجة ذاتها؟
وصل سعد الحريري برفقة زوجته وولده إلى باريس، إعلامياً بدا التعاطي الرسمي الفرنسي مع الحدث مقتضباً، وربما لديهم عذرهم لأنهم عملياً يجهلون ما سيقولون، فهل يتحدثون مثلاً عن وصول رئيس وزراء لبنان إلى فرنسا بعد أن تم فك أسره من السعودية، كذلك الأمر فإن «الصفقة» التي أخرجت الحريري من الرياض ربما ستبقى كثيراً غامضة البنود، حتى الأوساط الرسمية الفرنسية مازالت ترفض التعليق على كل ما يحكى عن «صفقة» بين الرياض وباريس، بل الحديث هو في العموميات تارةً وتغن بقدرة الدبلوماسية الفرنسية على الدخول بتسويات المشاكل العالقة في المنطقة تارةً ثانية. أما ما يُكتب ويُقال عن تسريباتٍ هنا وهناك فهي لا تعدو كونها سيناريوهات افتراضية، تحديداً أن معظمها لا يبدو منطقياً من الناحية العملية، ولا من الناحية القانونية، وعلى سبيل المثال:
أولاً: لا يمكن الحديث عن تهديدات تلقاها «آل سعود» من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باللجوء إلى مجلس الأمن، هذه الفرضية لا يشبهها إلا فرضية أن «آل سعود» انصاعوا لتهديدات الرئيس اللبناني ميشيل عون باللجوء لمجلس الأمن، لأننا نعرف تماماً أن مجلس الأمن ما إن يصدر قراراً لإدانة جرائم «آل سعود» في اليمن حتى يتراجع عنه، هم لم يخافوا مجلس الأمن رغم جرائمهم المفتوحة في اليمن فكيف لهم أن ينصاعوا لتهديدات رئيسٍ مهزوز من الناحية السياسية؟ أو على الأقل لنقل أنه كان أجدى بهم منح انتصار معنوي كهذا للأميركيين.
ثانياً: لا يمكن الحديث عن عدم قانونية اعتقال المواطن الفرنسي سعد الحريري وتهديد فرنسا للسعودية بضرورة تسليمه لها حتى ولو كان متهماً بجناية ما لمحاكمته، فالقانون الجنائي الفرنسي لا يستطيع محاكمة الفرنسيين الذين يرتكبون جرائم خارج الأراضي الفرنسية من دون طلب تسليمهم أو إصدار لائحة اتهام بحقهم، كذلك الأمر فإن السعودية تملك الحق بمحاكمته وفق قوانينها إذا اعتبرت أنه ارتكب جناية ما على أراضيها، ويعود لها القرار بتسليمه لفرنسا من عدمه.
ثالثاً: لا يمكن الحديث أن الصفقة التي أنجزها الفرنسيون مع «آل سعود» تتعلق بضمانات حول تفعيل الضغط الفرنسي على إيران بشأن برنامجها الصاروخي أو نفوذها في المنطقة كما يكرر الرئيس إيمانويل ماكرون، مقابل ضمان المحافظة على أمن لبنان والذي يبدأ بعودة الحريري إليه، إذ إن ماكرون نفسه يعلم أنه فقير سياسياً ولا قدرة لديه لقيادة أمر كهذا مع المفاوض الإيراني. النقطة الثانية أن الإيراني أغلق الباب مباشرةً عندما اعتبر مستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي أن الرئيس الفرنسي لا علاقة له ببرنامج الصواريخ البالستية الإيراني.
إذاً لا يبدو أن في الأمر صفقة، وهذا يعني حكماً أنه لا اتفاق ضمنياً على حفظِ أمن لبنان، فهل هذا الكلام يعني أننا في وادٍ آخر تماماً؟
منذ إعلان الحريري لاستقالته قبل أسبوعين بدا واضحاً أن هناك ما يمكننا تسميته «دعسات ناقصة» متعلقة بالحريري نفسه، البعض ذهب مباشرةً لاعتبارها دليل إثباتٍ أن الحريري معتقل أو رهن الإقامة الجبرية، لكن مع توالي هذه الـ«دعسات الناقصة»، بدا واضحاً أنها متعمدة ومصطنعة وهناك من يتعمد إظهارها وتعويمها إعلامياً لتصبح هي الحدث الأبرز.
هذا الأمر بدأ مع بيان الاستقالة الذي رأى البعض أن فيه عباراتٍ بلكنةٍ سعودية، تلاها إعادة نشر صور للحريري وهو يبكي وادعاء البعض أن الوزير السعودي ثامر السبهان هو من سربها، وصولاً لمقابلتهِ التلفزيونية وظهور رجل يحمل ورقة حاول إعطاءه إياها ليظهر الحريري بعدها وكأنه شخص مرتبك، وأخيراً وليس آخراً وصول سعد الحريري إلى باريس برفقة ولده وزوجته دون ولديه عبد العزيز واللؤلؤة، بذريعة أن لديهم امتحانات، هذه التفصيلة الأخيرة كان الهدف منها إظهار أن «آل سعود» احتجزوا الولدين كرهائن لضمان عدم خروج والدهم عن النص خلال وجوده خارج المملكة، وكأن ابن سلمان لا يمكن له أن يلوي ذراع الحريري إلا من هذه الناحية، إذ يكفي أن يعلنوا سحب الجنسية السعودية منه ومصادرة أملاكه وأمواله.
هذا التعويم لهذه الجزئيات كان ولا يزال الهدف منه إبقاء حزب اللـه وحلفائه في اتجاه أن الحريري مختطف وأن عليه العودة فوراً، ربما يعرف «آل سعود» لماذا يريدون هذا التعويم لأنه سيأتي بنتائجه في قادمات الأيام وبمعنى آخر: عندما نستبق الأمر بنفي فكرة احتجاز «آل سعود» لطفلي الحريري، فليس لأن «آل سعود» مسالمون فمن تورط بدماء الأطفال في اليمن وسورية لن يعجز عن طفلين، لكن وفي الوقت ذاته عندما نقول إن استسلامنا لفرضية اعتقال الحريري هو نومٌ بالعسل فليس لأننا نتعاطف مع الحريري أو مصيره، فلا استعداد لكل من دفع من دماءِ شعبه أن يتعاطف مع من تورط بهذه الدماء، لأن ما يجري ببساطة يبدو لعبة، والحريري أداتها بل علينا أن ننظر لما هو أبعد من تعويم فرضية الاعتقال فكيف ذلك؟
قبل أمس أطلق وزير خارجية مشيخة قطر تصريحات ربط فيها بين الحصار الذي يتعرض له لبنان، وبين ما تتعرض له مشيخته واتهامه «أحفاد شخبوط» و«آل سعود» بأنهما لم يقتنعا بعد بأن هناك قوانين دولية يجب احترامها، مضيفاً: إن هناك أزمات دولية خرجت عن نطاق السيطرة. المثير للسخرية أن القطري الذي يتحدث عن احترام سيادة الدول والمعاناة من الحصار، مشيخته نفسها دفعت المليارات لتخريب الدول وقلب أنظمتها، ولا يشبهه في ذلك إلا حديث سعد الحريري نفسه عن «النأي بالنفس» الذي يُطالب فيه شركاءه في الحكومة اللبنانية، وفي الوقت ذاته يتحدث عن أن تدخله في سورية هو وسام على صدره.
النقطة الثانية أن كلام المسؤول القطري جاء متزامناً مع الزيارة التي قام بها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان لقطر، الزيارة التي لا يبدو أنها تسر السعودي ولا الإماراتي لكنها بالنهاية وحسب البيان الرسمي جاءت لتعميق التعاون العسكري والاقتصادي بين الطرفين، وإن كان الهدف البعيد هو زيادة الاستثمار المتبادل فهل يمكننا القول رسمياً إن «الأزمة » اللبنانية ستدخل في خطط الاستثمار التركي القطري؟
الجواب ببساطة نعم؛ والهدف ليس لبنان فحسب بل السعودية، فالقطري كان ولا يزال يرى بنفسه يمتلك أدواته لقضم النفوذ السعودي في لبنان. القضية بدأت مع بالون المجرم أحمد الأسير، والجميع يعلم أن إسقاط الأسير تم يومها عسكرياً ببصمة سعودية وليس لبنانية، ولو لم يكن كذلك لما أخذت الحكومة اللبنانية يومها قرار المواجهة، كذلك الأمر فإن القطري يتمتع بعلاقاتٍ متشعبة مع التنظيمات الإرهابية من بقايا جبهة النصرة، أما التركي الذي لا يبدو أنه سيمانع من الدخول مع السعودية في حلبة نزال جديدة الهدف منها استكمال ادعاء كل منهما تمثيل «المصالح السنية» في المنطقة، فماذا ينتظرنا؟
في الإطار العام لا يبدو أن الفوضى التي يتم تحضيرها للبنان ستنتهي بخروج سعد الحريري من مضارب «آل سعود» ولا حتى بعد وصوله المرتقب للبنان، لكن الأدق أنها لم تبدأ بعد، وهي لم تعد مرتبطة أبداً بصراع مصالح ونفوذ، لكنها وبشكلٍ أشمل وعلى كل الرقعات الجغرافية التي يحتضر بها المشروع الأميركي باتت معارك كسر عظم حتى بين شركاء الأمس بالإجرام نفسهم، ربما قد تبدأ هذه المعارك سياسياً مع السقف الذي سيعود فيه سعد الحريري إلى لبنان، لكن هذه الفوضى السياسية هناك من سيتلقفها لفرض توازنات جديدة سيكون حطبها هم المغرر بهم من الذين مازالوا يرون أن «خادم الحرمين» السعودي و«أمير المؤمنين» التركي هما حبل النجاة ويتناسون أن كلاهما ليسا أكثر من مجرد شرارات لإشعال المنطقة بمن فيها.
قبل أمس نقلت صحيفة لبنانية كلاماً لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أكد فيه أن عودة الحريري «مفتاحُ الحلّ»، عذراً دولة الرئيس، ماذا لو اكتشفتم بعد فترة أن عودة الحريري هي مفتاح لكل ما هو قادم.. إلا الحل؟!