طهران تختار السياسة وعينها على العراق.. بقلم:أنس وهيب الكردي

طهران تختار السياسة وعينها على العراق.. بقلم:أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٧

أتى الإعلان الإيراني عن انتهاء المهمة في دحر تنظيم داعش بكل من سورية والعراق، مفاجئاً، خصوصاً أنه جاء في شكل رسالة من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني إلى المرشد الأعلى للثورة في إيران علي خامنئي.
الرسالة عززها إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني عن نهاية داعش، وذلك عشية مغادرته إلى منتجع سوتشي الروسي للقاء نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، لبحث «مستقبل سورية والمنطقة».
وفي ضوء ازدياد التوترات الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، قررت طهران الجنوح وراء التهدئة والتسويات السياسية، في تكتيك يستهدف تحقيق ثلاث غايات مترابطة: تحصين المكاسب التي جنتها على مدار السنوات الماضية، التجاوب مع إستراتيجية موسكو المتبلورة لسورية، وتعطيل مفاعيل الإستراتيجية الأميركية ضد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، والتي تلقت دعماً واسعاً من الرياض.
ومع إدراكهم لمساعي السعودية وراء نسف المكاسب التي حققتها إيران في الشرق الأوسط، رأى الإيرانيون أن السبيل الأمثل للتعامل مع الخطط السعودية يتمثل في تبني سياسة ضبط نفس، خصوصاً بعد نجاح الرياض وواشنطن في جر باريس إلى موقفهما المتشدد من برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية ودعمها لحزب اللـه.
اختيار هذا الطريق ينبع من حسابات سياسية معقدة. تدرك طهران أنها حققت مكاسب مهمة في منطقة الهلال الخصيب، وأن الدفع وراء المزيد قد ينقلب عليها ويؤدي إلى تعزيز تحالف مضاد لها، محوره الولايات المتحدة والسعودية. لذلك، تسعى إيران وراء تحصين نفوذها الإقليمي بتسويات سياسية ترعاها شريكتاها في عملية أستانا: روسيا وتركيا.
ويتمثل أكبر الأخطار التي تستشعرها دول أستانا، في نيات إدارة ترامب الإبقاء على وجود عسكري في شرق سورية وغرب العراق، مدعم بأكثر من خمس عشرة قاعدة عسكرية. ومن الواضح أن الهدف من هذا الوجود الأميركي هو تطويق إيران، محاصرتها وزعزعة نفوذها في العراق.
ومنذ انخراط روسيا العسكري في الحرب السورية، انعقدت أواصر تفاهم ميداني روسي إيراني على أرض سورية، وبالتالي، لم يكن هناك بد من تجاوب طهران مع إستراتيجية موسكو الجديدة القاضية بالانتقال من مرحلة الحرب على الإرهاب إلى مرحلة التسوية السياسية. توصلت العاصمتان إلى هذا التفاهم أثناء زيارة بوتين إلى طهران ولقاءاته بروحاني وخامنئي. وضعت هذه اللقاءات الأساس للقمة الثلاثية التي تستضيفها سوتشي اليوم. وتعول إيران على السياسة الروسية لإخراج القوات الأميركية من سورية، ولعل هذا الأمر هو أهم ما ستتمخض قمة سوتشي.
وارتباطاً بسورية ولبنان، يريد الساسة الإيرانيون تأمين عودة مسلحي حزب اللـه إلى الأراضي اللبنانية كي تجنبه مخاطر نشوب حرب على جبهتين (سورية وجنوب لبنان)، وهكذا يصبح بإمكان الحزب مقاومة التهديدات الإسرائيلية الكثيفة بفعالية، ومنع تل أبيب من ابتزاز الحزب.
جوهر الأمر بالنسبة لطهران هو سحب ذريعة الوجود العسكري الأميركي في سورية والعراق، وممارسة ضغوط سياسية تجبر الولايات المتحدة على سحب قواتها من بلاد الرافدين، حيث تدور رحى حرب باردة إيرانية أميركية لتقرير مصيرها ما بعد تنظيم داعش.
من خلال الإعلان عن نهاية داعش وربما لاحقاً البدء في سحب مستشاريها من العراق وسورية، تعمل طهران على وضع الانسحاب الأميركي من العراق وسورية على قمة الأجندة الوطنية في العراق وسورية، ورأس جدول الأعمال الدولي. وبالنسبة للعراق، تغدو المسألة ضاغطة بشدة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في شهر أيار المقبل. وتريد إيران أن تدور هذه الانتخابات، ليس حول النصر على داعش، بل حول مستقبل الوجود العسكري للتحالف الدولي ضد التنظيم في العراق، وبالأخص القوات الأميركية، التي سبق وأن صرحت وزارة الدفاع «البنتاغون» أنها ستظل في بلاد الرافدين «لمدة طويلة».
تعتقد طهران أنها وإن كانت ستسحب مستشاريها من العراق، مسافة لا تتجاوز مئة كيلومتر فإن الأميركيين في المقابل، سيسحبون قواتهم آلاف الأميال، وهي مطمئنة إلى أن نفوذها في بلاد الرافدين غير مرتبط بوجود عسكري وإنما بعلاقات وشائجية وتاريخية بين الشعبين غير قابلة للفصم. كما تعتقد أن مجموعات «الحشد الشعبي» قوية بما فيه الكفاية، لضمان أمن واستقرار البلاد، وأن حلفاءها السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، يحظون بالشعبية التي تؤهلهم لتولي زمام الحكم في بغداد بعد انتخابات الربيع المقبل.
لقد صاغت إيران ردها الإستراتيجي على التصعيد الأميركي والسعودي، والذي يهدف إلى تأمين الساحتين السورية واللبنانية والاستعداد للمنازلة الكبرى في العراق وحول الوجود الأميركي في الهلال الخصيب.