العراق.. هل يتجه نحو المجهول؟.. بقلم: محمد عاكف جمال

العراق.. هل يتجه نحو المجهول؟.. بقلم: محمد عاكف جمال

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٩ يونيو ٢٠١٨

في مقال بعنوان «بوادر أزمة سياسية في العراق» نشرته في الأول من يونيو الجاري ذكرت فيه بأن ما يثار حول نتائج الانتخابات النيابية العراقية قد يوصل العراق إلى أزمة سياسية حادة بسبب مجيء هذه الانتخابات بما لا تشتهي بعض الدول الإقليمية ولا يشتهي رموزها. فالقبول بالأمر الواقع الذي فرضته لا يقتصر على تقبل خسارة منصب معين أو ضياع فرص التمتع بالميزات بل قد يترتب عليه مواجهة القضاء على المستوى الشخصي من جهة وقبول الاستسلام لتوازنات إقليمية جديدة من جهة أخرى.
فمنذ ظهور نتائج الانتخابات النيابية وخسارة بعض الوجوه التقليدية الممسكة بتلابيب العملية السياسية مقاعدها أو تقلص بشكل كبير حجم الأصوات التي حصلت عليها وأطل التخوف من زوال نفوذها ومن يقف وراءها بدأت المحاولات على مختلف المستويات تصعيدا للهجوم على نتائجها ومطالبة بإلغائها مستغلة أخطاء هنا وهفوات هناك لم تخل منها أية انتخابات تجرى في بلد لا يزال يحبو لتعلم هذه التجربة والاستفادة منها.
وها نحن نشهد، في سياق ذلك واستكمالا لمساره، تطورا خطيرا حيث شب حريق كبير في المخازن التي تضم الصناديق الانتخابية وأجهزة التصويت الإلكترونية في جانب الرصافة من العاصمة بغداد تفاوتت التقديرات حول حجم الأضرار حيث عمد مسؤولون في وزارة الداخلية وفي مفوضية الانتخابات إلى التقليل من شأنها. يأتي الحريق بعد أن قرر مجلس النواب، عدم الأخذ بما أفرزته أجهزة العد الإلكترونية من نتائج وإجراء فرز وعد يدوي لجميع الصناديق الانتخابية.
المستندات الورقية الخاصة بأصوات الناخبين لا يتم التخلص منها عادة إلا بعد زوال مبررات خزنها وذلك بعد أن تصادق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات وبعد أن يعقد مجلس النواب الجديد جلسته الأولى. وما يتبقى في الأرشيف هي السجلات الإلكترونية التي لا تشغل عادة حجما كبيرا منه.
على المستوى الإجرائي وُضعت المفوضية العليا للانتخابات في قفص الاتهام فمنذ اتخذ مجلس النواب قرار التعديل الثالث لقانون الانتخاب سارع مجلس القضاء الأعلى باتخاذ قرار بتسمية هيئة قضائية للقيام بمهام مجلسها ووضع قيود على سفر منتسبيها وتجميد أعمال اللجان التابعة لها لحين استكمال عمليات الفرز والعد اليدوي.
الحريق أكسب الأصوات الخافتة والمستحية نبرة أقوى في مطالبتها بإعادة إجراء الانتخابات فهو قد قطع الطريق على العد والفرز اليدوي وكشف في الوقت نفسه مدى هشاشة الوضع الأمني في العراق حين تتعرض ممتلكات سيادية على مستوى كبير من الأهمية لعبث إجرامي لم تتمكن الأجهزة الأمنية وربما لم تتخذ ما يكفي للتحوط لمنع حدوثه.
اعتدنا على إلقاء اللوم في إشعال الحرائق على الأخطاء البشرية أو على الكوارث الطبيعية ولكن هناك في حالات كثيرة ما يدعو لتصنيفها ضمن الأفعال الجنائية التي تهدف لإزالة أدلة إدانة أو عرقلة حسم قضية لا تزال تحيط إشكاليات بشأنها أو إشعال فتنة، فالحرائق منذ أقدم العصور كانت إحدى وسائل الصراع السياسي الحاد.
الشبهة الجنائية هي الأكثر قبولا في تفسير حدوث الحريق وقد سارعت بعض الكيانات السياسية إلى القول بأن من قام بذلك هو من أسهم بعملية التزوير أو كان طرفا هاما فيها أو من له هدف آخر ذو طابع سياسي يتجاوز نتائج الانتخابات بهدف خلق الفوضى والعقبات أمام استقرار العراق. إلا أن من السابق للأوان تسمية من يقف وراء الحريق فهناك أكثر من جهة تستفيد من ذلك وأكثر من جهة قادرة على إحداثه. كما أن من الصعب التكهن بالقرار الذي ستتخذه المحكمة الاتحادية العليا في هذا الظرف الحساس حيث تنتهي دورة مجلس النواب في الثلاثين من يونيو الجاري ويدخل العراق في مرحلة فراغ دستوري.
سبق أن شهد العراق أحداثا جساما خلال الخمس عشرة سنة المنصرمة عرضت استقراره وسلمه المجتمعي لمخاطر جمة، إلا أن نتائج التحري التي خلصت إليها اللجان التحقيقية التي شُكلت لمقاربة تلك الأحداث لم تُعرض أمام الرأي العام في معظم الحالات ولم تتخذ إجراءات قضائية بشأنها.
الحريق الذي التهم السندات الانتخابية الورقية أخيرا يقع ضمن أبرز الأحداث الخطيرة التي تعرض لها الأمن القومي العراقي منذ تفجير مرقد العسكريين في سامراء عام 2006، فعلى الجهات الأمنية المختصة أن تعمد إلى إجراء تحقيق سريع وشفاف وبمهنية عالية بعيدا عن المجاملات والضغوطات السياسية لكشف النتائج أمام الرأي العام.
كاتب عراقي