أردوغان في أكبر عملية ثأر سياسية وأمنية..بقلم: روزانا رمال

أردوغان في أكبر عملية ثأر سياسية وأمنية..بقلم: روزانا رمال

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٧ يوليو ٢٠١٨

لا تزال العلاقات الخارجية الأميركية بدول المنطقة وفكرة توزيعها بين الاستراتيجي والتكتيكي ليست واقعة ضمن الثوابت بما لا يتعلق بـ«إسرائيل». فالسؤال الاساسي الذي طرح بعد ازمات عام 2011 التي طالت أبرز الدول العربية التي تمثل الثقل «السني» في المنطقة مثل مصر وسورية وتونس واليمن هو «مَن هو الحليف السني القوي للولايات المتحدة في المنطقة؟ هل يكون المملكة العربية السعودية او تركيا لتداخلهما في ملفات الثورات المندلعة في الدول المذكورة؟
 
مسألة المرجعيات السياسية والدينية هي اساس ارتباط الأميركيين بالدول وهي التي تروّج لعدم اللجوء الى هذه التقسيمات تمارس العكس تماماً في منهجية السلوك والعلاقات. وها هو العراق على سبيل المثال نموذج واضح عن السياسة الأميركية التي تتدخل بأدق تفاصيل الطوائف والمذاهب حتى صارت أسماء لأبرز مرجعيات العراق صديقة للأميركيين، او بالحد الادنى على علاقة جيدة وشريكة أيضاً بمنطق التحالفات بوجه إيران في محاولة لشق الصف الشيعي المنقسم اصلاً في ما يتعلق بالاجتهادات والمرجعيات.
 
العلاقة الأميركية أيضاً بالقوى المتطرفة تحت لواء «الإسلام المتطرف»، حيث التشويه الكبير هو الآخر واحد من أبرز ما اعتمدت عليه واشنطن في ادارة العمليات العسكرية. فكان التجنيد لمتطرفين ولحركات ارهابية كبرى بين القاعدة وداعش وجبهة النصرة أبرز ما نجحت فيه الولايات المتحدة على صعيد تكريس الانقسام الإسلامي وكشف العالم العربي امام معضلة التباعد النفسي والفكري القابل للبروز عند أول مفترق. وبالتالي لا مجال لسيطرة مرجعيات من دون قيادة أميركية. وهنا اللافت ان هذه الحركات المتطرفة كانت تابعة حكماً او على تواصل بالمرجعيتين على مستوى «الدول» السنيتين «تركيا والسعودية». وفي الحالتين صار الصراع أكبر من أي وقت مضى بين البلدين. وهو صراع خفي يندرج ضمن هذا المفهوم.
 
لعبت تركيا والمملكة العربية السعودية أدواراً مختلفة على صعيد الاستفادة من ازمات 2011. فبين خسارة الاخوان لمصر، اي تركيا، وبزوغ نجم السعوديين فيها مع الثورة الجديدة، صار الحديث عن تقدم سعودي جدي هذه المرة بوجه الأتراك الذين لم يستسلموا لهذه النتيجة مع حلفائهم القطريين في سورية. فتعزّزت مساعي السيطرة على محافظات سورية عبر مقاتلين مدعومين منهم ليفشل هذا الامر ايضاً مجدداً.
 
اللحظة التي اعلنت فيها بالشكل غير المباشر ان الولايات المتحدة الأميركية تبنت الرياض كمرجعية «الحليف» السني الاول لواشنطن في المنطقة كانت عند زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التاريخية الى السعودية حين عقد أكبر صفقة مالية وتجارية بين البلدين والتي أسست لخريطة طريق بدأ البحث فيها على مصراعيه اليوم تحت عنوان صفقة القرن. وكانت القمة في ذلك الوقت على مرأى ومسمع الدول الإسلامية التي خطب فيها الرئيس ترامب ليؤكد المرجعية السنية الإسلامية انطلاقاً من المملكة.
 
حسم الامر، لكن مؤشراته كانت منذ عام 2015 عندما قررت واشنطن الاستدارة نحو الرياض ومحاربة الرئيس رجب طيب أردوغان، عبر دعم مباشر من الأميركيين كشفت عنه الاحزاب التركية المعارضة التي دعمت ايضاً من الخليج بشكل كبير لحظة محاولة الانقلاب الكبير عام 2015.
 
في اجواء ذكرى 15 تموز التركية السيئة الذكر بالنسبة لأردوغان تحول هذا التاريخ «عمداً» ليوم كبير في تاريخ السياسة التركية الحديثة الذي قلب فيها شكل النظام رأساً على عقب وقلب معها مفاهيم الفكر السياسي الذي درس وحدّدت معاييره لأجيال في الجامعات والذي رسم معالم الدستور التركي وشكل ادارة الدولة، تحوّل بإرادة شعبية «مفترضة « عبر التصويت نقضته بعض الشكوك وقوّضته أخرى، لكن بالمحصلة نجح أردوغان بفرض اوراقه وتغيير وجه تركيا وتقديمه للعالم وصارت تركيا «رئاسية».
 
الاقتصادي الكبير ورجل الاعمال رجب طيب أردوغان قرّر خوض غمار تجربة تحقق نسبة نمو أسرع لتركيا وتحميها من الهدر حسبما يقول وتقلّص عدد الوزارات وتمنع مزاريب الفساد، لكن الأهم أن هذا الانتقال يحصل بظل سيطرة أميركية على العنوان الاقتصادي الدولي يحكمها رئيس هو الآخر رجل أعمال دولي من الطراز الرفيع دونالد ترامب الذي قرّر تحدّي كل من روسيا والاتحاد الاوروبي والصين عشية قمة هلنسكي بوصفهم «أعداء». الأمر الذي يفسر بالمنافسين الاقتصاديين الكبار.
 
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة كرس حزب العدالة والتنمية مطلب تغيير النظام والتصويت عليه من قبل الشعب التركي الذي توجّه فعلاً لصناديق الاقتراع في استفتاء تاريخي، هو شريك فيه على الرغم من كل الانتقادات المطروحة.
 
عملياً، مبدأ حصر السلطات في رئاسة واحدة يقلل إمكانية بسط نفوذ الاحزاب محلياً ويقوض طموحاتها، خصوصاً الاحزاب المعارضة لأردوغان، وأبرزها الشعب والاحزاب الكردية وأخرى مؤيدة لفتح الله غولن الخصم التاريخي لأردوغان والذي يعيش في المنفى الأميركي والمتهم بالتحضير لانقلاب 15 تموز. كل هذا كان واحداً من اهداف أردوغان الذي صوب نحو هذا التغيير منذ لحظة المحاولة الانقلابية.
 
الأميركيون الذي يُعتبرون اكثر الحلفاء تمسكاً بالعلاقة مع تركيا صاروا في مرحلة من المراحل موضع شك واضح بدون القدرة التركية على التخلّي عن المصلحة المتبادلة مع شريك بحجم الولايات المتحدة الأميركية. فانتهج أردوغان مبدأ الحفاظ على العلاقة التاريخية والضرورية ضمن حدود «تحميه».
 
الحماية التي ينشدها أردوغان أول ما تتمثل بالجموح الأميركي وتكريس السلطات بيد أردوغان اليوم تمنع الكثير من المخططات الانقلابية بتحديد المهام..
 
أكبر عملية ثأر سياسية بتغيير شكل النظام وأمنية بتصفية المعارضين، أجراها أردوغان مؤخراً على نار هادئة وتسلّم الرئاسة كحاكم مطلق لا تعلو فوقه أي سلطة ولا تخرفها أية طموحات. وها هو اليوم جاهز ليفاوض ضمن المصلحة والمصلحة المتبادلة في المنطقة.