ماذا يعني ميدانيا واستراتيجيا الاتفاق الروسي – التركي حول إدلب؟

ماذا يعني ميدانيا واستراتيجيا الاتفاق الروسي – التركي حول إدلب؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٩ سبتمبر ٢٠١٨

للوهلة الأولى، بعد انتهاء قمة طهران الثلاثية الأخيرة بين رؤساء روسيا وايران وتركيا، وعدم صدور قرارات حاسمة لجهة الحسم في ادلب ضد المجموعات المسلحة، بدا وكأن نتائجها جاءت لمصلحة المحور الضاغط على الدولة السورية وحلفائها، لتأتي قرارات قمة سوتشي الروسية التركية بالامس، لتكمل ولتؤكد مسار الحسم في ادلب، وبالمعادلة الثابتة التي حددتها الدولة السورية: عسكرياً أو تفاوضاً.
مبدئياً، الوجه السياسي من الاتفاق جاء متوقعاً استناداً للمشترك من النقاط في أغلب مباحثات وإجتماعات الأطراف الاقليمية والدولية الفاعلة، والتي حصلت حتى الان فيما خص الملف السوري، حيث تلخص (الوجه السياسي) بالعمل على اكمال مسار أستانة السياسي لناحية التفاوض والبحث بالاصلاحات والتعديلات الدستورية، وبانهاء الوجه العسكري لإدلب تباعاً، بعد استيعاب الوجود المسلح المعتدل، وانهاء الوجود الارهابي بالطرق المناسبة.
لناحية الوجه الميداني، جاءت البنود لافتة بدقتها وبحساسيتها وبما تحمله من نتائج مؤثرة على الوضع الميداني والعسكري، بشكل يتجاوز مضمونها الظاهر كما أدرجت، وذلك على الشكل التالي:
أولاً: منطقة منزوعة السلاح في ادلب ومحيطها في أرياف حلب وحماه واللاذقية من التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة والارهابية بعرض يصل الى 20 كلم، وهذا يعني عسكرياً ما يلي:
– تتجاوز مساحة هذه المنطقة المنزوعة السلاح نصف مساحة ادلب ومحيطها حيث سيطرة المسلحين، لأنها عمليا تقع على المحيط الخارجي الأطول جغرافيا، وهذا يعني ايجاد حل، كما كانت تنشده دائما الدولة السورية في كافة معاركها بمواجهة المسلحين، يتمثل بنزع السلاح واخراج الارهابيين والتسوية مع الآخرين، في البقعة الأكبر من ادلب الكبرى.
– المنطقة منزوعة السلاح وخاصة الثقيل منه، تعني عمليا وقف الاشتباكات على كامل محيط ادلب الكبرى، أي وقف أي تأثير واعتداء عسكري ارهابي على المدنيين والعسكريين في محافظات حلب وحماه واللاذقية، وبمعنى آخر فرض الأمن ووقف اطلاق النار وتهدئة شاملة في أغلب الشمال السوري، وهذا كان دائماً من أهداف الجيش العربي السوري في كافة معاركه.
ثانياً: دوريات مشتركة للروس والاتراك في كامل منطقة خفض التصعيد ( كما جاء حرفيا في المؤتمر الصحفي للرئيسين بوتين واردوغان)، وليس فقط في المنطقة المنزوعة السلاح، وهذا يعني ميدانيا وعسكريا ما يلي:
– تمدد وتوسع سلطة وحدات المراقبة والامن الروسية – التركية على كامل محافظة ادلب الكبرى، ما يعني عمليا، تلاشي سلطة وسيطرة المسلحين تباعا، حتى ولو لصالح الوحدات العسكرية الروسية والتركية – وهذا يعتبر استثنائيا وبشكل مؤقت – الأمر الذي كان ايضا من أهداف الدولة السورية .
ثالثا: نقاط مراقبة ثابتة ومتحركة للروس وللاتراك على حدود وداخل المنطقة المنزوعة السلاح، وهذا يدخل من ضمن الاجراءآت التنفيذية والتطبيقية لفرض وتثبيت المنطقة المنزوعة السلاح، ولتأكيد وضمان التهدئة ووقف اطلاق النار، وهذا يعتبرمن ضمن اجراءات السيطرة التي كان سينفذها الجيش العربي السوري بعد عملية تحرير ادلب لو كان أقدم على السير بها عسكريا.
رابعاً: إنشاء خط تماس في ادلب لفصل المعارضة المعتدلة عن الارهابيين، ويمكن وضع هذا البند في خانة النقطة العملانية الأساسية من اتفاق استانة، والذي نصّ على فصل المجموعات الارهابية، والتي كانت مطلباً سورياً – روسياً – ايرانياً بامتياز.
خامساً: فتح طريقي حلب اللاذقية وحلب حماه الدوليتين.
قد يكون هذا البند، والذي يبدو بسيطا وعاديا، الاكثر قيمة للدولة السورية من كافة النواحي، الميدانية والعسكرية والاستراتيجية والادارية والرسمية، والذي يحمل في مضمونه غير الظاهر ما يلي:
فتح الطريقين المذكورين يعني أن المنطقة المنزوعة السلاح ستتمد حكما الى محيط الطريقين، مع هامش واسع كافٍ لتأمين أمن وسلامة العابرين، أي عمليا بمعنى آخر، عودة الامن والهدوء الى أغلب جغرافية منطقة ادلب الكبرى، واستطراداً، برعاية وحضور الدولة السورية، لأن كل من طريقي حلب – حماه الدولي أو حلب – اللاذقية الدولي، يتطلب اجراءات أمنية – ادارية رسمية، تختص حصراً بالدولة وبمؤسساتها الشرعية.
وأخيراً، ربما يمكن أن نستنتج من بنود الاتفاق ومن مندرجاته ومضمونه، الظاهر أو غير الظاهر، وبعد الترحيب الرسمي الاميركي بمضمونه، كما جاء على لسان رئيس ادارة الاستخبارات في وزارة الحرب الاميركية، أن الدولة السورية قطعت عبره (الاتفاق) شوطاً مهماً وكبيراً في مسار استعادة سيطرتها وتحريرها ادلب الكبرى، والأهم أن ذلك سيتحقق برعاية وباعتراف اقليمي – دولي.
وربما نستطيع أيضا أن نستنتج الكثير من علامات الانتصار والربح للروس من هذا الاتفاق، من الحركة اللافتة للرئيس بوتين بعد انتهاء المؤتمر الصحفي وتوديع الوفد الرسمي التركي، والتي توجه بها الى وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، عندما رفع يده اليسرى نحوه مع علامة الاعجاب (لايك).
العهد