المناطق الحرة إلى واجهة الاهتمام الحكومي.. مرسـوم إعفـاء “مــستثمري عــدرا” مــن البـدلات شـكل علامة فارقـة

المناطق الحرة إلى واجهة الاهتمام الحكومي.. مرسـوم إعفـاء “مــستثمري عــدرا” مــن البـدلات شـكل علامة فارقـة

مال واعمال

الاثنين، ١٣ أغسطس ٢٠١٨

ثمة اعتبارات ضغطت باتجاه عودة المناطق الحرة إلى واجهة الاهتمام الحكومي، أبرزها أنها حاضنات للاستثمار تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، وتعزز الموارد من القطع الأجنبي، وتشجع تجارة الترانزيت في المرحلة المقبلة بعد إعادة فتح المعابر مع دول الجوار، وبالتالي يعوّل على هذا المناطق أن تتكامل مع باقي القطاعات الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة لإعادة الإعمار. وشكل المرسوم رقم /142/ لعام 2018 القاضي بإعفاء المستثمرين في المنطقة الحرة بعدرا من البدلات والغرامات والفوائد المترتبة عليهم خلال الفترة الممتدة من بداية عام 2013 حتى نهاية عام2017 إضافة إلى البدلات والغرامات المترتبة لعام 2018 في حال حقق المستثمر الشروط الواردة فيه، علامة فارقة لجهة التعاطي الجدي مع هذه المنطقة، إذ مكن هذا الأمر إعادة تفعيل المستثمرين للعمل الاستثماري في المنطقة بعد أن تعرضت منشآتهم وبضائعهم وآلياتهم لأضرار كبيرة نتيجة الأعمال الإرهابية.
 
مساران
مدير عام المؤسسة العامة للمناطق الحرة إياد كوسا بين أنه تم العمل على مسارين لإعادة تفعيل العمل الاستثماري في المنطقة الحرة، يتعلق المسار الأول بالتنسيق مع وزارات الكهرباء والاتصالات والموارد المائية لإعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة، ويتعلق الثاني بمعالجة وضع المستثمرين حيث كان لمرسوم رقم 142 لعام 2018 صدى إيجابي بين المستثمرين وأعطاهم دفعاً كبيراً لإعادة تفعيل العمل الاستثماري، حيث نص المرسوم على إعفاء المستثمرين من الغرامات المترتبة عليهم خلال فترة خروج المنطقة الحرة من الخدمة عام 2013 حتى 2017 والبدلات المترتبة على عام 2018 تحفيزاً لهم شرط تقديم طلبات تبين جديتهم في العمل والاستثمار من جديد، مشيراً إلى أن /403/ مستثمرين من أصل /490/ تقدموا بطلباتهم لإعادة تفعيل العمل الاستثماري، يبدون فيها رغبتهم والتزامهم بإعادة عملهم الاستثماري في المنطقة الحرة والاستفادة من المزايا الممنوحة لهم بموجب هذا المرسوم.
إعادة تأهيل
وأشار كوسا إلى أن المؤسسة تمكنت من معالجة وضع المنطقة الحرة بعدرا والمستثمرين فيها، حيث قامت المؤسسة بالتنسيق مع المؤسسة العامة لتوزيع الطاقة الكهربائية والشركة السورية للاتصالات والمؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة تأهيل البنية التحتية للمنطقة الحرة من كهرباء وماء وصرف صحي واتصالات وفق الاعتمادات التي تم رصدها في الخطة الإسعافية لعامي (2017 – 2018).‏ وتم إعادة تأهيل /23/ مركز تحويل كهربائي ‏وتنفيذ ‏أعمال الإنارة الخارجية وشبكة التيار الكهربائي ‏المنخفض، ولوحات التغذية الكهربائية ‏لمنشآت ومستودعات المنطقة الحرة، والأعمال الضرورية لمنع الهدر في شبكة المياه والانتهاء من إصلاح كافة الأعطال الرئيسية الظاهرة فيها، مبيناً أن التكلفة التقديرية لجملة الأعمال التي تقوم بها وزارة الكهرباء في المنطقة الحرة بعدرا /450/ مليون ليرة، حيث تم استبدال 23 مركز تحويل بالكامل، واستبدال جزء من الأضرار فيما يخص الإنارة وتم تركيب أجهزة توفير طاقة، كما قامت وزارة الاتصالات بتمديد كبل ضوئي جديد وتخديم المنطقة بألف خط، ومئتي بوابة إنترنت بكلفة تقديرية /31 / مليون ليرة، وقامت وزارة الموارد المائية باستبدال الأعطال الرئيسية بشبكة المياه وتأهيل الخزانات الأرضية بكلفة تقديرية /38/ مليون ليرة.
 
خيارات
وتعمل المؤسسة على متابعة ومعالجة ملف البضائع والآليات المفقودة في المنطقة الحرة من خلال اللجنة المشكلة من قبل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الخاصة بهذا الموضوع والتي تضم قاضياً من وزارة العدل وممثلين عن وزارتي الداخلية والمالية والمؤسسة العامة للمناطق الحرة والمديرية العامة للجمارك ولجنة المستثمرين للانتهاء من معالجة هذا الموضوع وتسوية أوضاعهم وإغلاق هذا الملف بشكل كامل، ويوضح كوسا في هذا السياق أن قرار رئاسة مجلس الوزراء بمعالجة الآليات المتضررة بالمناطق الحرة منح المستثمرين عدة خيارات، أهمها إمكانية إصلاح الآليات ووضعها بالاستهلاك المحلي بحالة فنية جيدة وشروط سنوات صنع محددة، أو تقطيعها بالمنطقة الحرة وإدخالها كقطع تبديل، وفي حال عدم وجود جدوى من الخيارين يمكن إدخالها كخردة حديد للاستهلاك المحلي.
استكمال
كما قامت المؤسسة العامة للمناطق الحرة بتنفيذ المرحلة الأولى لمشروع تأهيل تجهيزات مبنى إدارة الفرع وأعمال الموقع العام، والمباشرة بمشروع استبدال شبكة الصرف الصحي للمرحلة الأولى، ويجري العمل على استكمال الإجراءات اللازمة لتنفيذ ما تبقى من أعمال بغية تأمين كافة الخدمات اللازمة لتمكين المستثمرين من مزاولة أعمالهم الاستثمارية بالشكل الأمثل، ويتم حالياً معالجة وضع الآليات المتضررة الموجودة في المنطقة الحرة سواء بوضعها في الاستهلاك المحلي أو تقطيعها والاستفادة منها كقطع تبديل، وإدخالها إلى السوق المحلية أو تسليمها إلى معمل صهر حديد حماة وتسوية القيود الخاصة بهذه الآليات لدى كل من المنطقة الحرة والجمارك.
وفيما يتعلق بالخطة الإسعافية للمؤسسة العامة للمناطق الحرة بين كوسا أنه تم تنفيذ الخطة الخاصة بالمباني المتضررة بتكلفة تقديرية /76/ مليون ليرة، وبلغت الخطة الإسعافية لعام 2018 مبلغ /650/ مليون ليرة حيث تم البدء بالمرحلة الثانية لمشروع الصرف الصحي وتم تأمين البنية التحية اللازمة لعمل المستثمرين من مياه وكهرباء واتصالات.
 
نشاط تجاري
يذكر أن المنطقة الحرة بعدرا من أهم المناطق الحرة السورية، وقد أحدثت عام 1977، وتبلغ مساحتها (1028) دونماً وكان يوجد فيها استثمارات متنوعة يغلب عليها النشاط التجاري المتمثل بسوق لتجارة السيارات والآليات الجديدة والمستعملة يعد من أهم الأسواق على مستوى الوطن العربي حتى أصبحت المنطقة الحرة الشريان الأساسي لهذه التجارة سواء لحاجة القطر أو للدول المجاورة، لكنها خرجت من الخدمة خلال عام 2013 نتيجة الأعمال الإرهابية وتعرضت بمبانيها ومنشآتها وبناها التحتية لأعمال النهب والسرقة والتخريب على يد العصابات الإرهابية المسلحة.
 
نقطة ساخنة
أنصفوا الصناعة..!
لم يتم إلى الآن اعتماد رؤية حكومية واضحة تجاه الصناعة كمكون لا غنى عنه من مكونات اقتصادنا الوطني إلى جانب نظيرتيها الأساسيتين الزراعة والتجارة..!
إن الدافع وراء تناولنا لهذا الموضوع، يأتي من تنوع اقتصادنا الوطني الذي يشكل بمكوناته فسيفسائية متكاملة، فهو ليس سياحياً ريعياً كاقتصاد لبنان، ولا نفطياً ريعياً كدول الخليج، بل هو مزيج متكامل من هذا كله، أساسه الزراعة كضامن للأمن الغذائي، وتؤطره التجارة كحركة تؤمن انسياب السلع منه وإليه لتأمين الاحتياج المحلي وتصدير الفاض من جهة، كما تؤمن بحكم موقع سورية الاستراتيجي مرور البضائع بين دول الجوار وما يحققه هذا الموقع من إيرادات ترانزيت وعبور وما إلى ذلك من جهة ثانية.
نعتقد أن أبرز ما يستوجب العمل عليه في هذه المرحلة بالذات هو السير بهذه القطاعات بشكل متوازٍ بحيث لا يطغى قطاع على آخر، بمعنى عدم التركيز على التوسع بالخدمات التجارية والسياحية دون لحظ نمو المشروعات الإنتاجية الصناعية، خشية الإغراق بالنشاط الاستهلاكي على حساب نظيره الإنتاجي..!
إننا في مرحلة أحوج ما نكون بها إلى الإنتاج بأي ثمن كان، ورغم أهمية ما اتخذ من خطوات في هذا السياق كالسعي إلى استقطاب أموال السوريين من الخارج بقصد توظيفها استثمارياً محلياً، وسبقها السماح باستيراد الآلات المستعملة، وقبلها إعفاء الآلات وخطوط الإنتاج المستوردة لصالح المنشآت الصناعية المرخصة من الرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم المترتبة على الاستيراد، إلا أن هذه الخطوات غير كافية لإعطاء الزخم المطلوب للصناعة، في ظل تحول كثير من الصناعيين إلى تجار نتيجة الأزمة، بالتوازي مع ازدياد منح التراخيص لإحداث منشآت سياحية ومولات وأسواق تجارية، دون أن تحظى المشروعات الصناعية بذلك الاهتمام..!
لاشك أن لهذا الأمر مسوغاته الموضوعية والذاتية، فالأولى لها علاقة بظروف البلد الاقتصادية عموماً وما ألمّ بها من دمار معامل وتخريب آلاتها، وتتعلق الثانية باستسهال الاستثمار بالمشاريع الخدمية والتجارية..! مع الإشارة هنا إلى أن ثمة العديد من المستوردات يمكن إحلال صناعتها محلياً والاستعاضة عن استيرادها كالقرطاسية المدرسية على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى الكثير من المنتجات الغذائية كالمرتديلا، كما يمكن أيضاً تطوير صناعة تجميع السيارات من خلال زيادة المكون المحلي فيها، لا بل اعتماد السيارات المجمعة محلياً سيارات رسمية للجهات الحكومية قاطبة..!
تبقى الإشارة إلى ما تتمتع به بيئتنا الاستثمارية من خامات يمكن تسخيرها لتطوير صناعتنا، أبرزها توفر يد عاملة منخفضة التكلفة ومؤهلة بالمهارات وامتلاك سورية لقطاع صناعي قوي تاريخياً مع وجود صناعات عريقة كالصناعة النسيجية التي يمكن المنافسة بها.
حسن النابلسي