السنة التاسعة للأزمة.. الاقتصاد السوري على المحك

السنة التاسعة للأزمة.. الاقتصاد السوري على المحك

مال واعمال

الجمعة، ١٠ يناير ٢٠٢٠

أمّن الجيش السوري مدعوماً بحلفائه وأصدقائه المدنيين في المدن والتجمعات السكانية الكبيرة من أي تهديد مسلح مباشر، بقيت جيوب متفرقة في محيط حلب وشمال اللاذقية، إضافة إلى إدلب وعفرين ومناطق شاسعة يسيطر الأتراك عليها.
 
الموجة الثانية من آثار الحرب على السوريين لا تقل خطورة عما واجهوه طيلة تلك السنوات. يعاني السوريون في تفاصيل معيشتهم جراء تبعات الحرب والتدمير، حيث أخرجت الحرب القطاعات الرئيسية المنتجة عن العمل من حقول النفط والغاز إلى المساحات الزراعية الشاسعة وعشرات آلاف الورشات والمصانع الصغيرة والمتوسطة، ولم تسلم البنى التحتية من مصانع وسكك حديدية وصوامع حبوب وجامعات ومشافٍ من التخريب المنظم، لتنعكس دفعة واحدة على تراجعٍ حادٍ في القدرة المعيشية للسوريين تعبر عنه أسعار صرف بأكثر من 900  ليرة سورية للدولار بعد أن كان نحو 46 ليرة عام 2011.
 
فقد الاقتصاد السوري أكثر من 380 ألف برميل نفط يومياً قبل 2011 إلى 25 ألف برميل يومياً حالياً معظمها من حقول المنطقة الوسطى وشرق حماه والرقة، فيما الحقول الكبيرة (العمر وكونيكو والرميلان) تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
 
تراجع إنتاج القمح بحدةٍ أيضاً من 4 ملايين طن يومياً قبل الحرب إلى أقل من 2.2 مليون طن عام 2019، وبلغت 1.2 مليون طن فقط عام 2018، ما فرض على الحكومة فتح باب الاستيراد لأهم المحاصيل الاستراتيجية، تقدرها مصادر متابعة بنحو 400 ألف طن العام الحالي تكلف مبالغ ضخمة بالعملة الصعبة.
 
الحصار الدولي على الاقتصاد السوري جبهة أخرى تكمل الحرب المباشرة. واجهت دمشق مصاعب جدية خلال العامين الماضيين بتأمين حاجياتها الأساسية وخصوصاً استيراد النفط، وحادثة الناقلة أدريان داريا في أيلول/سبتمبر 2019 وملاحقة البحرية الأميركية والبريطانية لها، مجرد مثال على حجم التضييق على الاقتصاد السوري..
 
مشاريع إعادة إعمار ما دمرته الحرب والتي تزيد على 250 مليار دولار، بحسب التقديرات الأممية تواجه مصاعب هائلة جراء خشية حكومات كثيرة من العقوبات الأميركية والغربية في حال إقدامها على الاستثمار أو العمل في سوريا، وفقاً لقوانين كان آخرها "قانون قيصر"، الذي أقره الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهاية العام الماضي.. كلها عوامل ضاغطة تضاف إلى عقوبات وتضييق يطال النظام المصرفي ورجال الأعمال البارزين في سوريا.
 
أثرت تلك العوامل بعمق على معيشة السوريين، أبرز الآثار جاءت من ضعف القيمة الشرائية لليرة ما أثّر على السواد الأعظم من السوريين، حيث يبلغ معدل راتب الموظف في القطاع العام 40 ألف ليرة، وفي القطاع الخاص 75 ألف ليرة، أي أقل من 45 دولار و 83 دولار على التوالي، وفق سعر صرفٍ للدولار يعادل 900 ليرة فقط.. شكل ذلك فجوة هائلة يمكن تلمسها من خلال مقارنتها بمتوسط إنفاق الأسرة السورية المقدر بأكثر من 325 ألف ليرة سورية لأسرة مؤلفة من 5 أفراد فقط.
 
تدرك دمشق أبعاد تلك الحرب ومخاطرها، الرئيس بشار الأسد أكد في خطاب له في شباط 2019 أن سوريا تخوض حرب حصار، وأن الإجراءات الحكومية تركز على التخفيف من ذلك الحصار على تفعيل القطاعات الإنتاجية، زراعة وصناعة بشكل خاص رغم ضعف النتائج الظاهرة.
 
في هذا الإطار عادت 75 ألف ورشة حرفية ومنشأة صناعية صغيرة ومتوسطة إلى العمل من أصل 130 ألف منشأة كانت تعمل قبل الحرب، بحسب بيانات وزارة الصناعة، كما أدخلت آلاف الهكتارات الزراعية في الإنتاج، حيث طرحت وزارة الزراعة شعار استثمار كل قطعة أرض يتم تأمينها. جهود حثيثة على تفعيل الصادرات وخصوصاً الزراعية منها، أتت بنحو 9 مليارات ليرة من معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وهو رقم متواضع في ظل إمكانات الاقتصاد السوري وحاجته للقطع الأجنبي. إلا أن الاجراءات الضاغطة من الأردن ودول الخليج على سوريا فعلت مفعولها، لذلك تتجه الأنظار الآن إلى السوق العراقية الضخمة بحجمها، ويعد افتتاح معبر البوكمال-القائم بفتح شريان جديد ينعكس على الاقتصاد السوري.