لا الحصار ولا الدمار ..أسباب ” الفقر السوري”..ابحثوا عن ثقافة العمل والمبادرات في البلد ” العصي على التجويع”..

لا الحصار ولا الدمار ..أسباب ” الفقر السوري”..ابحثوا عن ثقافة العمل والمبادرات في البلد ” العصي على التجويع”..

مال واعمال

الجمعة، ٢٤ يناير ٢٠٢٠

أبقار

ناظم عيد – الخبير السوري

أغلب الظن أن معظمنا في هذا الشرق قد فسّر الآية الكريمة ” وفي السماء رزقكم وما توعدون” بشيء من المبالغة بانتظار  أن تمطر السماء عليه ” طرود  الرزق”.

والحقيقة أننا في هذا الشرق، وفي العالم العرب كما نحن السوريين، قد ابتلينا بخصلة الذرائعيّة المرادفة التطبيقيّة لفكرة ” القدريّة”..رغم أنّ القدرية لا تبتعد أبداً عن العقل..فقد قدّر الله الإنسان أي رفع من شأنه بالعقل، وقدّره أي مكّنه بالعقل أيضاً، وربما لا يختلف معنا عاقل في أن الرزق كامن في العقل..من اكتشاف الفرص إلى المبادرة لالتقاطها…وهنا لسنا في وارد حديثٍ فقهي أبداً، فلا هو اختصاصنا وليس من شأننا، لكنه مدخلاً ارتأيناه مناسباً للدخول في المقاربة التي نحاولها، وتتعلق بالمبادرة واستثمار الموارد – التي هي رزق من الله – ومن ثم إدارتها التي فشلنا بها على الصعيد الفردي قبل الرسمي التنفيذي.

ولعلّه سؤال ملحّ لدى كل من يعاين بانوراما المشهد الاقتصادي السوري بما يحتضنه من موارد طبيعيّة متنوّعة..لماذا لا تحظى سورية بالغنى على مستوى الناتج والإنتاج الإجمالي، بما يوازي غناها بالموارد..أليست هي المصنّفة بأنها من أغنى دول الإقليم بمواردها ؟؟

بالفعل الآن في هذا البلد تبدو ثمة مفارقات فجّرها الظرف الصعب والعصيب، تنطلق من القناعة القديمة التي كنا نزهو بها وهي أن ” سوريّة عصيّة على التجويع”..أي إن أُغلقت عليها الحدود، ففيها من الخير ما يكفي لشعبها ويزيد.. إلّا أننا كدنا أن نجوع بسبب الحصار، وهذا هو السؤال..ما السبب الذي يمكن أن يسوقه أي محلل..غير حديث الحرب والحصار؟؟

لقد فعلت الريعيّة وثقافة الاستهلاك فعلها فينا، بشكل “لئيم” وبغيض إلى حدّ تحولنا إلى حالة إنتاجيّة جوفاء رخوة بل مائعة..ظهرت ملامحها أولاً في الأرياف التي هجرت الزراعة، لدرجة أننا بتنا نألف مشاهد القطط المنزلية والكلاب، كبديل للماشية التي بدت ثقيلة الظل في مجتمعات تنحدر بسرعة في منحدرات الاستهلاك، فكل شيء مستورد ..الأسواق مفتوحة للاعبي الاقتصاد الحاذقين، من أقاصي الدنيا إلى أقاصيها، لا سيما التركي الذي كان على ” مرمى حجر” منّا، واستطاع تحويلنا إلى سوق شره لما هبّ ودبّ من منتجاته.

الشرح يطول ويطول، لكننا سنقف عن مقاربة بسيطة وسنترك خيال من يقرأ يسرح في الباقي، وهي بين هولندا البلد الأوروبي الزراعي بالدرجة الأول وبين سهل الغاب – وليس كل سورية – واخترنا “الغاب” لأنه سهل نموذجي لمثل هذه المقارنة، كي لا يقول لنا قائل بأن المساحة التي اخترناها تعتريها صحارى وجبال وصخور وووإلخ.

مساحة هولندا قريبة من مساحة الغاب ..بل هناك أرقام تتحدث عن أن مساحة الأخير تفوق مساحة ذلك البلد الموصوف بأنه ” ثري” بمعايير الناتج الإجمالي وحصّة الفرد منه، رغم أن عدد سكانه حوالي 18 مليون نسمة.

الناتج الإجمالي الهولندي 826 مليار دولار في العام..وهو ثامن أكبر مصدّر في العالم بقيمة صادرات بلغت 465 مليار دولار، وهو أيضاً ثاني أكبر مصدّر زراعي في هذا العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية ..حصّة الفرد الهولندي من هذا الناتج 53 ألف دولار في العام..!!

لن نستفيض في استعراض ملامح الاقتصاد الهولندي، الذي تشكل الزراعة حوالي 30% منه وكاد يغرق أسواق العالم بمنتجاته المصنّعة – معظمها صناعات زراعيّة – فيما نصنّف نحن في خانة المستوردين..بشهادة الماركات الشهيرة من الأجبان والسمون التي كانت تغصّ بها أسواقنا قبل الحصار.

كما لن نسترسل في إطلاق التساؤلات عن أسباب هذه المفارقة..وسنختصر الإجابات على التساؤلات المفترضة بكلمتين ” ثقافة العمل”..فقد  كان لافتاً أن العدد الإجمالي للأبقار في سورية بكل محافظاتها حوالي 1 مليون بقرة قبيل الحرب وانخفض حالياً إلى 400 ألف رأس، وفق إحصاءات ارتجالية لأنه لا توجد إحصاءات دقيقة..و في هولندا ما يزيد عن 2 مليون رأس بقر..