من الاقتصاد المنزلي إلى هندسة الزراعة ..فتاة تشهد على خلل مخيف في سياسات التعليم العالي ؟؟

من الاقتصاد المنزلي إلى هندسة الزراعة ..فتاة تشهد على خلل مخيف في سياسات التعليم العالي ؟؟

مال واعمال

الاثنين، ٢١ سبتمبر ٢٠٢٠

من الاقتصاد المنزلي إلى هندسة الزراعة ..فتاة تشهد على خلل مخيف في سياسات  التعليم العالي ؟؟ | الخبير السوري

لم يقف مستقبل تلك الفتاة عند حدود عدم حصولها على علامة تؤهلها لدخول الثانوية العامة..فقد كان الخيار أحادي الاتجاه أمامها هو ثانوية ” الفنون النسوية”..أي تدبير منزلي وخياطة وكنويشا وووو.

حازت على الثانوية ” الفنية” وصادف أن تم الإعلان عن منح دراسية ” تبادل منح” مع إحدى الدول العربية..تقدمت الفتاة ولم تتأخر النتائج لتكون من الفائزات بالمنحة..وسافرت من حمص إلى ليبيا وعادت بشهادة جامعية في الاقتصاد المنزلي..وهنا بدأت الحكاية التي نحن بصددها وكانت الفتاة مثالنا لاختصار شرح طويل.

بما أنها عائدة من منحة وبإجازة جامعيّة، فهذا يعني أنه وجب تعيينها في أحدى الجهات العامّة..وبعد تفكير و محاولة ” تدبير” جاءت الفكرة والحل..بما أن اختصاصها اقتصاد منزلي..فهذا يعني طبخ ونفخ ..أي غذاء.

فتم اعتبارها أخصّائية تغذية..وعُينت في أحدى الوحدات الإرشادية – كما أي مهندس زراعي اختصاص تغذية – وباشرت عملها برتبة مهندس..لكنها الآن خارج البلاد فقد اختارت الهجرة إلى كندا ليستفيدوا من خبراتها هناك.

الحادثة تؤشّر على حجم الخلل الهائل  في سياسات التعليم العالي، التي طفح كيلها وباتت بحاجة إلى تصويب وتصويب سريع لا يحتما التأخير..من معايير الاستيعاب والقبول..وصولاً إلى توزيع الاختصاصات التي اعتمدت في جامعاتنا جذافاً..وكذلك خيارات فرص العمل المتاحة أمام الخريجين، ولا سيما المهندسين الذين يتم فرزهم مركزياً وتحدث لهم شواغر ليجد بعضهم أنه يعمل في موقع يحتاج إلى إعدادية وليس أكثر.

المشكلة في الواقع متعددة البدايات التي تصبّ في سوق العمل، حيث يظهر حجم الأخطاء التي ارتكبت وما زالت في سياسات التعليم العالي..إحدى البدايات هي الخيار القسري للطالب بحكم علامات نجاحه في الثانوية..والبداية الثانية هي التهافت اللافت على اختصاصات بعينها والعائد لأسباب اجتماعية ” لوثة الطب والهندسات عند أهالي الطلاب”.

أما البداية الثالثة للخلل فهي المنح التي يتحكم بها الآخر ولسنا نحن من يتحكم بها كاختصاصات تملى علينا، ولا بد من تشغيل العائدين منها.

المشكلة الأخيرة تبدو في مجال الهندسات..فعندما يعود الموفد من منحة اختصاص دراسات عليا، غير موجود في جامعاتنا يتم استيعابه كعضو هيئة تدريسية، ويتم إحداث قسم جديد في الكلية يناسب اختصاصه..ولا حقاً تم إحداث كليات بهذه الاختصاصات بعد ازدياد أعداد العائدين إلى أحضان الجامعة من الإيفاد كأعضاء هيئة تدريسية.. وهاهي الاختصاصات الهندسية ” تتكاثر” بشكل لافت ومقلق..ومعظمها لا عمل لخريجيها فعلياً في بلدنا، فيمسوا عبئاً حقيقياً على أنفسهم أولاً  ثمّ مؤسساتهم ثانياً.

نقابة المهندسين كانت أهم مرصد لهذا الخلل..وبما أنها ليست صاحبة القرار في علاج الأسباب..اختارت أن تدخل على خطّ علاج النتائج..فأقامت دورات مكثّفة لتدريب المهندسين الخريجين، وتقريبهم إلى أقرب اختصاص يناسب سوق العمل..وهو حلّ ترميمي لخلل يجب أن يُعالج في بداياته وليس في نتائجه.

خلال اجتماع اللجنة العليا للاستيعاب الجامعي..شكا رئيس جامعة طرطوس ” عصام الدالي” من اضطراره إلى تشغيل مهندسين مفرزين إلى جامعته بأعمال الديوان وسواها مما لا يليق بهم..والسبب أنهم يحملون اختصاصات فرعية ليس لها عمل..وقد أوردنا إشارة الدكتور الدالي..لأنها تتقاطع مع المشكلة التي أفصح عنها أمين السر العام في نقابة المهندسين المركزية المهندس سعد أحمد ” متقاعد حالياً”.

الحديث يطول ويطول في تشخيص الخلل الكبير الذي يعتري سياسات التعليم العالي في بلدنا..ويُظهر حجم الحاجة إلى التصويب الملحّ..

ولتكن البداية بإصلاح قوام كليات الهندسة في جامعاتنا..أي دمج الاختصاصات أو الكليات التي لا عمل لخريجيها في سوق العمل..وكانت تدخل سابقاً ضمن مهام التأهيل التي تمارسها كليات أخرى..مثلاً لم يكن لدينا سوى كليات الهندسة المدنية  والعمارة و” الهمك” والزراعة والبتروكيميا..أما اليوم فعلى المختصين إحصاء العدد.

قد نكون بحاجة إلى اختصاصات هندسية جديدة، لكن عددها قليل جداً ..كالمعلوماتية مثلاً..والباقي لا نظن أن بلدنا بقطاعيه العام والخاص بحاجة إلى خدماته فلماذا نعذب طلابنا ونذهب بهم إلى حيث لا يريدون؟وهل علينا أن نلبي ” لوثة” من ليس من هدف لديه سوى حيازة لقب مهندس؟؟

لن نطيل..لكن لدينا اقتراح بأن يكون التعليم المهني وفقط المهني هو البوابة الإجبارية للدخول إلى كليات الهندسات التقنية..وأن تكون الثانويات المهنية تابعة للوزارات المختصة ” كهرباء ونفط واتصالات وإسكان “..عندها وعندها فقط نعيد الاعتبار للتعليم المهني ..ولا نظن أنه يمكننا ذلك بلا قرار جريء وجراحي..كما نحتاج إلى قرارات جريئة تتيح للراغبين دخول ما شاؤوا من اختصاصات..وتعميم تجربة السنة التحضيرية التي هي ” ماء يكذّب الغطاس الفاشل”..المهم لا بدّ من حلّ.