النظرة السلبية تواجه مشروعات اقتصادية عصرية والحاجات الأساسية تحد من اقتصاد المستقبل

النظرة السلبية تواجه مشروعات اقتصادية عصرية والحاجات الأساسية تحد من اقتصاد المستقبل

مال واعمال

الاثنين، ٧ نوفمبر ٢٠٢٢

 رامي سلوم
تواجه المشروعات الاقتصادية الجديدة التي يتمّ إطلاقها من القطاع الخاص، كما العديد من القرارات والمشروعات الحكومية، ممانعة ورفضاً من قبل شريحة من المواطنين تظهر في الرصد الإعلامي لآراء المجتمع، فضلاً عن ردود الأفعال عبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً في التعليقات على أخبار المشروعات، ما يؤشر على وجود فجوة في الثقة بين الحكومة والمواطن من جهة، وخلل في التسويق والطرح الإعلامي لتلك المشروعات من جهة أخرى، فيما عدا جانباً من ضعف الدراية الاقتصادية لدى المجتمع في بعض الأحيان.
السياحية تتصدر
تتصدّر المشروعات السياحية والترفيهية بشكل عام اعتراضات المواطنين، إلاَّ أن اللافت هو انتماء خبراء اقتصاديين وإعلاميين أيضاً للتوجهات الرافضة، والذين يميلون إلى روافع الاقتصاد التقليدية كقطاعي الزراعة والصناعة، على الرغم من أن الدراسات الاقتصادية العالمية تشير إلى أن نحو 50% من إيرادات الشركات والاقتصاديات العامة في العام 2026 تأتي من أنشطة اقتصادية وتجارية لم تنشأ بعد، وتوجه الاستثمار الاقتصادي إلى آفاق التكنولوجيا والتحول الرقمي وغيره، في الوقت الذي أكد فيه النائب الأول للرئيس في شركة ديل أن 50% من الاقتصاد العالمي سيكون رقمي في 2030.
عوامل اقتصادية نفسية
الاختصاصية الاجتماعية هبة موسى، لفتت إلى أن ردود الأفعال الخاصة بالممانعة تحكمها محددات نفسية واجتماعية عديدة تتعلق بالأولويات المعيشية التي تتصدر اهتمامات الأفراد، وهو ما تقوم عليه بشكل عام أساليب الحروب النفسية الجديدة، وليس استخدام الحصار والعمل على تجويع المجتمعات إلا واحداً من تلك الوسائل، كونها تؤدي كما يطمح منفذوها إلى تغيير في البنية الاجتماعية والرأي المجتمعي وفصل المجتمع عن بعضه البعض بناء على الحاجات.
وأكدت موسى الترابط الاقتصادي النفسي والاجتماعي الكبير، لافتة إلى أن خطورة وسائل التواصل الاجتماعي تتأتى من تشكل مجتمع معين يحاول التماهي والانتماء من خلال الانجرار لنفس الآراء وإعادة التعليقات ونقل النظرة السلبية أو الإيجابية بسذاجة، للحفاظ على توازن داخلي يشعر الأفراد بانتمائهم لمجموعة محدّدة ولو كانت افتراضية، وهو جزء من نظرية هرم ماسلو أو ما يعرف بالميل للانتماء، الأمر الذي يتطلب وقفة جادة من الإعلام لمواجهة تلك الارتدادات.
أسئلة مشروعة
تتوجّه غالبية تدخلات الأشخاص وتعليقاتهم على المشروعات، حول جدوى إنفاق المليارات على مشروعات كمالية لا لزوم لها برأيهم، فضلاً عن تساؤلات حول تأمين متطلبات عمل المشاريع الجديدة وحوامل الطاقة في ظل حاجة الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية التقليدية لها، ودعوة الحكومة إلى توجيه المشاريع الاقتصادية لتأمين المتطلبات الأساسية، فيما قد يتجه البعض إلى التعليق على فعالية المشروعات وطرح رأيه عبر مقال أو منشور خاص على صفحته الاجتماعية، والذي يعتبر جزءاً من الفكر النقدي الإيجابي الذي يتحلى به المجتمع السوري، في حال كان التوجه البناء الدافع الأساسي والذي حقق العديد من المكتسبات للوطن والمواطن على مدى العقود الفائتة وحتى اليوم.
فجوة
من جهته اعتبر الدكتور إبراهيم العدي الأستاذ في كلية الاقتصاد، أنه لا بد من رأب الفجوة بين القرارات الحكومية وتطلعات المجتمع واحتياجاته الأساسية لإعادة الثقة بالدور الحكومي والخطط الحكومية، فعلى الرغم من حجم التصريحات الإيجابية، لكن المواطن لم يلحظ انعكاس الخطط الحكومية على معيشته اليومية بل على العكس، وهو ما يسبب مثل هذه الأنواع من التنمر والممانعة للمشاريع التي لا يشعر فيها المواطن بوصفها رافعة لواقعه الاقتصادي.
بين السياحة والفلاحة
وأكد العدي أنه لو تمّ تخيير المواطن بين السياحة والفلاحة لاختار الفلاحة، معتبراً أن توجهات المجتمع تنطلق من حاجاته، مستغرباً تجاهل قواطر الاقتصاد الحقيقية، والتي من أهمها الزراعة، لصالح قطاعات اقتصادية لا يمكن إنكار جدواها ربما بعد سنوات، غير أن متطلبات المجتمع وأولوياته الآنية دقيقة للغاية وبعضها يتعلق بالبقاء، حيث تصنف المشروعات السياحية بأنها أول القطاعات المتضررة وآخرها تعافياً في أي اقتصاد، خصوصاً في الحالة السورية.
ووفقاً لـ العدي يبقى للحالة السورية خصوصيتها، وما قد ينطبق على اقتصاديات أخرى لا ينطبق على الاقتصاد السوري آنياً ريثما يستعيد مقوماته الرئيسية، لافتاً إلى أن القطاع الخاص ينفذ تلك المشروعات والتي تعتمد على دراسة جدوى نأمل بتحقيقها، غير أن العديد من أصحاب الآراء حول تلك المشروعات هم من المزارعين أو صغار الصناعيين وغيرهم من أصحاب المهن والورشات الصغيرة الذين يعانون جراء نقص حوامل الطاقة وغيرها، وتتسبّب في وقف أعمالهم، معتبراً أن القطاعات الاقتصادية العصرية وتحول التوجه التجاري وتوسع المكاسب المالية لقطاعات جديدة تعتمد على التكنولوجيا.. إلخ، جميعها أمور مهمة ومعروفة ولكنها لا تتفوق أو تتقدم على الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي الذي يؤمن الحاجات الأساسية والأمن الغذائي والاقتصادي بشكل عام.
أولويات
وأوضح العدي أن أولويات المجتمع تتعلق باحتياجاته، وهي أولويات مطلوب من الحكومة تأمينها، كما أنه مطلوب من كل فرد في المجتمع القيام بدوره وواجبه في العمل والانتماء الوطني وغيره، ولذلك فليس مطلوباً من الشخص العادي في المجتمع الإلمام بالبحوث الاقتصادية العميقة أو لومه على قصوره الاقتصادي في حال كان يؤدي واجبه مهما كانت مهنته، أما الحكومة فهي من تخطط وتراقب وتعاقب، ومن مسؤوليتها تأمين احتياجات المواطنين، ومن المفترض أن إجمالي الأعمال يصبّ في صالح الخطة المرسومة، وهو الأمر الذي يبدو أنه غير موجود أو فاعل على أقل تقدير، معتبراً أن الحديث عن أن أولويات المواطن مختلفة عن أولويات الحكومة، ويحمل معنى سلبياً ولا يجب أن يكون حقيقياً حتى لو كان المقصود فيه بُعد النظر والإلمام الاقتصادي الواسع والتوجهات الاستراتيجية، فالمواطن هو محور أي عمل اقتصادي من حيث انعكاساته عليه وما يحققه من فائدة له.
المعالجة الإعلامية
من جانبها اعتبرت الدكتورة في كلية الإعلام نهلة عيسى، أن الرأي الاجتماعي مؤشر على فجوة الثقة الهائلة بين المواطن والحكومة، مشيرة إلى وجود خلل في المعالجة الإعلامية والطرح الإعلامي للمشروعات من عدة جهات خصوصاً من ناحية التصريحات الإعلامية الحكومية غير الموفقة على الإطلاق والتي تستفز جمهور المتابعين بسبب ضعف الخبرة في مجال التصريحات والتواصل مع المجتمع من قبل المسؤولين.
وأضافت عيسى أن وسائل الإعلام نفسها بعيدة عن القضايا الاقتصادية التحليلية، والكثير منها غير موفق في الإضاءة على المشروعات الاقتصادية الحكومية أو الخاصة، فيما عدا وجود فجوة بين الإعلام والجمهور أيضاً بوصف غالبية الإعلام يتبع للحكومة ولا يقارب قضايا المجتمع بطريقة موضوعية أو حيادية، ولذلك فهو بدون تأثير واقعي ولا يمكن اعتباره قاطرة للرأي العام.
ولفتت عيسى إلى أن الحديث عن مشاريع كمالية لابد أن يتمّ رفده بتفاصيل اقتصادية تهمّ المواطنين حتى لا يتم اعتبار تلك المشاريع تغطية على عدم انتظام عملية إعادة الإعمار على سبيل المثال. كما يعكس الاهتمام الكبير للحكومة بمشروعات ليست بمستوى النوعية المطلوبة أو على سوية المشروعات الاقتصادية الوطنية والتسابق إلى التقاط الصور فيها، مدى عجز الاقتصاد، وبالتالي يتلقى المشاهد رسالة سلبية عن مدى توقف العملية الاقتصادية، لتكون مشروعات من هذا النوع أو ذاك على رأس أولويات الحكومة، وتفرُّغها لافتتاحها وإلقاء التصريحات وغيرها، كذلك تبرز المشروعات المطروحة خطر تلزيم القطاع العام ورفع الحكومة يدها تدريجياً عن الأملاك العامة وغيرها.
البعث