قبل أن يفقد الذهب بريقه في حلب ..إقبال على شراء الليرة الذهبية للادخار..ونفور من المصاغ لغلائه إلا للزواج

قبل أن يفقد الذهب بريقه في حلب ..إقبال على شراء الليرة الذهبية للادخار..ونفور من المصاغ لغلائه إلا للزواج

الأزمنة

الأحد، ١٠ يناير ٢٠١٦

 مصطفى رستم
بريق الخاتم الذهبي المعروض على الواجهة الزجاجية لمحل المصاغ الذهبي أدهشها وأبدت له رغبة باقتنائه، بريق الخاتم في معصمها مازال يلمع في عينيها وهي تحادثه، وما كان منه إلا أن أبدى ابتسامة ساخرة لاحت على وجنتيه بعد أن نظر لسعر الخاتم، متحسساً جيبه - المثقوب - اكتفى العاشقان الخطيبان بالنظر إلى خاتم الذهب بكل لهفة وما كان من الشاب الأعزب إلا أن أخذ الخاتم من معصم فتاته ليعيده إلى الصائغ بنظرة متحسرة، ويمسك بيدها ويمشيان بخطوات متثاقلة، هي تضع رأسها على كتفه وهو يرمقها بنظرة أخذ يطفئ من عينيها ما تبقى من بريق هذا الخاتم الذهبي كما تنطفئ النجوم مع بزوغ الفجر.
هي حالة كل شباب أعزب وعازف عن الزواج ، ولتتسع قائمة العازفين عن الزواج بسبب غلاء المهور وزيادة أسعار الذهب، والواقع يتحدث عن نفسه في محال الصياغ ويحكي قصص شباب يعجزون عن تأمين المصاغ الذهبي للزواج.
ومع ذلك لا يستطيع المراقب لأسواق الذهب أن يأخذ حذره من تلك التقلبات المستمرة بأسعاره فما بين الصعود الجامح، والهبوط المتذبذب كان للذهب الكلمة الفصل، ورغم أن الذهب وهو المعدن الثمين بات صعوده خلال أربع السنوات السابقة صعوداً استثنائياً غير مسبوقٍ، إلا أنه ترك أثراً وارتبط ارتباطاً بشكل مباشر وغير مباشرٍ بسعر الصرف مع العملات الأجنبية.
للذهب كلمته:
لم تعد أسواق الذهب في حلب كما كانت كسابق عهدها فالأسواق المشهورة بمدينة حلب اندثرت وتبعثرت في أرجاء المدينة وأصبح عملها يقتصر على ورش صغيرة متناثرة وتفتقر لمستلزمات العمل والمواد الأولية إضافة لغياب الحرفي الحلبي المعروف بعبقريته وفنه في حرفة الصياغة.
يتحدث للأزمنة السيد "عبدو موصللي " رئيس الجمعية الحرفية للصياغة والخبير في مجال الذهب لدى الدوائر الرسمية والمحاكم عن واقع سوق الذهب في مدينة حلب ورغم كل المعاناة التي يعانيها الصاغة حسب قوله إلا أن ما تبقى من الصاغة يجاهدون للبقاء ضاربين عرض الحائط بكل الإغراءات بالهجرة والسفر للبلدان الأوروبية والعربية يقول "موصللي":
قبل عشر سنوات كان سعر الذهب 1000 ليرة كان يستطيع العريس حين الزواج  شراء 100 غرام بـ 100 ألف ليرة لكن اليوم 100 ألف بـ 7 غرامات فقط وهذا فرق شاسع وواسع، وهذا الانخفاض بالقيمة الشرائية له تأثير على حرفة صياغة الذهب، فالحرفي والصائغ يزيد ربحه في حال الإنتاج والبيع، وكلما كان الطلب أكثر والإنتاج أوسع زاد الربح، وإذا عدنا لمبلغ 100 ألف ل.س فسنجد أن المواطن يستطيع شراء 10 قطع ذهب من خاتم، ومحبس، وحلق، أسواره و.... وهذا يحرك عجلة الإنتاج وتكون حرفة الصياغة في هذا السياق بأمان، لكن اليوم هي مهددة والركود الحاصل يضعها على المحك.
ويضيف: تبلغ عدد ورشات حلب 1000 ورشة ونتيجة تدمير الإرهابيين لسوق المدينة دمرت معها ورشات الذهب وسرقت ونهبت وما تبقى 60 بالمئة من الحرفيين خرجوا خارج القطر وحالياً بقيت 50 ورشة تقدم الجمعية لأصحاب الورشات كافة التسهيلات بالتعاون مع اتحاد الحرفيين وفرع حلب لحزب البعث ومع الظروف القاهرة والصعبة فإن حرفي الذهب أبدع فهو الذي صنع الليرة الذهبية السورية والأونصة الذهبية والكيلو الذهبي السوري، وسورية تعتبر الدولة الخامسة على المستوى العربي في إنتاج الكيلو الذهبي.
ما بين الليرة والمصاغ:
الذهب والدولار المتلازمان صعوداً وهبوطاً لم يتأثرا هما فقط بل أثرا بشدة بالأسواق والحركة التجارية، فارتفاع سعر صرف الدولار مع أسعار الذهب أثرا في  حركة استيراد البضائع والمنتجات سلباً وأدى إلى ارتفاع الأسعار بالأسواق وركود اقتصاد البلد بل تركت تأثيراً اجتماعياً بالغ الشدة، ومع كل ذلك لوحظ إقبال من المواطنين لاقتناء الليرة الذهبية السورية مع بداية طرحها بالسوق وبحسب رئيس جمعية الصاغة الذي أكد أن تداول الليرة الذهبية السورية لاقت إقبالاً شديداً لقيمتها المادية والاقتصادية، فهي من إنتاج محلي وحملت رموزاً سورية الوجه الأول عليه قلعة حلب والوجه الثاني أسواق دمشق القديمة، فالمواطن اقتناها للادخار، وهي من عيار 21 ووزن 8 غرامات، فيما النصف الليرة لم تلاق هذا الإقبال من حيث الرواج كما هي الليرة وسعرها 98 ألف ليرة سورية بعد احتساب سعر غرام الذهب 12000 ل0س فيما يتأثر الاقتناء بالقيمة الشرائية.
ويضيف: يوجد إقبال وطلب على الليرة أكثر من المصاغ بسبب أن الليرة أجرة صياغتها بسيطة مقارنة بالمصاغ الذهبي والمجوهرات، وهذا يعود لثقافة المجتمع الاقتصادية ونظرته للذهب واقتنائه لأسباب ادخارية أو تجارية وربحية بالإضافة إلى الزينة، ومع هذه التغيرات والظروف الحالية تراجع بشدة الإقبال على المصاغ والمجوهرات ويعود ذلك لارتفاع سعر الغرام، وعلى سبيل المثال في العام 2007م كان سعر غرام الذهب 1000 ل.س وكان متاحاً شراء الذهب حتى الموظف لأصحاب الدخول المحدودة بسبب انخفاض سعره وكان المواطنون من رواتبهم رغم الدخل المحدود يقتطعون جزءاً من رواتبهم في حال توافرت لديهم الإمكانيات ويقتنون الذهب، فكان الاقتناء ادخارياً أكثر لكن مع الارتفاع الواسع بالأسعار والغلاء الفاحش انخفض الطلب على المصاغ إلا بحالات الزواج، وتوجهت الأنظار لليرة بغرض الادخار.
التزوير وكشفه:
ورغم حالة الركود إلا أن الطاقة الإنتاجية للورشات أقل من الوسط، وكانت قبل عيد الفطر تصنف بالممتاز بحسب جمعية الصاغة لكن تذبذب الأسعار وانخفاض السيولة وخاصة بالأشهر الأخيرة، تركت أثرها بالسوق مع ركود الإنتاج، وبالمقابل تقوم جمعية الصاغة بمتابعة جودة الذهب في الأسواق حرصاً منها على بقاء جودة الذهب الحلبي ليوصل رئيس الجمعية طمأنته لكل المشترين للذهب إنه لا توجد حالات تزوير في السوق وإن حصل فإن المتضرر لن يكون المواطن بل الصائغ أو صاحب الورشة حيث يتم كشف التزوير بسهولة من قبل الورشات، ونسبة الذهب المزور الواصل من خارج حلب 90 بالمئة من تركيا يكون مزوراً بعيار 14 وليس ذهباً جديداً بل مستعمل والذهب المزور يسلم للورشات وهو مستعمل ضمن الكسر يتسلمه – الوريش - أي صاحب الورشة الذي بدوره يقوم بعملية – التبييض - أي تحويل الذهب من معدن وإعادة لون الذهب إلى لونه الطبيعي بعد أن كان لونه أسود، وفي حال كان مزوراً يتم كشفه بنسبة 90 بالمئة وفي حال تم كشفه يعيده صاحب الورشة إلى مصدره والمواطن الذي يحصل على فاتورة بعياره الحقيقي يستطيع المطالبة بحقه ويحصل عليه.
سوق ذهب والهجرة:
تميز سوق المدينة بالسمعة الواسعة وكان لسوق الذهب بريقه لما يحتويه على مجوهرات تميزت بحرفية عالية وضع الحرفي الحلبي بصمته بها والتي أكسبت مدينة حلب مرتبة وسمعة كبيرة يقول موصللي: بعد تدمير سوق المدينة المشهور وسرقة سوق الذهب والمحال الكبيرة هاجر أكثر أصحاب هذه - المحلات - ولكن عاد ما نسبته 5 بالمئة من أصحاب المحلات والصاغة والحرفيين مرة أخرى للعمل يقدر عددهم مئة محل في المناطق الآمنة وتركز عملهم في حي الفرقان وامتداد حي الأعظمية وعدد قليل من المحلات في أحياء الموكامبو والسليمانية.
ويعاني الحرفيون في مجال الذهب صعوبات ومشكلات تكمن بتأمين التيار الكهربائي بعد انقطاعها عن حلب، ويتم تذليل وحل المشكلة عبر تأمين مولدات كهربائية ومادة المازوت لتشغيلها بالتعاون مع الجهات الرسمية.
فيما تكمن المشكلة الأساسية للحرفي بصعوبة تأمين مادة – الأسيد - الذي يحتاجه الحرفي في عمله ويقول رئيس جمعية الصاغة في هذا الشأن:
 وبسبب الأوضاع الحالية أصبحت مادة الأسيد غير متوافرة وقليلة جداً، وفي حال توافرت فإنها مرتفعة جداً مثال بيدونة الأسيد التي تحوي 20 ليتراً كانت تكلف ما يقارب 1500 ليرة سورية سابقاً عليه اليوم الحرفي أن يشتريها بعد صعوبة تأمينها لما يقارب 100 ألف ليرة سورية وهذا الرقم عالٍ جداً ويزيد من تكاليف الصياغة، وتزيد من الأسعار وهي من المشكلات الأساسية والمهمة التي تواجه عمل الحرفي بالإضافة إلى العديد من المواد الأولية المفقودة ولم تعد متوافرة كما كانت سابقاً مثل قطعة - البودقة - من أجل الصهر لم يعد الحرفي يجد البودقة ذات المواصفات الجيدة وهي من إحدى القطع التي يستخدمها الحرفي غير متوافرة ويضطر أن يأخذها الحرفي لعمله.
التفاوت بالأسعار:
وفي شأن متصل بالتسعيرة اليومية لبيع الذهب نقلنا تساؤلات المواطنين واستياءهم من اختلاف التسعيرة من محل لبيع الذهب ومحل آخر حتى إن التسعيرة لم تعد توضع على واجهة المحال ليرد "موصللي" السبب بأن التسعيرة تخرج مرة واحدة ومحددة لكل الصاغة في سورية كل يوم وأي صائغ يخرج عن التسعيرة المحددة يتم اتخاذ بحقة إجراءات قانونية وجزائية ويتم تسطير مخالفة بحقه مع ضبط تمويني ويقول:
" الذي يحدث وبكل شفافية، أن الذهب مرتبط للأسف مع الدولار، وللأسف أكثر مرتبط مع سعر الصرف بالسوق السوداء ويتأثر الذهب بهبوط وصعود الدولار، والدولار متقلب ولذلك يرفع الصائغ السعر ويخفضه والأمر الذي يحدث أن الصائغ لا يستطيع أبداً التلاعب بالتسعيرة بسبب أنها موحدة كما قلت وخوفاً من المخالفة لكنه يعوض فرق الدولار الحاصل بأجور الصياغة، والمصاغ، فمثال ذلك أجرة الأسوارة بالسوق مثلا 5000 ليرة سورية يزيد ما يقارب 1000 ليرة سورية أو 2000 ليرة سورية لا يعوض فرق السعر بالأجرة، وأي شكوى ترد للجمعية يتم محاسبة الصائغ لتجاوزه القوانين ويتم تسطير ضبط تمويني بحقه.
ركود ونتائج كارثية:
الصائغون لا يخفون النتائج الكارثية ما دامت حالة الركود كما هي عليه اليوم وستذهب الأمور للأسوأ مع الارتفاع وإن بقي السعر محافظاً على حاله وبارتفاع فنحن أمام مشكلة تدهور الحرفة مع نتائج كارثية تتعلق بهجرة ورشات الذهب، انخفاض القيمة الشرائية أثرت بشكل كبير على سوق الذهب.
وعن الورشات التي هاجرت وتأثيرها على السوق المحلي وأثرها على الأسواق الخارجية التي استقرت بها أبدى رئيس الجمعية حسرة كبيرة على الخبرات المهاجرة، فالورشات التي هاجرت خارج حلب بحسب قوله اتجهت إلى عدة بلدان ودول وأبرز الحرفيين الحلبيين اتجهوا إلى لبنان وأرمينيا والجزائر وتركيا ـ ومؤخراً اتجه الحرفيون الحلبيون إلى الدول الأوروبية مثل ألمانيا وهولندا وكندا وغيرها ويقول:
هذه الهجرة أثرت إيجابا بتلك الأسواق الخارجية لما يمتلك الحرفيون من خبرة مميزة، وأثرت سلباً في الأسواق الداخلية من حيث الحرفة والمهنية، ومثال يوجد حرفي بالمهنة معروف باسم – الصارجي - الذي يقوم بتفصيل الخواتم بمقاسات مختلفة وكان حرفيو هذا الاختصاص معروفين بمهارتهم الواسعة داخل القطر وخارجه، لكن اليوم تبحث بكل سوق الذهب والحرفة فلن تجده أبداً لأنهم هاجروا خارجياً، وتجد الصائغ الحلبي خارجياً له بصمته في الأسواق الخارجية في تركيا وفي الدول الأوروبية، وفي الجزائر مثالاً 90 بالمئة من ورشات حرفيي الذهب هي ورشات لسوريين بشكل عام ولصائغين من حلب بشكل خاص.
وبأرمينيا كمثال آخر توجد ثلاث ورشات حرفية فقط ولكن محلات الصاغة في الأسواق والمولات الأرمينية هم صاغة من حلب، ومثال جوهرة – اللؤلؤ - التي كان الصائغون يعملون بها أيضاً هاجروا ستجد حرفياً واحداً أو اثنين بحلب بقيا يعملان باللؤلؤ والباقي هاجر وكذلك الحرفيون من اختصاص الألماس وغيرها، سابقاً كنت تجد المئات من الحرفيين من هذه التخصصات النادرة لكن اليوم عليك أن تبحث عنهم ومن الممكن أنك لن تجدهم.