سلخ إقليم ناغورني كاراباغ بقلم: الدكتور البروفيسور آرشاك بولاديان

سلخ إقليم ناغورني كاراباغ بقلم: الدكتور البروفيسور آرشاك بولاديان

ثقافة

السبت، ٣ أكتوبر ٢٠٢٠

بهدف حل المشكلات الحدودية بين الجمهوريات السوفييتية الثلاث في القوقاس؛ أرمينيا وأذربيجان وجيورجيا، تمت الدعوة لعقد جلسة للمجلس الأعلى القوقازي للحزب الشيوعي في روسيا وذلك بين 2-7 تموز 1921، في عاصمة جيورجيا تبليسي، وإلى جانب مناطق أخرى متنازع عليها مثل: (أخالكالاك، لوري، زانكيزور، زاكاتالا)، تمت مناقشة قضية كاراباغ.

وأكدت الجلسة المنعقدة في 4 تموز 1921، والتي حضرها أ.مياسنيكيان، ون. ناريمانوف، وس. كيروف، وس. أورجونيكيدزيه، وغيرهم، على حقيقة أن كاراباغ الجبلية هي جزء من جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية، وحسب بعض المعلومات إن ستالين شخصياً شارك الجلسة، ورغم أنه كان يحق له التصويت بصفته عضواً في اللجنة المركزية فقد أحجم عن ذلك[1]، وقررت الجلسة إجراء استفتاء شعبي في كاراباغ، وكان في الظاهر أن قضية كاراباغ الجبلية قد أخذت حلاً منطقياً، ولكن انقلبت الأمور خلال ليلة واحدة.

قدم رئيس اللجنة الثورية في أذربيجان ن. ناريمانوف بطلب اعتراض على ذلك القرار، وطالب بنقل القرار النهائي لقضية كاراباغ إلى موسكو لمزيد من الدراسة، وفي اليوم التالي، في ليلة 5 تموز 1921، تمت إعادة النظر بالقرار الذي اتخذ، وقبول قرار إجباري حول ضم كاراباغ الجبلية إلى أراضي أذربيجان، وتشكيل إقليم ذات حكم ذاتي في تلك المنطقة. وينص القرار الجديد على ما يلي: "انطلاقاً من ضرورة تعزيز السلام بين الأذربيجانيين والأرمن والعلاقات الاقتصادية لكاراباغ العليا (الجبلية) والدنيا (السهلية) وارتباطاتها المستمرة مع أذربيجان، تبقى ناغورني كاراباغ في إطار أذربيجان مع منحها حكماً ذاتياً واسعاً مركزه الإداري شوشي الكائنة ضمن حدود المقاطعة الذاتية للحكم"[2].

وعلى ما يبدو صدر القرار بناء على تهديدات ناريمان ناريمانوف "بكارثة" محتملة، تتمثل بإعفاء مجلس مفوضي الشعب في أذربيجان من المسؤولية، وبالتالي توقف النفط.

رفض الشعب الأرمني هذا القرار الشنيع، وفي 16 تموز عام 1921 اعتبر المجلس الأعلى للجنة المركزية للحزب الشيوعي في أرمينيا ذلك القرار خاطئاً ومن دون أساس. وهكذا من دون مناقشة وتصويت من المشاركين في الاجتماع اعتبر إقليم ناغورني كاراباغ جزءاً من أذربيجان السوفييتية. هذا القرار غير الشرعي وغير الملزم قانونياً- الذي أصدره جهاز حزبي إقليمي تابع لثالث دولة، من دون أي اعتبار لإرادة شعب كاراباغ- هو الذي مكَّن زعماء أذربيجان حتى اليوم من إضفاء الشرعية على مطالبهم إزاء كاراباغ وغيرها من الأراضي الأرمنية.

يعد هذا القرار بكل المعايير حالة استثنائية في تاريخ القانون الدولي، حين يقوم حزب في بلد ما (الحزب الشيوعي في روسيا) من دون أي أساس قانوني أو صلاحية باتخاذ قرار حول وضع كاراباغ الجبلية وإعلانه جزءاً من أذربيجان[3].

بانتزاع ناغورني كاراباغ وغيرها من المناطق من أرمينيا، وفق الصفقات بين حكومتي روسيا البلشفية وتركيا، اللتين فرضتا أحكام معاهدتي قارص وموسكو (1921)، تقلصت مساحة أرمينيا إلى 29،800 ألف كم مربع.

وبهذه المناسبة يجب القول: إن روسيا البلشفية وتركيا الكمالية استغلتا الوضع السياسي والاقتصادي العصيب في أرمينيا والوضع الدولي المناسب، قامتا بسلخ مناطق منها من دون إدارة شعبها. ففي مطلع عام 1921 في مرحلة المفاوضات التركية السوفييتية، طالبت تركيا الكمالية بضم إقليم ناخيجيفان إلى أذربيجان، وكان هذا الطلب لتركيا وأذربيجان خطوة إستراتيجية نحو المشروع الطوراني التوسعي، ونصت المادة الثالثة من اتفاقية موسكو بين الطرفين المبرمة في 16 آذار عام 1921 على ما يلي: "يوافق الطرفان المتعاقدان على الاستقلال الذاتي لإقليم ناخيجيفان المبينة حدودها في هذه الاتفاقية، وتوضع تحت حماية أذربيجان، شريطة عدم نقل هذه الحماية إلى دولة أخرى..."[4] والمقصود هنا أرمينيا.

إن ناخيجيفان (النشوى في التاريخ العربي) التي تعتبر من إحدى المناطق الأرمنية وكانت من أهم المراكز الثقافية والسياسية لأرمينيا، ليس لها أي ارتباط جغرافي أو حدود مشتركة مع أذربيجان، وشكلت هذه الاتفاقية الأساس القانوني لتشكيل جمهورية ناخيجيفان السوفييتية ذات الحكم ضمن الحدود الأذربيجانية.

 من كتاب قضية ناغورني كاراباغ الجرح الـنـازف



[1]  مكردجيان ليفون، ص 50-51.

[2]  صالح زهر الدين، كاراباغ، ص 12-13، انظر أيضاً: آفاكيان شاهين، المصدر المذكور، ص 15-16.

[3]  آفاكيان شاهين، ص 16.

[4]  بولاديان آرشاك، ولادة الحلم المسلوب، دمشق، 2018،  ص 156.