الفنان نشأت الزعبي للأزمنة

الفنان نشأت الزعبي للأزمنة

نجم الأسبوع

الأحد، ١١ أكتوبر ٢٠٠٩

 

أعمال نشأت الزعبي حالات إنسانية بألوان خريفية

مع اختلاف الأساليب التعبيرية لدى الفنانين التشكيليين في كيفية الطرح والتعاطي مع الموضوع وسهولة التعبير عنه فإن هناك عدداً كبيراً منهم لديه القدرة على نقل رؤيتهم الفنية للمشاهد بوضوح وبساطة، ولديهم مشروعهم الفني المتوازن الذي يعملون عليه في تسجيل الواقع بصور فنية عميقة الأثر والمعنى وتقديمها بشكل فني لائق يعمل على تطوير المشهد الثقافي وتقدمه.

الفنان التشكيلي نشأت الزعبي من الفنانين الذين عملوا بصمت وهدوء وبمستوى فني مميز اتسم بالبساطة والصدق.. فنان تشكيلي معروف من جيل الأساتذة في الحركة التشكيلية السورية استطاع أن يعبر عن طبيعة الرسم عنده من خلال رؤيته الذاتية إلى الأشياء التي لا تخلو في الغالب من مسحة حزن عميق، وهو يحب الرسم كهواية وفن لا أكثر، ولقد رأينا في أسلوبه فناناً يعمل مستفيداً من عناصر الواقع بدقة وتقنية عالية وبخلق توازن بين عناصر اللوحة، ودون الدخول في متاهة التفاصيل، بالإضافة إلى دراسته لمساحات الظل والنور وتوظيفها لخدمة المشهد العام بألوانه الجذابة الداكنة والمبهجة في آن واحد.

الفنان التشكيلي نشأت الزعبي من مواليد حماة/ 1939، بدأ بدراسة التصوير الزيتي في القاهرة، ثم تابعها في دمشق، وتخرج من كلية الفنون الجميلة / جامعة دمشق في عام /1964 /، عمل في سن مبكرة مع أربعة من زملائه على تأسيس حلقة فنية في حماة عام 1956، وهي الحلقة التي تمكنت من تجميع المواهب الشابة في المدينة وإطلاقها عبر عدد كبير من المعارض الفنية والمخيمات الإنتاجية والندوات، كما غذّت فيما بعد الحركة الفنية التشكيلية في سورية بكثير من الأسماء الفنية الهامة، قام بتدريس الفن التشكيلي بعد التخّرج في مركز الفنون وفي المدارس الثانوية بمدينة حماة. ثم عمل في الكويت حيث قامت وزارة التربية في الكويت بتكريمه في العام 1999 متفرغ حالياً للإنتاج الفني، كما يعمل أستاذاً محاضراً في جامعة دمشق شارك في تأسيس معارض جماعة العشرة للفن الحديث عام 1969، شارك في تأسيس نقابة الفنانين وفي تأسيس اتحاد الفنانين التشكيلين العرب، انتخب نائباً لنقيب الفنون الجميلة في أول مجلس منتخب للنقابة، شارك في معظم المعارض التي أقامتها الدولة داخل القطر أو خارجه، لقيت أعماله تقديراً خاصاً في ترينالي الهند في نيودلهي 1971، وفي بينالي الإسكندرية الثامن عام 1969 حيث فازت إحدى لوحاته بجائزة الجناح السوري والجائزة التقديرية للمعرض، أعماله موجودة في المتحف الوطني بدمشق ومتحف الشارقة الدولي ومتحف البنجاب، ووزارة الثقافة في سورية، ولدى مجموعة خاصة في سورية، لبنان، مصر، فلسطين، الكويت، الهند، فرنسا وأميركا، كُرمّ من قبل وزارة الثقافة السورية عام 2000.

الأزمنة التقته وأجرت معه الحوار التالي:

*لكل فنان تشكيلي طريقة في إنتاج لوحته الفنية... كيف تنتج لوحتك؟

- كأي فنان آخر ينفعل بمشهد أو حدث ما، وعندما يتلاشى هذا الانفعال ترى أن المشهد قد دخل عالم النسيان ثم سرعان ما يحيلنا شيء ما إلى هذا الحدث فنتذكره بقوة ويسيطر علينا من جديد، في بداية العمل لا يوجد شيء واضح أو.. يوجد نصف فكرة لكن سرعان ما تقود كل خطوة إلى التي تليها، وما كنا نظنه منسياً يحضر بقوة بل لا نستطيع أن نمضي بالعمل إلا بتوجيه منه، فاللوحة مكان تترنح فيه الذكريات وتندمج مع الخيال ووحدة النظر، كما أن الاستغراق في العمل يبقي على بعض التراكمات اللونية التي تتوحد فجأة على سطح اللوحة الأبيض كجزء من معرفة غامضة مكتفية بذاتها لا تحتاج للفن لإظهارها، وبقدر ما يكون الفنان مخلصاً لأحاسيسه الخاصة ومشاهداته بقدر ما يكون خازناً للأشكال التي لا تنفصل عن بيئته، والذي أريد أن أقوله: إن هناك قطبين يعملان مع بعض في عمل الفنان بشكل عام: احتمال يتشكل من العدم.. وحياة يفيض بها الوجود، وكفاح الفنان يكون بإعطاء احتمال فرصة الوجود، وهذا يتم بنوع من الإدراك الفطري لا يمكن أن نتقصده بواسطة العقل لا يمكن الانفعال الصرف أن يؤدي إليه، وكأن في داخل كل فنان منظومة انسجامية لا بد أن تتحقق بدمج الوجود مع العدم وهو ما يسعى إليه دائماً كل فنان أصيل، فأشجار ( فان كوخ ) لا تشبه الأشجار.. لقد أتت بصيغة لم نعرفها من قبل لكأنها شظايا الروح تحت سماء لا تشبه أي سماء.. هي بدت كمحاكاة للواقع لكنها نجحت بكل تأكيد كوثائق سرية لحياتها.. أنا أعمل بهكذا مزاج وكل حريات العمل متاحة لي لأوقع للوحة باسمي في نهاية الأمر.

*ماذا تعني لك اللوحة؟

- اللوحة بالنسبة لي هي.. رواية.. مفاجأة بصرية.. تعني الخلاء.. من هموم الدنيا ومشكلاتها.. فالفن حرفة واستغراق في الذات بآن معاً، فمثلاً لوحتي (ريفيتان في نزهة) المشاركة في معرض إحياء الذاكرة التشكيلية عندما رسمتها تخيلت ما الذي يدور في النزهة من أحاديث وحكايات، وأحاسيس لتقود ريشتي وألواني على نحو غير مبرر، لأن أي تبرير يلغي الأحاسيس الموجودة في اللوحة فهو عمل يقوده الحس حول الموضوع وليس الموضوع بحد ذاته.. ولوحاتي تصنعها الحياة، أو حياتي ترسم لوحاتي.. فالفنان الحقيقي يعنى بصياغة اللوحة (الأثر الفني) حتى يكون الموقف بأكمله مفاجأة بصرية للمتلقي.

*هل ترسم ما يريده المتلقي أم ما تريده أنت؟

- من وجهة نظري أنا لا أبالي بما يرغب المتلقي.. فكل ما تقع عليه عيني يتفاعل في داخلي وعند اللحظة المناسبة للعمل يخرج هذا المخزون الداخلي بحيث أتنقل بين كوات داخلية في ذهني ظننت أنها في عالم النسيان، وأحصل على أشكال بعيدة عن الواقع بطريقة معقولة، وكأنها تلخيص له وقريبة منه، ولم أفكر مرة أن أرسم لوحة لأبيعها، ولدي الكثير من الأعمال أرفض أن أبيعها وأحتفظ بها لنفسي..

أخيراً: يعد الفنان نشأت الزعبي بحق فناناً متمكناً من عمله ومن مشروعه الفني.. يمتلك رؤى وعوالم وخيالات يعيشها ويحاورها ويتفاعل معها.. يفرح، يحزن، يتألم، يرسم، وينقلها إلينا بتقنية عالية جديرة بالاحترام، وجمالية تنم عن عين ثاقبة دربها صاحبها كثيراً.

ريم الحمش