«مـداد» فـي «أوراق سياسات» تسـأل عن: الدعـم يشكل 40% مـن موازنـة العام الجاري.. ورفعه «بالصدمة» قد يصبح كارثياً

«مـداد» فـي «أوراق سياسات» تسـأل عن: الدعـم يشكل 40% مـن موازنـة العام الجاري.. ورفعه «بالصدمة» قد يصبح كارثياً

أخبار سورية

الأحد، ٢٠ أكتوبر ٢٠١٩

تشرين:
استمرت إجراءات رفع أسعار السلع المدعومة حكومياً خلال الحرب، واستمرت معها فاتورة الدعم بالارتفاع لتشكل أقصى درجات الضغط على الموازنة العامة للدولة مع وصول نسبة الدعم الحكومي إلى أكثر من (40%) من إجمالي الموازنة العامة لعام 2019، مقابل كل ذلك، ومع ضعف المقدرة على تحسين الدخول وخاصة لفئتي العاطلين عن العمل وموظفي القطاع العام، وضعف شبكات الحماية الاجتماعية لاحتضان الفئات والأسر الأكثر هشاشة، استمرت الفجوة بين الدخول والأسعار وتكاليف المعيشة بالاتساع, هذا ما جاء في أوراق سياسات أعدها مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» يعالج خلالها قضية الدعم الحكومي وما تثيره من جدل بسبب الضغط الحكومي المستمر للإنفاق من جهة، ولحصر المستفيدين منها بأصحاب الحاجة حصراً.
وتذكر الدراسة أن هذا الواقع يكسب قضية الدّعم الحكومي أهميةً كبيرةً في ظلّ الجدلِ الدَّائر حول جدوى الدعم ومدى تحقيقه أهدافه الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصةٍ مع تسارع وتيرة وإجراءات ما سُمّيت «عقلنة الدعم» وتوجيهه نحو مستحقيه، هذا الشعار الذي رُفع في متن الخطة الخمسية العاشرة التي شهدت سنوات تنفيذها إجراءات تنفيذية باتجاه رفع جزئيٍّ لبعض أوجه الدعم التي كانت سائدة في سورية لعقودٍ مضت، وهذا الرفع جاء مطلباً من متطلبات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المنبثق عن تلك الخطة، في المقابل لم تشهد إجراءات وبرامج تخفيف التأثيرات السلبية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي سرعةً في التنفيذ، بل معظمها لم ينفذ برغم وجوده النظري في طيات وفصول الخطة.
 
تبدو دراسة مسألة الدعم ضرورية اليوم لاعتبارات متعلقة بالواقع السوريّ والظروف الاستثنائية بعد ثماني سنوات حرب أو ما يزيد، والأوضاع المعيشية الصعبة التي وصلتها شرائح واسعة من السكان، من جهة أخرى، فإنَّ دراسة مسألة الدعم تعدّ مهمة بالمعنى السياسي لقطع الطريق على أولئك الذين انهزموا عسكرياً وفشل تدخلهم، وهم سيحاولون على الأغلب ومن خلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة تأليب الرأي العام وإضعاف وفك العلاقات بين المجتمع والدولة وما يترتب على هذا التصور من تأثيرات خطرة تستحق الدراسة.
رفعه..أمر خطير!
يحقق الدَّعم بشكله الحالي تأثيرات إيجابية تتجلى في مساعدة الأسر بشكل جزئي على تلبية بعض متطلبات العيش (الخبز، الطاقة، مياه الشرب، الصرف الصحي….)، كما يسهم في دعم عمليتي الإنتاج والتصدير، ورغم إيجابيات الدعم إلا أنَّ له تأثيرات سلبية منها، مثلاً: تشوه الأسعار، وضعف حوافز التطوير للقطاعات والسّلع المدعومة يعزز الدّعم بنمطه السائد ثقافة الاتكال والانتظار والهدر، إذ يكون الإقبال على استهلاك المواد المدعومة أكبر بكثير من غير المدعومة بما يفوق الاحتياج، ويسهم في سوء عدالة التوزيع، فالفئات الأغنى هي الأكثر نصيباً من الدَّعم، كما يسهم في تعميق الفساد.
الدعم قضية إشكالية اقتصادية اجتماعيه زيادته أو تخفيضه أو رفعه بالمطلق أمرٌ خطير، والقرارات التي اتُّخذت قبل الحرب أسهمت في تعميق الأزمة، ففي اقتصاد السوق الاجتماعي شقّان: الأول اقتصاديّ والآخر اجتماعيّ، كانت الإجراءات المنفذة جريئة كثيراً بالشق الأول (التحرير ورفع الدعم واللبرلة) وكنا أكثر من خجولين في الشق الاجتماعي، وإذا أعدنا هذا السيناريو اليوم سيكون الوضع كارثياً.
سياسات الدعم هي حق للمواطن وجزء من العقد الاجتماعي الذي قام بين الدولة والمجتمع افتراضياً، جزءٌ من نظام الحكم ونمط الدولة هو التزامها بالدعم، وإذا تغيّرت التزاماتها تجاه المجتمع فيجب عليه تغيير العقد.
التحديات
– هناك أولويات يمكن للحكومة العمل على مكافحتها قبل التفكير برفع الدعم ومنها: التهريب، التهرب الضريبي والجمركي، الفساد… هذه كلها كافية لتغطية فاتورة الدعم..
– تتبنّى الدُّول كافةً سياسات دعم، لكنها تضع استراتيجيات للخروج الآمن بالنسبة للدَّعم ذي الأهداف المؤقتة.
في سورية عندما تم تبني الدعم لم توضع أي استراتيجيات للخروج منه، فالدعم مرحلة حضانة، يترافق بمظلة من الإجراءات أي يتم دعم قطاع معين آنياً.
– تصحيح أرقام الدعم إجراء ضروري، فحسابات الدعم الحالية هي حسابات غير دقيقة، فقسم كبير من المبالغ التي تسمى دعماً وتحسب على المواطنين في الواقع هي تقصير في عمل الوزارات، ومَثَلُ ذلك نسب الفاقد من الكهرباء ومياه الشرب بسبب التعديات وسوء الشبكات يجب ألّا يتم تحميلها للمواطنين كمبالغ دعم، لأن حلها بيد الحكومة.
– عملية دعم القطاعات ليست ثابتة بل متغيرة، وتختلف أولوية القطاعات بحسب مسيرة التطور الاقتصادي، فيجب إعادة ترتيب الأولويات في كل مرحلة.
– تسهّل تكنولوجيا المعلومات والبطاقة الذكية اليوم ضبط الدعم نسبياً، لكن تبقى هناك فجوات.
– يقتضي استمرار الدعم وجود شفافية مطلقة، تحدد كيف تنفق كلّ ليرة مخصصة للدعم، وأن يكون الاستهداف دقيقاً ومحدداً.
– الدعم بوضعه الراهن سيئ، فهو باب لتغطية الفساد ولتأصيل خلل بنيوي خطير في سورية، اقتصاديّ واجتماعيّ واستراتيجي ندفع وسندفع ثمنه مستقبلاً.
– شبكات الحماية الاجتماعية غير فعالة وغير مترابطة، ومن غير المجدي رفع الدعم من دون إصلاحها، لتشكل حماية للطبقات والأسر الهشة وحصانة لها.
الخروج الآمن
رفع الدعم الآن وكل آن مسألة خطيرة إذا لم يترافق بمظلة من الإجراءات الحكومية التي تساعد على الخروج الآمن، وفي مقدمتها التمكين الاقتصادي. كما أنَّ رفعه «بالصدمة» يمكن أن يكون كارثياً، فالرفع إذا تمّ يجب أن يكون تدريجياً وانتقائياً لبعض الجوانب، وضمن حزم وبعد دراسة تأثيراته المتوقعة، ويجب التمييز بين الدعم الاجتماعي ودعم الإنتاج والمنتجين، فبعض القطاعات يجب الاستمرار في دعمها مقابل أخرى يكون دعمها آنياً أو مرحلياً، كما يحتاج رفع الدعم حزمة متكاملة من السياسات (ضرائب، أجور، موازنة عامة للدولة، إدارة إنفاق وإيرادات…) وإلا سيكون المردود السلبيّ قاسياً جداً.
إن منعكسات العلاج الصادم في المجتمعات الهشة خطيرة جداً، ومجتمعنا هشٌّ ومتصدع، لذا يجب العمل على عقلنة الدعم ووضعه في سياقه الصحيح، وضمان وصوله إلى مستحقيه، وهذا يجب أن يكون مشروعَ دولة وجزءاً من خطة ورؤية حكومية، هذه الرؤية مفقودة اليوم.
سيناريوهات
تطرح دراسة «مداد» خيارات التفكير في سياسات الدعم عبر سيناريوهات عديدة:
– السيناريو الاستمراري: أي الاستمرار بالآليات الحالية، وهو أمر غير قابل للاستدامة، إذ إن مشاكل الدعم الحالية ستستمر، ويمكن أن تتفاقم في الأمدين المتوسط والبعيد.
– سيناريو الرفع التدريجي: وهو سيناريو طويل الأمد، لأن متطلبات تحقيقه تتوقف على أهداف وسياسات التنمية على المدى الطويل، ويقوم على التمكين للناس اقتصادياً شيئاً فشيئاً، بحيث نصل إلى مرحلة التوازن بين الدخول والأسعار ومرحلة قطاعات اقتصادية متطورة قادرة على المنافسة.
– سيناريو الرفع بالصدمة: هو أسوأ السيناريوهات ويقوم على رفع الدعم بشكل فجائي من دون حساب المفاعيل والتأثيرات الاجتماعية أو السياسية أو الاحتجاجية لهذا الإجراء، وهذا ما حدث عام 2010.
– السيناريو الإصلاحي: يقوم هذا السيناريو على الاستمرار بالدعم مع إصلاح آلياته الحالية، ووصوله إلى مستحقيه، والتفكير بموارد أخرى لدعم الموازنة العامة للدولة، وهو سيناريو مركب يجمع بكفاءة بين الاحتفاظ بالحد الأدنى للمسؤوليات الاجتماعية للدولة وتخفيف تأثير الضغوط والتشوهات الكلية التي يسببها الدعم على المدى الطويل.
السيناريو الإصلاحي
إن تطبيق السيناريو الإصلاحي يستدعي تبني وتنفيذ سياسات إصلاحية كحزمة واحدة تشكل بمجملها مساراً واضحاً وشفافاً يحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية بشكل عقلاني ومدروس.
على المدى القريب والمتوسط
– تصحيح تشوهات وأخطاء حسابات الدعم: وهي خطوة استهلالية للوقوف على الحجم الحقيقي للدعم وتقييم تأثيره في المواطنين والقطاعات المدعومة والموازنة العامة للدولة.
– تبني آليات استهداف شفافة ومتطورة لإيصال الدعم لمستحقيه، فالآليات الحالية يشوبها الكثير من أوجه الفساد والبيروقراطية.
– حصر مكونات الدعم وتقسيمها إلى مكونات شمولية ومكونات استهدافية، إذ إن معظم مكونات الدعم الحالية تتسم بالشمولية في التغطية ولا تميّز بين فقير وغني، وبالتالي لا تؤدي دوراً واضحاً في تخفيف سوء عدالة التوزيع.
– تخفيض الفجوة بين الدخول والأسعار (تكاليف المعيشة) ليس بزيادة الرواتب والأجور فحسب؛ بل بخلق فرص عمل ومصادر دخل جديدة، والقضية الأهم في هذه السياسة ليس المفاضلة بين زيادة الرواتب والأجور أو خلق فرص عمل، بل السياستان مطلوبتان لتحقيق هدف تحسين الأحوال المعيشية.
– تبني منهجية سليمة وواضحة لصنع السياسات العامة وتسلسلها، فمن المفترض أن تبنى السياسات المالية والنقدية لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية، وليس أن تتحكم السياسات المالية والنقدية بسياسات وأهداف التنمية الأخرى، فمنهجية صنع السياسات العامة الحالية غير واضحة وغير مترابطة.
المدى البعيد
تُعد سياسات رفع الدعم جزءاً من منظومة التنمية التي لا يتم تنفيذها وتحقيقها إلا على المدى الطويل، ورغم الفعالية النسبية لسياسات الدعم وأهميتها وبخاصة في الدول التي تمر بحروب وأزمات ودورها في تحقيق الأهداف المنشودة في الأجل القصير، إلا أن الواقع العملي برهَنَ على أن الاستمرار فيها على المدى الطويل تترتبُ عليه جملة من التداعيات، منها: تشجيع وزيادة استهلاك السلع والخدمات التي يشملها الدعم؛ تسريع وتيرة نمو النفقات العامة وتشجيع التهريب؛ تباطؤ نمو الموارد العامة، إضافة إلى التشوهات السعرية للسلع عبر الحدود.
إضافة لذلك وفي ضوء التحديات المالية التي تواجهها اقتصاديات الدول النامية ومنها سورية، أصبح من الصعب الاستمرار في تمويل التكلفة المرتفعة لبرامج الدعم الذي أصبح يزاحم تمويل الاستثمار العام في البنى التحتية والاجتماعية كالنقل والبنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية. في ظل هذه التداعيات ازدادت الحاجة لإعادة النظر في نظم الدعم الحكومي في معظم البلدان والتدرج في خطوات إصلاحية على المدى البعيد لمنظومة الدعم بشكل يخفف من التأثيرات السلبية في الفئات السكانية والقطاعات المتضررة ليس من منظور اجتماعي وتنموي فحسب، بل من منظور سياسيّ، فعادةً ما تترافق إجراءات رفع الدعم بحراك شعبي رافض لهذه التدخلات، كما حدث في بلدان عديدة (تونس، مصر، الأردن، …….)، في هذا الخصوص ركزت أغلب الدول النامية على إصلاح الدعم الذي يشكل عبئاً على الموازنة العامة مثل دعم الطاقة الذي بات يقتطع جزءاً من الموارد العامة، هذا التحول السياساتي الذي انتهجته بعض الدول هَدَفَ إلى ضبط وترشيد الدعم وإعادة هيكلته والانتقال إلى وسائل بديلة.
باقية ومبررة
مع ضرورة الأخذ بالحسبان أنَّ بعض أشكال الدَّعم باقية ومبررة مع بقاء الحالة التي استدعاها تبني سياسة الدعم: كدعم بعض أوجه الإنتاج والتصدير وهي متغيرة ومتبدلة حسب الحاجة، ودعم الأسر والفئات الأكثر هشاشة، بالإضافة إلى ضرورة استمرار الدولة بممارسة مسؤولياتها الاجتماعية في الصحة والتعليم وكفالة الفئات الهشة من السكان.