هل خرج الكنز إلى الصدارة.. ودفنت عقدة التعليم المهني والتقني؟!

هل خرج الكنز إلى الصدارة.. ودفنت عقدة التعليم المهني والتقني؟!

أخبار سورية

الاثنين، ١٣ يناير ٢٠٢٠

 زهور كمالي:    
لم ينتظر الشاب محمد زهير- ك خريج الهندسة الكهربائية قرار فرز المهندسين الذي استغرق نحو السنتين في إحدى مؤسسات الدولة، إذ لم يباشر العمل الوظيفي حتى تاريخه في المؤسسة المفرز إليها!, فاتجه محمد إلى الانخراط في سوق العمل ضمن اختصاصه وذلك بفتح محل لصيانة الأدوات الكهربائية ولف المحركات وهذا ما حقق له خبرة عملية إلى جانب دراسته الأكاديمية وتأمين دخل مادي يساعده في متابعة دراسة الماجستير, وقال محمد: إنه سيتابع عمله في الصيانة ولف المحركات إلى جانب عمله الوظيفي, محمد ينصح الشباب العاطلين عن العمل أو من لم يستطع متابعة تعليمه الجامعي بالتوجه إلى تعلم أي مهنة أو حرفة, فالخيارات كثيرة والسوق يحتاج كل المهن التي تؤمن مصدراً للدخل والعيش بكرامة تغني عن الحاجة.
التعليم المهني والتقني، هذا الكنز المدفون الذي يعول عليه كثيراً في مرحلة إعادة الإعمار.. هل خرج إلى الواجهة بفكر وعقلية ونظرة مجتمعية أكثر تطوراً لتدفن عقدة سادت سنوات في المجتمع بأن التعليم المهني والتقني مأوى الفاشلين ممن لم يحققوا درجات تؤهلهم لمتابعة تعليمهم في المدارس العامة..!؟ وما سبل الدعم المقدمة لمدارس التعليم المهني والتقني المشجعة للطلاب للتوجه إلى هذا النوع من التعليم؟
 
ضمان وأمان
تعلم المتقاعد أبو إياد مهنة صيانة الأدوات الكهربائية في مقتبل العمر وما زال يتابع مهنته بعد التقاعد بعد أن زادت خبرته على مدى السنوات هذه التجربة في تعلم مهنة نقلها لأولاده إذ وجههم لتعلم التقنيات الإلكترونية وتقنيات الحاسوب ثم تابعوا دراستها في المعاهد الخاصة بها، وقال: إن المهنة ضمان وأمان ولا مشكلة إن لم يحظ أحدهم بفرصة عمل في مؤسسات الدولة والأهم أن يتقن صنعة تقيه من الحاجة والعوز.
بوابة لدخول الجامعة
طلاب الثانويات المهنية الصناعية البعض منهم كانت له رغبة حقيقية في إتقان مهنة أحبها أو ربما شجعه أحد أقربائه على التوجه إليها مبيناً له أهمية المهنة ومستقبلها والمردود المادي منها.
مدير مدرسة الصناعة الثالثة في حماة المهندس -علاء الدين زقزوق قال في حديثه لـ «تشرين»: إن 75% من الطلاب في المدرسة والبالغ عددهم 900 طالب لديهم رغبة في التعليم المهني وبمستوى جيد علماً أن بعضهم حصل على مجموع درجات يؤهلهم لمتابعة تعليمهم في الثانوية العامة ومنهم من يطمح لدخول الجامعة ضمن اختصاصه وهناك منافسة بين الطلاب, وحسب رأي زقزوق فإن التوجه إلى المدارس الصناعية يعد أفضل الطرق لمن يجد صعوبة في دراسة بعض المواد العلمية كالرياضيات أو الفيزياء وغيرهما, وفي حال تفوق الطالب في الثانوية الصناعية فبإمكانه متابعة الدراسة الجامعية, وعلى سبيل المثال أنا خريج ثانوية صناعية تابعت دراسة الهندسة الكهربائية بعد تخرجي في الثانوية الصناعية لتفوقي فيها, فالتعليم المهني مجالاته واسعة ويلقى كل الدعم من قبل الوزارة حيث مستلزمات التعليم والتدريب متوافرة ومن دون أي تكلفة على الطالب, و60% من الدراسة تطبق بشكل عملي أي إن الطالب يتخرج في الثانوية معلماً بمهنة و شهادة معاً.
شراكة مع غرفة الصناعة
في العام الماضي وقعت غرفة صناعة حماة مذكرة تفاهم وتعاون مع وزارة التربية بهدف ربط التعليم المهني والتقني بحاجات سوق العمل والمجتمع وإتاحة الفرصة لطلاب التعليم المزدوج للحصول على المهارات المهنية من خلال التدريب في المنشآت الصناعية.
وعن فكرة هذا العمل المشترك، قال رئيس غرفة صناعة حماة -زياد عربو: إن ربط التعليم المهني مع الفعاليات الصناعية والحرفية يؤمن تكاملاً بين العمل التربوي والتقني والفني ويوفر كوادر علمية مدربة لتعويض النقص الناتج من مغادرة الكفاءات بسبب الحرب التي تعرضت لها سورية ويؤمن عودة الكثير من المنشآت وخطوط الإنتاج إلى ممارسة نشاطها الاقتصادي الوطني ويعمل على تمييز المنتج السوري من حيث الجودة وغزارة الإنتاج ويمكننا من الاستفادة من المواد الخام المتوافرة وتحويلها إلى مواد مصنعة ذات قيمة مضافة بدلاً من تصديرها مواد أولية بأسعار زهيدة واستيرادها مصنعة بقيمة عالية مبيناً أن التعاون بين الجهات التربوية والتعليمية في وزارتي التربية والتعليم العالي مع غرفة الصناعة بدأ يحقق ثماره في محافظة حماة عبر الورشات التدريبية والعملية.
جودة وتميز
ولفت عربو إلى أن غرفة الصناعة تعمل على دعم التعليم المزدوج بهدف الوصول إلى خريجين متميزين لديهم القدرة على الإبداع والإدارة والخبرات المهنية ما يجعل منهم أصحاب منشآت أو رؤساء أقسام فنيين، كما إن هذا الدعم يؤدي إلى الارتقاء بجودة منتجاتنا الصناعية و يساهم في دعم الاقتصاد الوطني, وذكر عربو أهم النشاطات التي تقوم بها غرفة الصناعة في مجال ثانوية التعليم المزدوج (التلمذة الصناعية) «ذكور – إناث» منها: الجولات الدورية للّجان بالاطلاع على واقع التعليم الفني والمهني وواقع المدرسة بشكل عام والإشراف على سير الامتحانات إضافة إلى متابعة أمور الصيانة وإعادة التأهيل بشكل دوري- كما تقوم الغرفة بتأمين البيئة التدريبية الملائمة لطلاب الثانوية في معمل الغزل والكادر التدريبي إذ تم رفد كل خمسة طلاب بمدرب و تأمين وسائل النقل من وإلى المعمل وزيارات دورية للآلات المبرمجة cnc و المتابعة المستمرة لواقع العمل في الثانوية الصناعية كما تقوم الغرفة سنوياً بتكريم الطلاب والهيئة التدريسية والمسؤولين في تربية حماة.
«تشرين» التقت المهندس شحود العساف -المدير المساعد للتعليم المهني والتقني في مديرية تربية حماة الذي تحدث عن واقع التعليم المهني والتقني فقال:
بمواصفات عالية
تعمل وزارة التربية على تطوير التعليم وضمنه التعليم المهني والتقني من خلال توفير كل الخبرات التقنية اللازمة للمساهمة في مرحلة إعادة الإعمار وتقديم كل مستلزمات العملية التعليمية من أدوات ومختبرات وأجهزة ومدرسين…وبلغ عدد الثانويات في المحافظة ريفاً ومدينة 50 ثانوية تضم 11882 طالباً وطالبة مقسمين إلى 18 مهنة مختلفة، كما بلغ عدد المعاهد 5 معاهد ضمن المدينة فقط (صناعي – تجاري – نسوي – ميكانيك – حاسوب) و عدد المدرسين المهندسين ومعلمي الحرف والمدرسات المساعدات 2336.
وقال: إن المخابر مجهزة بكل لوازم التدريب ضمن الثانويات والمعاهد وهي ذات مواصفات عالية جداً مثل: المخارط بكل أنواعها – المفارز – المقاشط – ماكينات الخياطة…وخلال فترة الدراسة والتدريب لا يتحمل الطالب أي عبء مادي, وبعد انتهاء الدراسة الثانوية هناك فرص للمتفوقين والمتميزين لمتابعة دراستهم في الجامعة وفق عدد الناجحين بنسب محددة: 3% للصناعيين و5% للتجارة الدورة الأولى فقط.
أما الكلية التطبيقية فتستوعب 75% من الناجحين ولكن ضمن مفاضلة ومعدل نجاح وهي تضم «الحاسوب – الإلكتروني – الكهرباء» وهناك فرصة ثانية لطلاب المعاهد المتميزين للإكمال في الكليات المماثلة لاختصاصهم بنسبة 3%, وتتم متابعة كل الأمور المتعلقة بالمعاهد والثانويات من خلال الموجهين الاختصاصيين والإداريين في المديرية.
وقال العساف: تم توقيع مذكرة تفاهم مع غرفتي الصناعة والتجارة في حماة بهدف تأمين التدريب للطلاب ضمن المنشآت الخاصة والعامة ولزيادة خبرة الطلاب ليكونوا جاهزين بعد التخرج لسوق العمل, فالطالب في التعليم المهني يحصل على شهادة ومهنة، لافتاً إلى تغير نظرة المجتمع في السنوات القليلة الماضية بشأن التعليم المهني وأنه أقل مستوى من التعليم العام, لكن تبين أنه يماثله في النتيجة بل إنه يؤمن دخلاً مادياً جيداً للطلاب المتابعين والمتميزين, وبهدف تشجيع الطلاب على التوجه إلى التعليم المهني والتقني نقوم بتأمين زيارات لطلاب الصف التاسع للتعريف بأنواع المهن وورشات العمل والاطلاع على آلية العمل فيها.
وأشار إلى أن الطلاب المتقدمين إلى التعليم المهني يتم قبولهم حسب درجاتهم والشواغر الموجودة ولا يترك أي طالب خارج نطاق التعليم, كما يتم استيعاب جميع طلاب التعليم الثانوي المهني في المعاهد والمتفوقين في الجامعات. وفي العام الماضي نجح نحو 900 طالب من خلال مسابقة تم الإعلان عنها, وصدرت مكرمة من السيد الرئيس بتوظيف 5% من الناجحين الأوائل مباشرة من خريجي المعاهد حسب الشواغر ضمن مؤسسات الدولة.
وعن الأعمال الإنتاجية التي يقوم بها طلاب الثانويات المهنية، قال العساف:
لدينا ورش لإنتاج المقاعد وتم إنتاج نحو 19 ألف مقعد هذا العام وصيانة أكثر من 6 آلاف مقعد شارك فيها الطلاب وقد استفادوا من الخبرة العملية إضافة إلى منحهم نسبة مادية من الإنتاج وذلك حسب مرسوم الإنتاج رقم 39.
ومؤخراً تم افتتاح ورشة صيانة المركبات وهي الأولى من نوعها على مستوى سورية لصيانة السيارات العامة لمديرية التربية وتدريب الطلاب عملياً ضمن الورشة, كما تم افتتاح ورشة لصناعة الأبواب والنوافذ الخشبية والمعدنية في المدرسة الصناعية الثانية والثالثة في مصياف وسلمية.
افتتاح مهن جديدة
وأكد العساف أن مديرية التربية تخطط لافتتاح مهن جديدة مثل: النسيج -الغزل -الحلاقة -التجميل وورش مثل صيانة المكيفات وآلات التصوير.. مبينا أنه سيتم إنتاج كل المستلزمات اللازمة لمديرية التربية ضمن الثانويات الصناعية ما يوفر مبالغ كبيرة تصل إلى ملايين الليرات وهذا بدوره يساهم في زيادة المواد المصنعة وتخديم المدارس بكل مراحلها.
ولفت العساف إلى مشاركات طلاب التعليم المهني في عدة معارض منها: معرض دمشق الدولي ومعرض الإبداع والاختراع وحصلت المعروضات على نتائج جيدة إضافة إلى معرض مركزي محلي لكل المهن للاطلاع والمنافسة بين الثانويات والمعاهد ضمن المحافظة.
وختم المهندس عساف حديثه بأن التعليم المهني والتقني بدأ بتعزيز مكانته الاجتماعية لما له من دور فاعل في دفع عجلة الإنتاج ودعم الاقتصاد الوطني ولاسيما في هذه المرحلة المهمة من البدء بإعادة الإعمار التي تتطلب مختلف أنواع المهن والحرف…
أخيرا نقول: دول كثيرة اعتمدت في نهضتها وتمكين اقتصادها على المهن التقنية والصناعية والحرف…. بعد خروجها من حروب عالمية وازدهرت بفضل التعليم المهني والتقني وجعلته في مقدمة اهتماماتها منها على سبيل المثال ألمانيا التي نهضت من أنقاض الحرب العالمية الثانية وأصبحت من الدول الكبرى في القوة الاقتصادية، ومثلها ماليزيا والصين.