الكباش الروسي - الأميركي لا يدفن «الدستورية»: دفْع نحو إنجاز مسودّة أولى

الكباش الروسي - الأميركي لا يدفن «الدستورية»: دفْع نحو إنجاز مسودّة أولى

أخبار سورية

الجمعة، ١٨ فبراير ٢٠٢٢

وسط توتّر أميركي - روسي متزايد، وصلت شراراته إلى سوريا، التي نفّذت فيها روسيا أخيراً مناورات لا تبدو مفصولة ممّا يجري على حدودها مع أوكرانيا، حطّ غير بيدرسون في دمشق، حيث حاول مجدّداً تسويق خطّته المسمّاة «خطوة مقابل خطوة»، والتي يقول إنها تحظى بدعم كلّ من واشنطن وموسكو. وبمعزل عن مدى واقعيّة ذلك، يَظهر أن روسيا وحلفاءها يحاولون استغلال الظروف الحالية، من أجل الدفْع نحو تحقيق اختراق في اجتماعات «اللجنة الدستورية»، عبر وضع المسودة الأولى للدستور
على مدار نحو ساعتين ونصف ساعة، ناقش المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، مع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في دمشق، جهود حلحلة الأزمة السورية، والتي دخلت حالياً مرحلة جمود، بعد فشل ستّ جولات سابقة من اجتماعات «اللجنة الدستورية»، التي تُمثّل أحد المسارات المرعيّة أممياً للتسوية في سوريا. وأعلن بيدرسون، عقب اللقاء، أنه استمع مطوّلاً إلى المقداد، الذي أعلن في وقت سابق رفض دمشق خطّة «خطوة مقابل خطوة»، التي يسعى المبعوث الأممي إلى تطبيقها. وأضاف الأخير أنه أمضى بعض الوقت لشرح خطّته، وأنه قدّم للوزير السوري بياناً مفصّلاً حول جدواها، ونتائج المحادثات التي أجراها مع موسكو وواشنطن حولها، علماً أنه أعلن في وقت سابق أنه حصل من العاصمتَين على دعم لها. كذلك، أعلن بيدرسون أنه اتفق مع المقداد على جدول عمل الجولة السابعة من اجتماعات «الدستورية»، والتي تَوقّع أن تنعقد في شهر آذار المقبل، معرِباً عن تفاؤله بأن يتمّ خلال هذه الجولة إنجاز المسودة الأولى للدستور.
وتأتي زيارة المبعوث الدولي إلى سوريا في وقت تشهد فيه الساحة السياسية والميدانية تصعيداً أميركياً متواتراً، بعد أن أعلنت واشنطن الإبقاء على قوّاتها في هذا البلد بذريعة «محاربة الإرهاب»، وهو ما تلته زيادة ملحوظة في نشاط فصائل «جهادية» عدّة، أبرزها تنظيم «داعش». وتُرجم ذلك في سلسلة هجمات على مواقع للجيش السوري، آخرها هجوم استهدف حافلة في ريف حمص الثلاثاء، وقبله «غزوة» سجن الصناعة في مدينة الحسكة، والتي أدّت إلى فرار أكثر من 300 قيادي ومسلّح من التنظيم، وسط اتّهامات لواشنطن بتقديم الدعم له، الأمر الذي يبدو أنه دفع الولايات المتحدة إلى محاولة تجاوزه عبر اغتيال زعيم «داعش»، إبراهيم القرشي، الذي كان يختبئ في إدلب، قرب الحدود مع تركيا، في الثالث من شباط الجاري.
وبينما ترتكز خطّة بيدرسون على «دعم روسي - أميركي»، كما يقول، ترتفع حدّة المواجهة بين موسكو وواشنطن في قضايا خلافية عدة، أبرزها الأزمة الأوكرانية الأخيرة، والتي وصل صداها إلى سوريا، حيث نفّذت القوات الروسية المتمركزة في قاعدتَي طرطوس وحميميم على الساحل السوري، مناورات عسكرية كبيرة، بإشراف مباشر من وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، الذي كان التقى الرئيس السوري، بشار الأسد، قبل ثلاثة أيام، في وقت جرى فيه استقدام معدّات وأسلحة ثقيلة من بينها صواريخ «كينجال» (الخنجر) فرط الصوتية وقاذفات «TU-22M3»، إلى الأراضي السورية. وتربط مصادر سياسية وعسكرية بين التوتّر الروسي - الأميركي وبين هذه المناورات، لما للوجود الروسي في المياه الدافئة من أهمية كبيرة في تأمين الخاصرة الروسية، الأمر الذي يؤكّده إصرار موسكو على تنفيذ التدريبات بالتزامن مع التصعيد الكبير قرب حدودها مع أوكرانيا، وما حمله هذا التزامن من رسائل عدّة، بالإضافة إلى الاتّهام العلني الذي وجّهته إلى الولايات المتحدة بتقديم الدعم للفصائل المسلّحة.
وتسبق زيارةُ بيدرسون، التي جاءت بعد أقل من أسبوعين على إعلانه فشل الجهود الدولية في سوريا حتى الآن، أخرى يقوم بها وزير الخارجية السوري إلى موسكو، تلبيةً لدعوة نظيره الروسي، سيرغي لافروف، يوم الإثنين المقبل، وثالثة سيقوم بها المبعوث الأممي، يوم الأربعاء، إلى روسيا، حيث يلتقي لافروف أيضاً. وفي وقت كانت تستعد فيه إيران لاستضافة لقاء ثلاثي على المستوى الوزاري للدول الضامنة لـ«مسار أستانا» (روسيا، وتركيا، وإيران)، أعلنت أنقرة ترتيبها لعقد هذا الاجتماع على هامش المنتدى الديبلوماسي الذي تستضيفه مدينة أنطاليا التركية بين يومَي 11 و13 آذار المقبل، وذلك بعد لقاء جمع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، وبيدرسون، الأسبوع الماضي، أعلن خلاله أوغلو دعم بلاده اجتماعات «الدستورية»، والتي اعتبرها «المسار الأهمّ في البحث عن حلّ سياسي لإنهاء الفوضى في سوريا». وعلى الرغم من تعثُّر الجولات الستّ الماضية من لقاءات «الدستورية»، يبدو أن ثمّة توجُّهاً روسياً لتقديم دفعة لهذا المسار، الذي يلقى قبولاً سورياً وتركياً وإيرانياً، أملاً بتحقيق خرق في الحالة القائمة التي تسعى واشنطن للإبقاء عليها. ومن المتوقّع أن يتّضح مدى إمكانية تحقيق ذلك خلال اجتماع المقداد ولافروف الأسبوع المقبل، وما سيتبعه من خطوات سياسية قد تَخرج في محصّلتها بأوّل مسودة دستورية، تُشكّل بوّابة حقيقة لبدء حلحلة الأزمة.