التكافل الاجتماعي.. صمام أمان المجتمع والمطلوب توفر قاعدة بيانات مركزية لإنجاح العمل

التكافل الاجتماعي.. صمام أمان المجتمع والمطلوب توفر قاعدة بيانات مركزية لإنجاح العمل

أخبار سورية

الثلاثاء، ١ مارس ٢٠٢٢

قصة الفتاة من محافظة السويداء التي قامت باستبدال قيمة هدية عيد الحب التي أرسلها لها خطيبها إلى سلل غذائية، وقامت بالتعاون مع مجموعة من صديقاتها بتوزيعها على أسر محتاجة تحت عنوان “أن يحبك الله ذلك أعظم حب”، حظيت بتقدير واحترام الكثيرين، ولا شك هي واحدة من عشرات المبادرات المختلفة الشكل لكنها في ذات المضمون، وهو التكافل الاجتماعي، والذي يبرز مع كل حالة اختبار لطبيعة مجتمعنا، حيث تستنفر جهود أفراده بطرق وأشكال مختلفة تعكس طبيعتهم مع كل بارقة أمل تحملها مبادرة من هنا أو هناك، خاصة وأن المبادرات جاءت كمتنفس للتخفيف من الأعباء الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الذي تكالبت عليه الكوارث والأزمات، ومع ذلك هناك الكثير من المنغصات التي تعترض هذا النوع من التعاضد والتي لابد من الوقوف عند البعض من تفاصيلها.
سلة الخير
شكلُ المبادرات ليس واحداً، وإنما تختلف حسب طبيعة القائمين عليها، كما أنها لم تقتصر على التبرعات المادية والتي بدأت تظهر في السويداء، والتي تمتاز باتساع رقعتها الأفقية والعمودية لتشمل كافة أبناء المجتمع، مثل مبادرة توزيع الخبز المجاني للجميع دون تمييز بين غنيّ أو فقير، ومبادرة وضع سلة فارغة في معظم المحال في عدد من قرى السويداء كتب عليها (سلة الخير) لوضع ما تيسّر بها من خضار وفواكه ومواد غذائية، ويتمّ فيما بعد جمع ما فيها من قبل الجمعيات الخيرية، فيما انبرت مجموعة من الشباب في قرية مفعلة تحت شعار “ايد بيد” لجمع مبالغ مادية بشكل شهري والقيام بأعمال خيرية واجتماعية، منها توزيع القرطاسية على طلاب المدارس ومساعدة مرضى القرية بالعمليات الجراحية، بالإضافة إلى تأمين سلل غذائية للأسر المحتاجة وغيرها من المساعدات.
ومن المبادرات الأخرى المهمّة نشر أسماء أشخاص محتاجين لعلاج أو عمل جراحي على شبكات التواصل الاجتماعي، ليقوم مغتربو المحافظة بالاستجابة والتكفل بالعمل الجراحي أو العلاج، كما يقول الزميل الإعلامي علي الأعور الناشط في هذا المجال، فقد بيّن أن عدد الحالات التي تمّت منذ انطلاق المبادرة قبل عام وصل إلى ٤٠٧ حالات بكلفة تصل إلى نحو ٣٠٠ مليون ليرة سورية.
“جدايل الأمل”
وتعمل مؤسّسة “مرساة التعليمية التنموية” على دعم مرضى السرطان في مجالات متعدّدة كنقلهم للعلاج في دمشق بالتنسيق مع جمعية أصدقاء مرضى السرطان، حيث بدأت هذه المبادرة قبل حوالي أربعة أشهر، ويتمّ من خلالها يومياً نقل نحو 25 مريضاً، إلى جانب مبادرتها بتوزيع المعاطف الشتوية على طلاب المدارس الابتدائية والروضات في معظم قرى المحافظة لتصل إلى نحو ١٠ آلاف معطف، حسب رئيسة مجلس الأمناء في المؤسّسة بثينة شلغين.
وتواصل المؤسّسة أيضاً العمل بمبادرة (جدايل الأمل) التي أطلقها الفريق التطوعي بالمؤسّسة عبر قيام عدد من السيدات والشابات المتطوعات فيها بقصّ شعرهن وتقديمه مجاناً لصنع شعر مستعار للأطفال المصابين بمرض السرطان. وذكرت شلغين أن المؤسّسة توفر مساهمات تعليمية لعدد من طلاب الجامعات من مرضى السرطان، كما تطمح لتوسيع المبادرات في مجال دعم مرضى السرطان خلال الفترة القادمة تماشياً مع ما تقدّمه من مساعدات مختلفة للعديد من الفئات المحتاجة للمساعدة بالمجتمع.
زرع القيم الاجتماعية
وجدت تلك المبادرات صداها الروحي والقيمي بين صفوف المجتمع، وشكّلت فيما بعد رؤية تنموية لبناء جيل يعشق الانتماء ويرغب بالتكافل، ويسعى لرسم ابتسامة وضاءة على محيا كل محتاج لتقديم يد المساعدة، وهذا يعود بالفائدة على تنمية العلاقة بين الأجيال.
يقول منير الشاعر، وهو ناشط اجتماعي وعضو في مجلس إدارة الهلال الأحمر ودار الرعاية الاجتماعية في السويداء، إنه منذ بداية الحرب في سورية كان الهمّ الأكبر هو تقديم الدعم والمساعدة لطلاب الجامعات والمرضى، فتركّز نشاطنا كناشطين على هاتين الشريحتين، حيث عملت كافة الجمعيات الخيرية في القرى على تقديم الدعم للطلاب بمبالغ متفاوتة وحسب إمكانيات كل جمعية، وهناك أيضاً دعم يقدّم من المغتربين لهذه الغاية، ومن المبادرات المهمة – حسب الشاعر – نقل المدرسين، حيث يقوم الأهالي في بعض القرى بدفع أجور نقل المدرسين من المدينة إلى القرى وبالعكس بهدف دعم المعلمين ورفع بعض الأعباء عنهم. ومن الأنشطة الاجتماعية المهمّة في المحافظة التي أشار لها الشاعر هي دار الرعاية الاجتماعية، أو ما يُسمّى بيت اليتيم، والتي تقدّم خدماتها لنحو ١٣٥ نزيلاً بمبالغ تصل إلى نحو ٢٠ مليون ليرة شهرياً تأتي من تبرعات ودعم المجتمع المحلي.
بناء الثقة
ويبقى لهذه المبادرات أهمية كبيرة على الصعيد النفسي والمعنوي لبناء الثقة بين أفراد المجتمع، وتشكّل اختباراً حقيقياً لمدى قدرتنا على التعامل مع الكوارث، فهي مهمّة حسب المرشدة الاجتماعية عهد العماطوري التي أكدت أن مسألة الشعور بالآخرين مسألة وجدانية وإنسانية وأخلاقية، وخاصة من كانت حياتهم غير مستقره ويتخللها قساوة الحياة ووجع الأيام وصعوبة العيش، مشيرة إلى أن هذه المبادرات تقرّب مسافات الودّ والمشاعر النبيلة السامية، وتقدّم الخير والعون لمن يحتاج المساعدة والأمان في وقت انقرضت فيه أغلب هذه القيم وأصبحت كلاماً في مهب الريح، والمبادرات الاجتماعية اليوم إنما تدلّ على القيم النبيلة والأصالة في التعاون وتكاتف الجميع لزرع المحبة في نفوس أبناء المجتمع.
غياب البيانات
ويقول وليد الحمود مدير مكتب التنمية في السويداء إن ما يميّز مجتمعنا أنه مجتمع متعاضد، حيث لا نجد صعوبة في إطلاق مبادرة اجتماعية، وخاصة إن كانت تُعنى بالواقع الصحي أو التعليمي، مبيناً أن ما يميّز العمل الخيري اليوم هو توجّه الكثير من المؤسّسات نحو خلق فرص تنموية مثل مبادرة “بيتي أنا بيتك” ومؤسسة “مرساة” ومبادرة “معاً” للاكتفاء الذاتي، وهناك مشاغل تنموية تستهدف النساء غير المتمكنات لخلق فرص عمل، مشيراً إلى مرحلة متقدمة من العمل الاجتماعي وهي التخصّص في العمل، حيث توجد جمعيات تُعنى بالتعليم وأخرى بالصحة وجمعيات تنموية وخيرية وجمعيات لتنمية المهارات وتعليم الحرف.
الحمود أشار إلى أن ما ينقصنا هو وجود قاعدة بيانات تكون مركزية، بهدف تنسيق العمل وتحقيق سهولة الوصول للمحتاجين، والمساهمة في تحقيق دقة العمل المجتمعي عبر تحديد نوع الاحتياج، سواء أكان مادياً أم صحياً أو تعليمياً، وهذا يتطلّب وجود قرار لرسم هذه الإستراتيجية، وأن يكون هناك توافق من قبل القائمين على العمل المجتمعي للوصول إلى أعداد الاحتياج.
“ميت أهلا وسهلا”
وفي الختام نجد أن التربية الاجتماعية التي تميّز أبناء السويداء وتدلّ عليها عباراتهم الترحيبية “يا حيا لله.. ميت أهلا وسهلا” ليست مجرد عبارات تُقال، بل تعكس سلوكاً اجتماعياً برزت معالمه عندما امتُحن هذا المجتمع بتكافله، ويبقى المطلوب مبادرة الجهات الرسمية بملاقاة بيئة التكافل الاجتماعي هذه بتوفير قاعدة بيانات يمكن الاستناد إليها في توجيه الدعم بالاتجاه الصحيح بعيداً عن العشوائية والمزاجية.
رفعت الديك-البعث