سورية مختبَراً لـ«الانتقام»: أيّ خيارات بِيَد الأميركيين؟

سورية مختبَراً لـ«الانتقام»: أيّ خيارات بِيَد الأميركيين؟

أخبار سورية

الأربعاء، ١٦ مارس ٢٠٢٢

لا يبدو مستبعداً أن تلجأ الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، في إطار الكباش المتصاعد مع روسيا، إلى تصعيد الأوضاع الميدانية في سوريا، أو فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، أو تشديد ما هو مفروض منها، وذلك بغية تحقيق أكبر قدر ممكن من استنزاف دمشق حليفة موسكو، وزعزعة استقرار ساحة نفوذ روسي أساسية
ليس الملفّ الاقتصادي وحده ما يُقلق السوريين اليوم جرّاء مفاعيل الأزمة الأوكرانية؛ فالساحة السورية لا تزال مفتوحة على خيارات عديدة، ترتبط بتطوّرات الموقف الغربي من العملية العسكرية الروسية من ناحية، وبالغاية التي يمكن أن يحقّقها الغرب جرّاء أي تصعيد محتمل على الجبهة السورية من ناحية أخرى. ومثل هذا الاحتمال، معتاد تاريخياً في الأزمات والصراعات الدولية، حيث تتعدّد ساحات المواجهة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لا بل إن سياسة بعض الدول تقوم أصلاً على تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، سواءً عبر شنّ حروب عسكرية واقتصادية مباشرة، أو افتعال الفوضى ونشرها دولياً، وذلك كي يتسنّى لها ترتيب أوراقها من جديد، وتحقيق عملية إشغال واستنزاف للخصم وحلفائه، وهو ما برعت الولايات المتحدة فيه طيلة عقود طويلة من الزمن. ولذا، لا تستبعد دمشق إمكانية تسخين الغرب للساحة السورية تحقيقاً لهدفَين: الأوّل هو استنزاف موسكو عسكرياً على جبهة أخرى غير الجبهة الأوكرانية؛ والثاني معاقبة سوريا على موقفها المؤيّد للعملية الروسية.
أوراق للّعب
على رغم أن الولايات المتحدة لم تضع بعد حدوداً للمواجهة الدائرة بينها وبين روسيا، إلّا أن ذلك لا ينفي احتمال التحرّك الغربي في سوريا، إذ بحسب ما يعتقد الباحث الأكاديمي، عقيل محفوض، فإن «إحدى الجبهات المحتملة للتوتّر بين روسيا والغرب، هي سوريا، التي كانت ولا تزال تشكّل حيّز تفاهم بين روسيا والولايات المتحدة، وقد نجح الطرفان في احتواء أيّ انزلاق محتمل إلى المواجهة فيها. لكن، ومع افتراض صعوبة التوصّل إلى تسوية في أوكرانيا، أو في حال قرّر الغرب تنفيذ سياسات احتواء شاملة ومركّبة حيال روسيا وحلفائها، فإن الموقف بين الدولتَين في سوريا يصبح مرشّحاً لمزيد من الاحتدام». ويرى محفوض، في حديث إلى «الأخبار»، أن الغرب «قد لا يفضّل الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا في أوكرانيا، وذلك بسبب وجود إكراهات كثيرة، ولذا فهو قد يتّجه إلى مراجعة التفاهمات مع روسيا في سوريا، ويحرّك الميدان، وقد يدفع بالمزيد من الموارد والأسلحة، ويحشد المزيد من القوة من أجل إعادة إنتاج الحرب، من خلال دعم الجماعات المسلحة في إدلب، والمزيد من الدعم لمشروع الإدارة الذاتية وقسد في منطقة الجزيرة السورية».
ومن هنا، تَبرز توقّعات بإمكانية أن تشهد بعض المناطق، وتحديداً البادية السورية بطرق مواصلاتها ومنشآتها الاستراتيجية، زيادة في عدد العمليات التي ينفّذها تنظيم «داعش»، والتي تستهدف فقط وحدات الجيش السوري والتجمّعات السكنية، فضلاً عن إمكانية تشجيع الفصائل المسلّحة في إدلب، لا على استهداف نقاط تمركز الجيش والتجمّعات السكنية فقط، بل وأيضاً تنفيذ هجمات ضدّ أماكن تواجد القوات الروسية وقواعدها، باستخدام أسلحة صاروخية أو طائرات مسيّرة، كما حدث في فترات سابقة. أمّا بالنسبة إلى الدور الإسرائيلي على الساحة السورية، فهو برأي المدير السابق لـ«مركز دمشق للأبحاث والدراسات» (مداد)، هامس زريق، «يبقى الأخطر في ضوء مفاعيل الاتفاق النووي الإيراني المحتمل إحياؤه، والذي يمكن اعتباره بشكل أو بآخر مرتبطاً مع الروس». ويلفت زريق إلى أن «الإسرائيليين لن يقبلوا بتفاهم مع إيران لا يشمل الصواريخ الدقيقة التي بات يملكها حزب الله، والوجود الإيراني المرافق له في سوريا، وكذلك القدرات الصاروخية المعروفة للجيش السوري، وبالتالي يصبح من الصعوبة تحديد ردّة فعل إسرائيل، التي يمكن أن تتحرّك زاعمة أنها تدافع عن أمنها القومي».
مزيد من الضغط
على المستوى الاقتصادي، الذي ربّما يكون العمل فيه أسهل بالنسبة إلى الغرب حالياً، بالنظر إلى وجود سلسلة طويلة من العقوبات المُطبَّقة بحق سوريا منذ اندلاع أزمتها في عام 2011، فإن غالبية التوقّعات تذهب في اتّجاه إمكانية تشديد الغرب عقوباته الاقتصادية على دمشق، خاصّة أن جوهر الموقف الغربي من العملية الروسية في أوكرانيا استند أولاً إلى مبدأ فرض عقوبات سياسية واقتصادية، وذلك قبل المباشرة بتقديم الدعم العسكري لكييف. وهنا، يشير الباحث زريق إلى أن جانباً من الآثار السلبية التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد السوري يتمثّل في «تأثير العقوبات الغربية الأخيرة على عمل الشركات الروسية الخاصة في سوريا، عدا تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية، التي يمكن أن تَنتج من هذه الحرب». لكنه يعتقد أن هذا التهديد «يمكن أن يتحوّل إلى فرصة؛ فإذا استطاعت موسكو الخروج من العلاقة مع الشركات الغربية، وأنشأت نظاماً خاصاً بها يكون مدعوماً من دول أخرى كالصين وغيرها، قد يتيح هذا للشركات الخاصة الروسية، التي وقّعت سابقاً عقوداً مع الجانب السوري، العمل بحرية وتنفيذ مشروعاتها، الأمر الذي من شأنه مساعدة الاقتصاد السوري على التحسّن».