مضى السيء وحان الأسوأ… هل تصل التحذيرات من الأزمة الاقتصادية العالمية المقبلة لمسامع الفريق الحكومي

مضى السيء وحان الأسوأ… هل تصل التحذيرات من الأزمة الاقتصادية العالمية المقبلة لمسامع الفريق الحكومي

أخبار سورية

الجمعة، ١٠ يونيو ٢٠٢٢

ريم ربيع
“ما عد يصير أسوأ من هيك” هي عبارة كلما رددها السوريون، يأتيهم الرد إما بأزمة محلية جديدة، أو بأزمات عالمية ترخي بظلالها على الاقتصاد السوري المتهالك أساساً، بدايةً من الحرب العسكرية التي تلاها حرب وحصار وعقوبات اقتصادية، ثم الكورونا وانفجار مرفأ بيروت واستهداف الاحتلال الإسرائيلي للمرافئ السورية، لتصل مؤخراً إلى الحرب الأوكرانية التي يبدو أن نتائجها الفعلية على الاقتصاد العالمي لا زالت لم تظهر بالكامل بعد 100 يوم من اندلاعها.!
تحذيرات
فمع استمرار العمليات العسكرية والمعارك السياسية وتطبيق العقوبات بالجملة على روسيا، بدأت التحذيرات تتوالى من أزمة اقتصادية عالمية أكثر متضرريها هي الدول الفقيرة وذات الاقتصاد الهش، حيث يدعو خبراء الاقتصاد اليوم لوضع خطة متكاملة في مواجهة الأزمة المقبلة، لتكون أكثر جدوى من الخطط “الوهمية” في التصدي للحصار والعقوبات وبداية الحرب الأوكرانية، والتي لم تنعكس سوى بالمزيد من الخسائر والأعباء على الاقتصاد السوري ومعيشة المواطن.
الاتكاء على معيشة المواطن
آلية التعامل مع الأزمات والتي نلمسها منذ أعوام، تعتمد في معظمها على الارتجال وغياب الخطط المسبقة، واتكاء الحكومة المنهكة اقتصادياً على معيشة المواطن ودعمه، حتى ترمم عجزها، فمع كل ضائقة جديدة، تكون أسرع الحلول عبر رفع الأسعار مقابل رواتب ثابتة تقريباً، ولا تحقق الحد الأدنى للمعيشة، فيما يكون التبرير دائماً أن رفع الأسعار يأتي لسد العجز وتخفيف الأعباء المتزايدة في استيراد المشتقات النفطية والقمح مع ارتفاع أجور الشحن وصعوباته، وهو ما يدركه الجميع -وفق الخبير الاقتصادي الدكتور زكوان قريط-، الذي اتجه لينصف التبريرات الحكومية بأن ارتفاع الأسعار عالمي وكل الدول تأثرت به، إلا أن الفارق هنا يكمن في الأجور التي لم تصل لحدها الأدنى في الدول الأخرى، خلافاً للحالة السورية التي لا يكفي الأجر فيها لأدنى حد من متطلبات المعيشة.
تحرير الأسعار
ويوضح قريط أن التضخم الموجود أساساً والذي أنهك الاقتصاد السوري، لا يزال في تزايد مستمر تدعمه قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية بشكل أساسي، وزيادة الفجوة بين القدرة الشرائية ومستوى الدخل، معتبراً أن الحل يمكن أن يكون عبر تحرير الأسعار والأجور بنفس الوقت، إذ يفترض أن تعادل الأجور بالحد الأدنى ما كانت عليه قبل الحرب وفق قيمة الدولار، أما الدعم الذي أصبح “بلا طعمة” فالأجدى إما تحويله لدعم مالي أو إلغاؤه نهائياً بعد فشل محاولات تنظيمه.
قشرة الدعم الرقيقة
ويبيّن قريط أن الأسعار عملياً شبه محررة، لكنها مغطاة بقشرة الدعم الرقيقة، فلم يبقى سوى تحرير سعر الصرف والأجور لتصبح متناسبة مع الأسعار، وعن انعكاسات هكذا إجراء على السوق، يوضح قريط أنه في حال تحرير الأسعار يمكن أن تنضبط آلية السوق من خلال العرض والطلب، وقد يحدث اختلال في البداية إلا أنه يستقر بعد فترة وجيزة من الزمن.
تحسين المعيشة
أما عن الخيارات الأخرى لتحسين مستوى المعيشة قبيل أزمة شديدة مقبلة، يلفت قريط إلى تقديم تسهيلات في القروض وتنظيم الدعم الاجتماعي عبر تحسين الخدمات من طبابة ونقل وتأمين صحي، وتيسير الحصول على سكن ملائم، فهي كلها متممات تدعم المواطنين، وفي الدرجة الأولى الموظفين الذين يعتبروا من أكثر المتضررين.
طبيعة التحذيرات
بدوره، يتحدث عضو المجلس الاستشاري في الحكومة الدكتور زياد عربش لـ”البعث الأسبوعية” عن طبيعة التحذيرات الاقتصادية من المرحلة المقبلة، موضحاً أن احتدام معارك “كسر العضم” بين روسيا الاتحادية والغرب بأداته الرئيسية الناتو، أدى في مراحله الأولى لارتفاع جوهري بأسعار مشتقات وحوامل الطاقة، لتتلاحق بعدها موجات ارتفاع الأسعار لأكثر من 500 ألف منتَج يدخل النفط والغاز في تركيبهما، سواء المواد الكيميائية، أو المواد الأولية الأساسية، والسلع الاستراتيجية الغذائية الرئيسية وعلى رأسها القمح، إضافة إلى الأسمدة ومنتجات غذائية عديدة، وهذا ليس لمجرد أن روسيا وأوكرانيا تنتجان جزءاً كبيراً من هذه السلع، لكن لتهافت معظم دول العالم لتخزين تلك المنتجات والتحوط بشأنها.
امتداد المفاعيل
استمرار المعارك وتجاوزها 100 يوم –يضيف عربش- فاقم من الأزمات، وارتفاعات مشتقات الطاقة، وهدد تحقيق الأمن الغذائي في العديد من الدول خاصة الفقيرة، كما امتدت آثار العقوبات على روسيا حتى على الدول الغربية بوصول معدلات التضخم إلى نسب عالية جداً، مع تباطؤ النمو الاقتصادي، وتسجيل نمو سلبي في بعض الدول، رغم أن بعض الدول وتحديداً النفطية استفادت من ارتفاع أسعار النفط، كالسعودية مثلاً.
ويوضح عربش أنه حتى لو توقفت الحرب خلال أيام معدودة، فاستمرار المفاعيل والآثار سيمتد على الأقل لنهاية العام القادم، إذ لا تملك الدول الفقيرة والهشة الموارد المالية الكافية لتغطية فاتورة استيراد السلع الاستراتيجية الأساسية.
تحديات الإعمار
هذه الآثار كلها امتزجت في سورية مع جملة من “الصدمات” الاقتصادية السابقة، حيث يشير عربش إلى ترافقها مع نتائج حظر كورونا، ومفاعيل أكثر من عقد من الحرب، ومواجهة تحديات إعادة الإعمار مع تكالب القوى الغربية بالضغط على الموارد والمحاصيل الاستراتيجية التي نحن بأمس الحاجة لها لإمداد السوق الداخلية بمشتقات الطاقة والسلع الاستراتيجة، والحاجة لمشاريع إنتاجية جوهرية، مع تعزيز وإعادة تأهيل البنية التحتية.
كل يوم بيومه
هي تحديات كثيرة لا تزال الحكومات المتعاقبة منذ بداية الحرب عاجزة عن حل أي منها، بل تعمل كل حكومة على تدوير الأزمات لمن يليها، وسط قرارات ارتجالية وإسعافية على مبدأ “كل يوم بيومه”، ولا ننسى التحذيرات الكثيرة التي استبقت قانون قيصر بأكثر من عام، والتي أعطت فرصة لإعداد خطة مواجهة متكاملة تتضمن تأمين السلع الاستراتيجية وإدارتها بشكل عادل، إلا أن النتيجة كانت بخطابات وشعارات إعلامية انهارت منذ الشهر الأول من تطبيق العقوبات، فهل يكون بتلك الأزمة عبرة للاستعداد لما هو آتٍ.؟
من وحي الأزمات
هنا يحدد الدكتور عربش نقاط عدة تشكل فرصاً لاستغلالها اليوم، بدايةً من تأمين مكون الطاقة عبر المواجهة الجدية لمسألة الفاقد والهدر، واستعجال تنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة، إضافة إلى الدفع بمشروع تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإزالة كافة العقبات أمام التجارب الناجحة والإقلاع الشامل لها، مع الإسراع لتحقيق مراحل متقدمة في التحول الرقمي الذي يختصر الزمن والكلف ويوفر فرص عمل كثيرة، والتركيز على استقدام وسائط النقل لتأمين النقل العام.
إعادة ترتيب
ويشدد عربش على ضرورة الحد من الهدر الكبير للموارد، وإعادة ترتيب منظومة الدعم بشكل كامل وجذري، فمبلغ 3000 مليار ليرة المحدد للدعم يذهب الكثير منه كهدر وفساد، مؤكداً أن الرهان الرئيسي للانتقال من الحلول الإسعافية والمستعجلة للحلول المستدامة هو العمل التنموي وتفعيل طاقات المجتمع.
على طبق من ذهب
هي حلول مقترحة ويرافقها أبحاث بالجملة يطرحها أهل الاقتصاد باستمرار، ويقدموها على طبق من ذهب للفريق الاقتصادي إما عبر اللقاءات المباشرة معهم، أو من خلال وسائل الإعلام، إلا أن التعاطي الرسمي معها ينقسم بين تشكيك يصل حد “التسخيف” أو الإهمال، لتستمر العقلية ذاتها في اتخاذ القرار والمراوحة في المكان رغم تغير وتطور الأزمات المحيطة بنا.
البعث