يسكن في “قلب المياه” لكنّه ظمآن .. الساحل يتفاقم عطشه من دون تحريك ساكن

يسكن في “قلب المياه” لكنّه ظمآن .. الساحل يتفاقم عطشه من دون تحريك ساكن

أخبار سورية

الاثنين، ٨ أغسطس ٢٠٢٢

ميليا اسبر:
يضّم الساحل أكبر تجمع مصادر مياه في سورية ، يسكن أهله في” قلب الماء” ، لكن تصعب عليهم سقاية شجرة واحدة، أو حتّى وردة ذبلت أمام أعينهم، و منهم من يتمنّى شرب كأس ماء متى يشاء يروي فيها ظمأه.
من المعيب جدّاً أن تهدر ولو قطرة مياه واحدة من نهر نبع السن لتجد مستقرها في البحر, في الوقت الذي تبعد عنه بعض القرى مسافة 2 كم وهي تعاني العطش الشديد.
وصل العطش في الساحل وخاصة في أريافه إلى أقصاه، عشرات وربّما مئات الشكاوى والاستغاثات لحل هذه المشكلة لكن من دون جدوى ، التبريرات حاضرة في أذهان المعنيين، (حوامل الطاقة والحرب) شماعة يسهل استخدامها عند كل حديث معهم عن هذا الموضوع، من دون عنائهم بالتفكير لإيجاد حلول، بل كان جلّ ما ينتهي به الأمر من قبل المسؤولين هو تغيير مديرين فقط ليبقى جوهر المشكلة قائماً بل ويزداد سوءاً .
تثقل مشكلة المياه كاهل المواطنين في أرياف الساحل وتزيد أعباءهم، ففي ريف القرداحة هناك من يشتري صهريج المياه سعة خمسة براميل بسعر 35 ألف ليرة، فهل يعقل ذلك ؟ بحساب بسيط يمكن معرفة كم تتكلّف الأسرة شهرياً ثمن شراء مياه للشرب فقط ولاسيما في فصل الصيف!
اختناقات مائية كبيرة في اللاذقية
يعاني سكان اللاذقية أرياف ( جبلة – القرداحة – ريف المدينة ) اختناقات كبيرة في تأمين مياه الشرب، شكاوى بالجملة من قرى ريف القرداحة ( رأس القلورية -عين العروس -عوينة الريحان ) وغيرها الكثير من القرى التي تعاني شح المياه لدرجة العدم تقريباً، حيث لا يمكنهم تعبئة خزان واحد بسبب عدم ضخ المياه إلّا بشكل قليل جداً ولساعة واحدة فقط وأحياناً كثيرة الكهرباء غير متوافرة في هذه الساعة ليبقى شراء صهاريج المياه هو الطريقة الوحيدة لتأمينه، ناهيك باستفزازهم من قبل أصحاب الصهاريج بحجة غلاء المحروقات وصعوبة جغرافية تلك القرى، كل ذلك بهدف الحصول على المبلغ الذي يريدونه، وقد وصل سعر صهريج (خمسة براميل) إلى 35 ألف ليرة في قرية رأس القلورية حسبما رواه الأهالي.
واقع المياه في ريف جبلة لم يكن أقل حالاً, حيث تعاني ناحية القطيلبية في ريف جبلة وقراها من سوء التغذية المائية، علماً أن نبع السن لا يبعد أكثر من 2 كم عن هذه القرى، ورغم ذلك يتعطّشون لنقطة ماء.
والأرض عطشى أيضاً
المزارع زيد عصيفوري من قرية ست مرخو في ريف اللاذقية يقول: إنّه يعاني من عدم قدرته على سقاية مزروعاته وهي بمساحة ستة دونمات من الحمضيات، إضافة إلى بعض الخضر المنزلية كنوع من التخفيف عن مصروف الأسرة ، إلّا أنه لم يتمكن من السقاية, فالأرض عطشى بسبب وجود تعديّات جائرة على خطوط المياه من قبل بعض السكان، ولكن من دون وجود محاسبة أو رادع أخلاقي أو قانوني ، منوهاً بأنه لو تم ذلك لكان الوضع أفضل بكثير، ناهيك بقلّة أو ربما ندرة الكهرباء التي تزيد الطين بلّة ، مؤكداً أن المعاناة ذاتها مستمرة منذ خمس سنوات وحتى اللحظة ، رغم الوعود الكثيرة بحلّها من قبل المعنيين لكن من دون جدوى ، ويروي زيد أنه في إحدى المرات وبعد عدّة شكاوى أتى أحد مسؤولي “المياه” في اللاذقية إلى القرية لحل المشكلة وبالفعل ضخوا المياه بشكل جيد ، ولكن انتهى كل شيء بعد عشر دقائق من مغادرة المسؤولين وانقطعت المياه لتتجدد المعاناة مرة أخرى.
طرطوس ليست بأفضل
تعاني قرى بانياس والقدموس نقصاً شديداً في المياه، يقول بعض قاطني قريتي ( جارة الوادي – مشتية باب النور) في منطقة القدموس إنه خلال هذا الصيف تمّ ضخ المياه لهم مرتين فقط ولفترة قصيرة جداً ، لذلك يضطرون لشراء الصهاريج وبأسعار مرتفعة، إلّا أنّه لا حلَّ آخر حسبما يقولون لأنهم يريدون الماء بأي طريقة كانت.
عطش صيفاً وشتاءً
كما تواصل مع ” تشرين” أهالٍ من تجمع قرى الضهر الغربي في ريف صافيتا، هذه القرى تعطش حتى في فصل الشتاء، لافتين إلى أن المياه السطحية تحيط بها من كل الاتجاهات ، فهي أشبه بالجزيرة، علماً أنهّ يوجد سهل زراعي في المنطقة يحتوي على مياه جوفية كبيرة ، وأن الحفر بعمق يتراوح بين 30 – 50 متراً تخرج منه المياه ، ومع ذلك اختارت مؤسسة المياه أسوأ منطقة لحفر بئر المياه في قمة الجبل وبجانب مقبرة , حيث حفرت بعمق ما يقارب 500 متر ومع ذلك كانت المياه ضعيفة جداً، مشيرين إلى أن المياه تضخ في قرى التجمع بين 15-20 يوماً ولمدة نصف ساعة فقط أو ساعة بالحد الأقصى ، ونوّهوا بأنهم يعانون عطشاً كبيراً, وحتى الاستحمام أصبح من الرفاهيات ، والسؤال: هل تخيل المسؤولون عن المياه كيف ستكون الحياة على هذا النحو وهذا الحرمان ؟
لا يوجد نقص بمصادر مياه طرطوس
مدير عام مؤسسة مياه طرطوس المهندس عيسى حمدان أكد في تصريح لـ “تشرين ” أنه لا يوجد نقص في مصادر المياه في المحافظة وهي كافية لتأمين حاجة المواطنين، و لكن بشرط توفر حوامل الطاقة /كهرباء –مازوت / حيث وصلت ساعات التقنين الكهربائي إلى أكثر من 20 ساعة يومياً, ما جعل المؤسسة تعتمد بصورة رئيسة على مجموعات التوليد البالغة 190 مجموعة والتي تحتاج كميات كبيرة يومياً من مادة المازوت لا يمكن تزويد المؤسسة بها, حيث تزود المؤسسة بكمية لا تتجاوز ربع الحاجة الفعلية، مشيراً إلى أنّه رغم الواقع الحالي لمصادر الطاقة يتمتع مركز مدينة طرطوس باستقرار مائي بدوام التغذية بمياه الشرب على مدار 24 ساعة, إضافة إلى استقرار مراكز مدن /بانياس- الدريكيش – المشتى –القدموس –الشيخ بدر
أمّا في مناطق ريف المحافظة فيقول حمدان : هناك بعض الاختناقات الناتجة عن أطوال الشبكات والطبيعة الجغرافية الصعبة للمحافظة وتعدد مراحل الضخ التي تحتاج إلى استمرار عملية الضخ ، لكن لا يؤمنها الوضع الحالي لمصادر الطاقة، لافتاً إلى أنّ المؤسسة وبغية حلّ هذه الاختناقات قامت بالعديد من الإجراءات , أهمها استبدال وتوسيع شبكات بطول 17 كم في مختلف مناطق المحافظة، كما تم ربط العديد من المشاريع بخطوط كهربائية مستقلة معفاة من التقنين , منها / نبع صالح بمحطاته الثلاث –بلوزة المحطة الأولى –الطيبة –العنابية –برمانة المشايخ –دوير طه المحطة الأولى / ويجري العمل على ربط مشاريع أخرى خلال الفترة القريبة القادمة.
دراسات لتحسين المياه في الريف
وعن معاناة قرى القدموس / جارة الوادي– باب النور -…./ من نقص المياه يقول حمدان: تستفيد مدينة القدموس وريفها من خطي الجر الأول والثاني، وحالياً في مدينة القدموس المياه بشكل شبه يومي وفي الريف الشمالي والشرقي كل 13 يوماً وبغية تحسين الواقع المائي في الريف الشمالي للقدموس قامت المؤسسة بـ:  إعداد دراسة لتنفيذ خط داعم من خزان جبل المولى حسن إلى هذه القرى والدراسة قيد التعاقد مع شركات القطاع العام لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع بطول 4 كم وبقيمة حوالي 800 مليون ليرة ، وأيضاً إعداد دراسة لتنفيذ خط جر ثالث من موقع دير البشل في بانياس باتجاه جرد عنازة بانياس والريف الشمالي الغربي للقدموس بتكلفة حوالي 30 مليار ليرة وهي قيد التدقيق لدى مديرية مياه الشرب في وزارة الموارد المائية،
أما فيما يتعلق بالآبار المحفورة في قطاع صافيتا الغربي بعمق 30 م واستخرجت منها مياه نوه المهندس حمدان بأنّ هذه الآبار زراعية تتغذى من الحوامل السطحية ذات الغزارة القليلة , بينما تتغذى آبار المؤسسة من الحوامل العميقة ذات الغزارة الكبيرة التي تحقق جدوى اقتصادية من استثمارها والتي تتراوح أعماقها من200 م فما فوق ويتم حفرها بناء على دراسة هيدروجيولوجية معدة من قبل مديرية الموارد المائية
تنسيق يومي
بدوره مدير عام مؤسسة كهرباء طرطوس عبد الحميد منصور أشار إلى وجود تنسيق يومي مع مؤسسة المياه في المحافظة، و هناك إعفاء لأربعة خطوط من التقنين الكهربائي لمدة ثلاث ساعات بعد الساعة 12 ليلاً ، إضافة إلى أربعة خطوط تعفى يومياً من التقنين وهي مخصصة لسقاية الحمضيات تبدأ من الساعة 12 ليلاً وحتى السادسة صباحاً.
وذكر منصور أن التقنين في طرطوس خمس ساعات قطع مقابل 45 دقيقة وحتى الساعة وصل، والمؤسسة تعمل بأقصى طاقتها و وفق الإمكانات المتاحة.
مياه النهر في البحر
مدير عام مؤسسة المياه في اللاذقية ممدوح رجب الذي كانت بداية حديث “تشرين ” معه بسؤال : كيف لمياه نبع السن أن تهدر في البحر والأهالي عطاش؟ يقول: يجب أولاً توضيح عدة نقاط ، الأولى : لا يوجد في نهر السن الكميات الخيالية التي يتم الحديث عنها والتي يقال إنها تهدر في البحر، من الشهر السادس لغاية الهطول الأول للمطر, أي في الشهر العاشر يكون السن مغلقاً تماماً ، ولا توجد قطرة مياه تذهب للبحر، ربما تذهب نسبة كبيرة من مياهه في أيام الشتاء عندما تكون الغزارة عالية، النقطة الثانية : إنه في الشتاء تكون غزارة نبع السن بأحسن أحواله 25 م2 في الثانية ، أما حالياً في الصيف فتتراوح غزارته بين 8-10 م2 في الثانية ، لافتاً إلى أنه مهما كانت الغزارة فالمؤسسة تأخذ منها 3.8 م3 بالثانية وهذا يكون بأحسن ظروف التشغيل، ونوه بأن المؤسسة تأخذ من نبع السن وفق استطاعة المضخات الموجودة عليه وليس وفق غزارة النبع ، كاشفاً أن المؤسسة لديها مشكلة في المعدّات والمضخات والآليات ، فقد أصبح عمر التجهيزات عشرين سنة وتحتاج إلى تبديل, لكن حالياً توجد أسباب كثيرة لعدم إجراء ذلك, أهمها العقوبات والحصار الاقتصادي.
انخفاض الغزارة
وذكر رجب أنّ فصل الكهرباء الترددي عندما يحدث يصبح ضغطاً كبيراً لينخفض التردد إلى أقل من 50 “هيرتز” ، وهذا ما يؤثر في غزارة مضخات السن بنسبة 15 % ، منوهاً بأنه قبل العام 2011 كان معّدل الضخ من محطة السن 330 ألف م3، وحالياً معدل الضخ 300 ألف متر مكعب باليوم، أي هناك عجز 30 ألف م3 ، ولا ننسى الطفرة العمرانية التي أصبحت بهذه المدّة على مستوى المحافظة وزيادة عدد السكان ، مشيراً إلى أنّ مؤسسة المياه ترتكز على ثلاث نقاط أساسية: هي نهر السن – حوامل الطاقة ومؤسسة المياه كمسؤولة عن التوزيع، لذلك أي خلل بالنقاط الثلاث يؤدي إلى مشكلة.
وعن معاناة قرى (رأس القورية – عوينة الريحان) في ريف القرداحة يقول رجب: قرية عوينة الريحان تقع في رأس الجبل بمنطقة بعيدة، وبالتأكيد فيها اختناقات مائية لكن يفترض أن يكون وضع المياه قد تحسن بهذه الفترة الحالية لأنّ البئرين اللتين تغذيان المنطقة أصبحتا على الطاقة الشمسية وهما بئر ” بسين” من جهة القرداحة وبئر” السنيبلة ” من جهة ريف جبلة، أما قرية ست مرخو فعانت هذا الصيف من مشكلة في مياه الري , ما اضطر السكان لاستخدام مياه الشرب في سقاية المزروعات ، وربما حدوث بعض التعديات على خطوط المياه للسقاية وكذلك الشرب، واعداً بأن تحل المشكلة بأسرع وقت ممكن.
لن تحل المشكلة هذا العام
حل مشكلة المياه في اللاذقية هذا العام صعب ، ولكن من المتوقع أن تكون السنة الأخيرة في العطش والسبب أنه يتم إنجاز محطة التصفية على نفق 16 تشرين، وإنتاجها حوالي 80 ألف متر مكعب يومياً ، من المفترض أن تنتهي نهاية هذا العام أو أكثر بقليل -حسبما قاله رجب- ، لافتاً إلى أنّ إنتاجها سوف يضخ على خزان المنتزه بالمدينة وهو الخزان الرئيس وسعته 50 ألف م3 مكعب ، وسوف تغطي تقريباً 50% من حاجة المدينة، بينما الكمية التي كانت تستجر للخزان من السن سوف يتم تحويلها إلى الريف، منوهاً بوجود تعاون كبير مع شركة الكهرباء وتنسيق تام.
الكهرباء تتحمل 15% فقط من المشكلة
من جهته يقول مدير عام مؤسسة الكهرباء في اللاذقية جابر عاصي : بالنسبة للريف كل ما يطلب من مؤسسة الكهرباء بما يخص موضوع التغذية الكهربائية يتم تنفيذه من أجل توحيد توقيت المياه مع الكهرباء لإتاحة الفرصة لتعبئة المياه ولاسيما في الريف، لافتاً إلى أن الكهرباء تتحمل 15 % من هذا الموضوع ولكن ما تبقى هو دور مؤسسة المياه.
وذكر عاصي أنّ كل المضخات داخل المدينة وخطوط جرّ المياه معفاة من التقنين، مثل محطة السن ، وكذلك حوالي 60% من المضخات معفاة من التقنين، إضافة إلى مناطق كثيرة من الريف معفاة ليلاً وخاصة في أرياف جبلة- القرادحة – الحفة – البسيط – كسب – مبيناً أن أي خط تطلبه مؤسسة المياه من أجل إعفائه من التقنين يتم التجاوب مباشرة.
تشرين