مساعٍ أميركية لإفشال وساطة موسكو .. واشنطن لأنقرة: احتلّوا تل رفعت فحسب!

مساعٍ أميركية لإفشال وساطة موسكو .. واشنطن لأنقرة: احتلّوا تل رفعت فحسب!

أخبار سورية

الجمعة، ٩ ديسمبر ٢٠٢٢

بعد استماعها إلى الطرح الأميركي بخصوص الوضع في الشمال السوري، وإمكانية تلافي عملية عسكرية برّية جديدة هناك، تستقبل تركيا وفداً روسياً رفيع المستوى لتستمع إلى ما لديه أيضاً، علماً أن وساطة موسكو تواجَه إلى الآن بتعنّت «قسد»، ورفضها مقترح تسليم المناطق الحدودية المستهدَفة للجيش السوري. والظاهر أن المجاهرة بهذا الرفض على نحو حاسم، وفق ما بيّنته تصريحات مظلوم عبدي الأخيرة، مردّها تطمينات أميركية تلقّتها القيادات الكردية أخيراً بتمكّن واشنطن من ترسيم خطوط حمراء أمام أنقرة، وحصر أيّ هجوم برّي محتمل للأخيرة في إطار تل رفعت فحسب، وفق ما تفيد به مصادر كردية «الأخبار»
مرّة أخرى، أعادت روسيا رفع مستوى تصريحاتها ضدّ السلوك الأميركي في سوريا، بعد زيارتَين قام بهما قائد قواتها في هذا البلد، ألكسندر تشايكو، إلى الحسكة، والتقى في خلالهما قائد «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي، من دون التوصّل إلى اتفاق يمنع الهجوم التركي البرّي على مناطق في الشمال. التصريحات الروسية الجديدة، والتي جاءت على لسان رأس الهرم الدبلوماسي، سيرغي لافروف، حملت اتّهامات مباشرة للولايات المتحدة بإجهاض مسارات الحلّ التي تعمل موسكو على دفعها. وأشار لافروف، خلال منتدى «قراءات بريماكوف» في موسكو، إلى أن «الأميركيين، من خلال وجودهم العسكري غير الشرعي، يغذّون النزعات الانفصالية بين الأكراد وفقاً لمنطق فرّق تسد»، معيداً التذكير بالاتفاقات الأمنية السورية - التركية (اتفاقية أضنة)، والتي تشكّل أرضية يتمّ العمل عليها لفتح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة.
ولا تزال روسيا تحاول تجنيب الشمال السوري جولة جديدة من الحرب، عبر طرحها تفعيل اتفاقية «سوتشي» الموقّعة عام 2019، والبنود التي أضيفت إليها لاحقاً، والتي تنصّ على العمل ضمن مسارَين متوازيين: الأول إبعاد الأكراد عن الحدود التركية مسافة 30 كلم عن طريق تسلّم الجيش السوري الحدود؛ والثاني يتعلّق بملف إدلب وطريق حلب – اللاذقية، توازياً مع تقديم دفع للحلّ السياسي عن طريق عزل الفصائل المصنّفة على لوائح الإرهاب عن الفصائل المعتدلة وتفعيل الحوار السوري – السوري. على أن «قسد» لا تزال متمسّكة برفضها تسليم أيّ منطقة للجيش السوري قبل التوصّل إلى حلّ سياسي، يضمن استمرار «الإدارة الذاتية»، وهو ما ترفضه كلّ من دمشق وموسكو وأنقرة. ولا يعدّ الموقف الكردي المتصلّب، والذي يأتي بدفع من واشنطن، أمراً طارئاً أو مستجداً، وإنما هو استمرار للسياسة التي اتّبعتها «قسد» خلال الأعوام السابقة، على الرغم من تعرّضها لخسائر كبيرة على الأرض في عفرين وتل أبيض. ولعلّ عبدي عبّر عن ذلك بوضوح في تصريحاته بعد لقائه قائد القوات الروسية، ورأى أن الدفاع عن المناطق المستهدَفة هو مسؤولية الحكومة السورية، وأن الحوار مع دمشق لم ينضج بعد. وكان عبدي قد نشر قبل أيام مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، طالب فيه الولايات المتحدة بالعمل على وقف الهجوم التركي، مؤكداً أن «قسد هي أخلص حلفاء الأميركيين في سوريا».
بدورها، صعّدت الولايات المتحدة من حدّة تصريحاتها، نسبياً، ضدّ العملية التركية، بعد فترة تردّد شنّت خلالها أنقرة سلسلة غارات عنيفة ضدّ مواقع تسيطر عليها «قسد» في مناطق النفوذ الأميركي، شملت منشآت نفطية تعدّ العمود الفقري لاقتصاد «الإدارة الذاتية». وفي هذا السياق، كشفت مصادر كردية، تحدّثت إلى «الأخبار»، أن مسؤولين أميركيين أبلغوا «قسد» أن واشنطن تمكّنت من تقليص المساحة الجغرافية للعملية التركية، وحصرها بتل رفعت فقط، بعدما كانت تركيا تنوي مهاجمة تل رفعت ومنبج وعين العرب. ويعني ذلك، عملياً، تخفيض المكاسب الميدانية التي تدور حولها الوساطة الروسية، وخصوصاً أن تل رفعت تقع في مناطق نفوذ روسيا في ريف حلب، ولا مصالح أميركية فيها، على عكس منبج التي تمثّل البوابة التجارية لـ«الإدارة الذاتية»، وعين العرب التي تمثّل رمزاً سياسياً للأكراد. وبالتوازي مع الإعلان عن استكمال الدوريات المشتركة بين التحالف الذي تقوده واشنطن و«قسد»، أكدت مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أن الولايات المتحدة استقدمت تعزيزات عسكرية خلال اليومين الماضيين من العراق، شملت معدّات وأسلحة جرى توزيعها على نقاط عديدة كانت قد انسحبت منها القوات الأميركية، في محيط المواقع النفطية شمال شرق سوريا.
من جهتها، تنتظر تركيا، التي تستقبل وفداً روسياً برئاسة نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، الاستماع إلى الطرح الروسي، بعد أيام من استماعها بشكل مفصّل إلى الطرح الأميركي. وسيكون من شأن ذلك منْحها مروحة من الخيارات، وخصوصاً بعد التلميحات التي صدرت عن الإدارة التركية حول ارتباط الملفّ السوري بالملفّ الأوكراني، ما يعني البحث عن مكاسب أخرى خارج سوريا أيضاً، من دون إغلاق الباب على القيام بعمل برّي محدود في ريف حلب، في حال عدم وصول النقاشات الروسية - التركية إلى نتائج مرضية.