فرحة الأعياد تفسدها فوضى الأسواق وارتفاع الأسعار.. تغيير المشهد التمويني يتطلب كادراً تخصصياً كافياً

فرحة الأعياد تفسدها فوضى الأسواق وارتفاع الأسعار.. تغيير المشهد التمويني يتطلب كادراً تخصصياً كافياً

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٢

معن الغادري
اعتادت أسواق حلب في مثل هذه الأيام الأخيرة من كل سنة أن تشهد ارتفاعاً حاداً في معظم أسعار المواد والسلع الأساسية، وخاصة أسعار الحلويات والخضار والفواكه وكل ما تحتاجه الأسرة للتحضير لاحتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، ولكن ما يميز هذا العام عن غيره، كثرة العرض وقلة الطلب على الشراء، ومرد ذلك ضعف القدرة الشرائية لدى معظم شرائح المجتمع، نتيجة تدني الدخل وارتفاع الأسعار بصورة جنونية، ودون أي ضابط أخلاقي أو قانوني، وما يزيد الطين بلة، غياب الرقابة وتراخيها في ضبط هذه الفوضى العارمة، وإيجاد حالة من التوازن في الأسعار، وبما يسمح للمواطن بأن يؤمن الحد الأدنى من احتياجاته، ليس للاحتفال بالأعياد والتي باتت نوعاً من الرفاهية، وإنما لتأمين قوت يومه.
تطمينات ولكن
 
على الرغم من كل تطمينات المعنيين بالشأن التمويني والمعيشي بدءاً من الوزارة المختصة، مروراً بمجلس المحافظة، وليس آخراً بما يسطر من ضبوط تموينية، نجد أن المشهد التمويني في حلب يزداد سوءاً وتعقيداً وعلى نحو بات من الصعب على هذه الجهات المعنية ضبط ميزان وإيقاع السوق وآلية العرض والطلب والتي يتحكم بها التجار على هواهم لجهة احتكار المواد والسلع أو لناحية فرض الأسعار المزاجية والتي تحقق لهم نسب أرباح خيالية لا تتوافق مع القيمة الحقيقة للسلع وجودتها.
 
ووفقاً لمعظم استطلاعات الرأي السابقة والحالية حول واقع الأسواق وارتفاع الأسعار دون هوادة صباح كل يوم، كان القاسم المشترك بين كل الآراء، ضعف الرقابة المنوطة بمديرية حماية المستهلك، وعدم قيامها بواجبها ومهامها كما يجب، بالرغم من صلاحيتها الممنوحة والتي ينص عليا المرسوم رقم 8، إذ يقول العديد ممن شملهم الاستطلاع، أن اكتفاء حماية المستهلك بتنظيم الضبوط ومن ثم إجراء التسوية مع المخالفين، لم يغير من الأمر شيئاً، بل على العكس، زاد من أعباء المستهلك، الذي سيتقاسم دفع المخالفة مع التاجر، الذي سرعان ما يقوم برفع الأسعار ليعوض ما خسره مادياً جراء دفعه المخالفة.
 
الحل مفقود
 
ويرى آخرون أنه لا يوجد أي حلول بالأفق لهذه المعضلة، في ضوء التحايل والالتفاف على القوانين، مشيرين إلى أن الحل يتمثل في رفع قيمة القدرة الشرائية لدى المواطن، من خلال زيادة دخله ورفع مستوى الرواتب والأجور، وبما يتناسب مع الواقع الراهن، إذ من غير المنطقي أن يتراوح دخل المواطن بين 150 و200 ألف ليرة شهرياً، في حين أنه يحتاج فعلياً إلى ثلاثة ملايين ليرة ليستطيع أن يؤمن الحد الأدنى من احتياجات أسرته المكونة من خمسة أشخاص.
 
مغامرة الدخول إلى الأسواق
 
الدخول إلى أسواق حلب، أشبه بالمغامرة، يسهل تحديد بدايتها ويصعب التأكد من نهايتها ونتائجها نتيجة زيادة حدة الصراع الفكري والحسابي لإيجاد حالة من التوازن بين الحاجة اليومية وبين الدخل الذي يكاد يكون معدوماً ولا يكفي لسد حاجة الأسرة لأسبوع، ومن هنا تبدأ رحلة المعاناة والبحث المستميت عن حلول أقل تكلفة، من بينها غض النظر عن مصدر السلعة وجودتها وصلاحيتها، وهي أحد الحلول الدارجة وتتلائم نسبياً مع القدرة الشرائية للمواطن الأقل دخلاً والذي يبحث عن تكلفة أقل في تأمين مستلزمات عيشه ولقمته اليومية، وهو ما يزيد من مخاطر التعرض إلى مشكلات صحية قد يكون ظهور آثارها مؤجلاً ولاحقاً مع مرور الوقت.
 
مواد وسلع خارج الحسابات
 
لم يعد صخب وضجيج الأسواق المعتاد محبباً لدى المواطنين، نتيجة أسعارها المرتفعة والتي فاقت قدرتهم على الشراء، وخاصة اللحوم الحمراء والبيضاء، والأجبان والمكسرات والضيافة والحلويات والتي خرجت نهائياً من حسابات الأسرة بعد ارتفاع أسعارها لدرجة غير مقبولة، إذ بلغ سعر كيلو الحلو المشكل حوالي 100 ألف ليرة، والحلويات الشعبية مثل الكنافة والمشبك وغيرها من أكلات الأسر الأقل دخلاً، يتراوح سعر الكيلو منها من 20 إلى 30 ألف ليرة، أما أسعار الضيافة حدث ولا خرج تبدأ من سعر 60 ألف ولا تنتهي عند حاجز 80 ألف، والارتفاع ينسحب أيضاً على البيض والذي سجل عقب ارتفاع سعر المحروقات سعراً حديداً إذ بلغ سعر الصحن 19 ألف ليرة، وهو ما انسحب على اللحوم الحمراء والبيضاء والأجبان والألبان.
 
أبو مصطفى كغيره من الموظفين، وهو رب لأسرة مكونة من خمسة أشخاص لديه قصة يومية لا تنتهي مع الحاجة المستمرة لتلبية احتياجات أسرته اليومية من المأكل فقط، ويقول هذا العام هو الأسوأ بالنسبة لي، وحمل الكثير من الأزمات، بدءاً من عدم توفر المحروقات، مروراً بأزمة النقل، وانتهاء بالأعباء المالية الكبيرة والمرهقة، لتأمين متطلبات أسرتي من مأكل ولباس وتعليم وطبابة وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية واحتياجات ومصاريف الأولاد، وهو أمر مرهق جداً وكابوس حقيقي يرافقك في كل تحركاتك ويومياتك.
 
ويضيف أبو مصطفى ، أين دور حماية المستهلك وباقي الجهات في ضبط إيقاع الأسواق وارتفاع الأسعار، ويتساءل ما جدوى كتابة الضبوط إن لم تشكل رادعاً وتمنع من حالات الغش، مضيفاً بأنه في كثير من الأحيان وبسبب الازدحام الكبير على الأفران والانتظار لساعات طويلة، يضطر لشراء ربطة الخبز من السوق السوداء بأربعة آلاف ليرة.
 
محمود وهو موظف أيضاً ومعيل لأسرة من ثلاثة أشخاص، يقول لم نعد نفكر بالاحتفال بالأعياد ونهاية العام وبداية عام جديد، ما نفكر به، هو كيف نستطيع أن نؤمن قوت يومنا، في ضوء هذا الارتفاع اليومي للأسعار، مشيراً إلى أن القوانين والقرارات تصدر لكى تطبق، ودون ذلك تفقد قيمتها، وتفقد مؤسسات الدولة هيبتها والمواطن الثقة، وهو ما يبرر مظاهر الفوضى التى تملأ الأسواق، إذ لا تجد من يتابعها أو يراقبها وما زال المواطن هو ضحية جشع واستغلال التجار، وعلى سبيل المثال يتابع محمود حديثه أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك العديد من القرارات بإلزام التجار وأصحاب المحال التجارية بكتابة الأسعار على السلع والعبوات، والتأكيد على الجهات المعنية بمتابعة جودة السلع المطروحة بالأسواق، وتشكيل لجان متابعة ومراقبة لضبط حالات الغش والاحتكار والاستغلال، إلا أن هذه القرارات ظلت مجرد حبر على ورق، وبالتالي ما زال الحال على ما هو عليه بل أكثر سوءاً مع استمرار التلاعب والتحكم بقوت المواطن من خلال رفع الأسعار بلا أي سبب أو مبرر من قبل التجار الذين لا ضابط لهم “أخلاقي أو قانوني”
 
عمل صعب ولكن
 
للإنصاف علينا القول أن المطلوب لضبط حركة وإيقاع السوق لا يتوافق مطلقاً مع  الكادر البشري التخصصي غير الكافي لرصد حركة السوق، ومع ما هو متوفر من احتياجات العمل من آليات ومخابر وغيرها، والتي تخدم العملية التموينية، وفي ضوء هذه المعاناة والدوامة، يصعب تغيير المشهد التمويني نحو الأفضل وإيجاد طرق وأساليب جديدة للتعاطي الناجع مع مفرزات الأزمة السلبية، من خلال تنظيم العمل ووضع رؤية شاملة تمكن العاملين في القطاع التمويني من القيام بالمهام المنوطة بهم على أكمل وجه.
 
ويقول فواز هارون رئيس شعبة حماية المستهلك في مديرية التجارة الداخلية بحلب: إن المديرية وخلال فترات الأعياد تقوم بتكثيف دورياتها ورقابتها، وحالياً وبالرغم من النقص الكبير في الآليات يتم مراقبة كافة الأسواق من خلال توزع الدوريات التموينية، والتشدد بضبط المخالفات، مبيناً أن حلب سجلت أعلى رقم بتنظيم الضبوط التموينية المتنوعة خلال هذا العام، وهذا يدل على جدية التعاطي الحازم مع المخالفين من التجار، مجدداً الدعوة للمواطنين بضرورة التقدم بالشكوى جراء أي غبن يقع عليه، ليتم التعامل معها وفق القانون فوراً.
 
وبما يخص إجراء التسوية على الضبوط المنظمة، أوضح هارون أن ثلاثة حالات فقط تشملها تسوية الضبوط، وهي مخالفة عدم الإعلان عن الأسعار وعدم إعطاء فاتورة للمستهلك، وعدم التقيد بمواعيد عمل الأفران، وخلافاً لذلك يخضع المخالفون للإجراءات القانونية والقضائية التي نص عليها المرسوم رقم 8.
 
وبين هارون أنه ومنذ بداية العام الحالي وحتى الآن تم تنظيم ما يزيد عن 610 ضبط تمويني (سحب عينات) وأكثر من 4100 ضبط عدلي.
 
أخيراً
 
مما تقدم نجد أن المشكلة التموينية تتصدر المشهد العام لمدينة حلب وتتقدم على باقي الملفات، وتتفاقم هذه الأيام الأخيرة من عمر هذه السنة وعلى نحو يزيد من أعباء إضافية على المواطنين، في ضوء اتساع دائرة المتحكمين بالسوق وبقوت المواطن وهو ما نضعه برسم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمعنيين في حلب لمعالجة هذا الخلل الكبير في آليات العمل، والذي أدى بالنتيجة إلى هذه الفوضى العارمة التي تشهدها الأسواق، والتي أكثر ما يستفيد منها هم التجار الجشعين ومن يغطيهم من الفاسدين.
البعث