استخدام ركام المنازل المتهدمة مشروع لانهيارات مستقبلية وغياب غير مقبول لتطبيق قانون “إزالة الأنقاض”

استخدام ركام المنازل المتهدمة مشروع لانهيارات مستقبلية وغياب غير مقبول لتطبيق قانون “إزالة الأنقاض”

أخبار سورية

الجمعة، ٢٤ مارس ٢٠٢٣

 مادلين جليس
أكثر من 4500 بناء في المناطق التي تعرضت للزلزال بحاجة للهدم، بسبب التصدعات والشقوق واحتمال الانهيار في كل لحظة، فماذا سيكون مصير الركام الناتج عن أعمال الهدم هذه، وهل من الممكن الاستفادة منها في مرحلة إعمار البيوت الجديدة للمتضررين الذين خسروا منازلهم جراء الزلزال؟
لعل الحديث عما سيؤول إليه ركام المنازل المنهارة، أو المزمع هدمها من أكثر الأمور تعقيداً. وعلى الرغم من أنه مجرد ركام لبناء كان سابقاً، إلا أنه ولدى كثيرين مشروع منزل آخر في المستقبل، دون التطرق لخطورة الاعتماد على هذا الركام في البناء، أو مدى متانة المنزل المعتمد في أعمدته وأساساته على ركام لمنزل لم يستطع أن يحمي قاطنيه من خطر الزلزال.
نقطة التقاء
تختلف الآراء وتتباين لدى أهل الكار، لكن النقطة المهمة التي تلتقي فيها جميع خطوطهم تؤكد على أن الأنقاض الناتجة عن دمار المنازل جراء الزلزال “تحديداً” لا تصلح لأن تكون عنصراً أساسياً في إنشاء أبنية حديثة مرة ثانية، ولو كانت تصلح لذلك ما كانت تهدمت أساساً، فرغم أهمية عملية إعادة تدوير ما خلفه الزلزال من أنقاض إلا أنها برأي الدكتور عبد السلام زيدان الأستاذ في كلية الهندسة المدنية غير صالحة للاستخدام في إنشاء الأبنية مرة أخرى، سواء كانت حديداً أو رملاً، موضحاً أن هناك نسباً محددة لاستخدام هذه المواد قد تكون بين 20 إلى 30 % من نسبة المواد الطبيعية، وبالتالي لا يمكن الاستعاضة عن الموارد الطبيعية من المصادر الطبيعية بمواد كاملة مدورة.
وفي ذات السياق يرى المهندس المعماري أحمد حاطوم أن المواد الناتجة من الهدم تخضع لعملية تغيير في خواصها الفيزيائية، فمثلاً الحديد المستخدم في بناء الجسور يكون قد تعرض لقوى شد في البناء كما أنه أُجهد لفترات طويلة، الأمر الذي يؤكّد على استحالة إعادة استخدامه كما هو بالأعمدة مثلاً، وذلك يرجع لتغيّر خواصه الفيزيائية ومقاوماته التصميمية، مشيراً إلى ضرورة إعادة تدوير هذا الحديد عن طريق الصهر وإعادة السحب، مع مراعاة عوامل الجودة في هذه العملية.
وأوضح حاطوم أنه يصل إلى ورشات البناء أحياناً حديد معاد تدويره في معاملنا المحلية يحتوي على نسبة عالية من الكربون، الأمر الذي يجعل قدرته ضعيفة جداً على مقاومه القص، وهذا يعني أنه معرض للانهيار وغير مطابق للمواصفات الهندسية، فهذه العملية برأيه يجب أن تخضع لمعايير هندسية صارمة.
توافق
ويتوافق زيدان مع حاطوم في هذه الجزئية مؤكداً هشاشة الحديد المعاد تدويره والذي يترك مجالاً لخروج القاطنين فيما لو حدث زلزال لاحقاً، مشدداً على ضرورة أن يخضع لفحوص لا تتعلق فقط بالشكل إنما بالمطاوعة أيضاً، دون أن ينفي استخدامه لأغراض أخرى، كالأسوار والأرضيات، والدرابزين ومشعات التكييف والتدفئة، والصفائح وغير ذلك من الاستخدامات غير الأساسية في الجملة الإنشائية، في حين يرى حاطوم أن إعادة استخدام الحديد يعتمد على مقاوماته التصميمية، ففي حال كان هذا الحديد مطابق للمواصفات العالمية، فمن الممكن استخدامه في البناء وفق المقومات التجريبية في المختبرات، وفي حال عدم ذلك فيجب منع استخدامه. أما عملية التدوير فهي ممكنة وتخضع لأسس واضحة ويجب أن تنجح خاصة في ظل وجود نسب عالمية من الممكن اختبارها في مختبرات الجامعة أو المرفأ.
وبالنسبة للخلطة الإسمنتية، فيؤكد حاطوم أنّ الركام النّاجم يصلح فقط لأعمال الردم، فهو في الغالب ناتج عن تحطم هياكل مصبوبة ببحص ضعيف يحتوي على نسب عالية من الكلس، ويرى أن أنسب استخدام له هو “الردم تحت الشناجات”.
ماتحتاجه أبنيتا في السابق وحالياً وما يجب العمل عليه هو البناء وفق شروط صحيحة لزيادة قدرة مقاومة الزلازل، كما يؤكد حاطوم، وهذا يتطلّب برأيه تحقيق عوامل واسعة النطاق منها دراسة التربة، ودراسة البناء المعمارية والإنشائية، ودقة التنفيذ، إضافة إلى تحقيق المواصفات، ناهيكم عن ضرورة إجراء اختبارات لكل المواد الداخلة في البناء مع الإشارة هنا إلى أن مواصفات المواد المتوفرة في السوق السورية لا تتناسب مع المواصفات الموضوعة في الكودات في أغلب الأحيان.
خطر الرطوبة
ومن جهة أخرى، فهناك خطر آخر يتهدد الأبنية في الساحل عموماً، وهو خطر الرطوبة الذي لا يقل أهمية عن الزلزال -كما يرى حاطوم- فهو عامل مدمر للأبنية وليس مؤثراً فقط وخاصة في اللاذقية، إضافة إلى وجود أخطاء كبيرة في تنفيذ عمليات الصرف الصحي والصرف المطري، الأمر الذي بدا واضحاً في عمليات الكشف التي بيّنت وجود أبنية متأثرة بشكل كبير وحديدها متآكل، إضافة إلى وجود أبنية معرضة للانهيار لاحقاً نتيجة صدأ الحديد، وما يزيد الطين بلة أن تقارير اللجان لم تعطيها أهمية كبيرة من ناحية تضررها بالزلزال، فهي متضررة بسبب الرطوبة، وستشكل لاحقاً خطراً على ساكنيها، لذلك فمن المهم برأيه أن يتم اشتراط مواصفات لمواد البناء تساهم في تحمل رطوبة الجو التي كانت عامل جوهري في الأضرار بالأبنية.
تحدي
اليوم نحن أمام تحدي ترحيل الأنقاض التي لا تزال تفترش أراضي المناطق المنكوبة، إلا اللهم ما قامت به بعض المجالس بترحيله لفتح الطرق أمام السيارات المارة سواء سيارات إطفاء أو إسعاف أو مساعدات أو غير ذلك، فقد مضى أكثر من شهر على الزلزال تناسى خلاله المعنيون المباشرة بتطبيق قانون إزالة الأنقاض الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2018، الذي يفصّل في أبوابه ومواده أحقيّة هذه الأنقاض، وسبل ترحيلها وإزالتها وآلية العمل بها.
وعلى الرغم من أن هذا القانون حدد في الفقرة (أ) من المادة الثانية وبوضوح وجوب أن يصدر المحافظ وبناء على اقتراح الوحدة الإدارية قراراً يحدد فيه المنطقة العقارية والمباني المتضررة المشمولة بأحكام قانون إزالة الأنقاض، ويحدد فيه القرار المهلة التي يجب فيها على الوحدة الإدارية إعداد تقرير مفصل عن واقع هذه المنطقة على ألا تزيد هذه المدة على 120 يوما، إلا أننا لم نسمع وحتى هذه اللحظة عن أي قرار صدر عن محافظ إحدى المدن المتضررة بفعل الزلزال، لا فيما يخص تحديد المناطق المتضررة، ولا إعداد التقارير.
مجلس مدينة حلب أكد وعلى لسان نائب رئيس مجلس المدينة جميل كنيفاتي أن العمل يتم حالياً على جرد المناطق والأبنية المتضررة المشمولة بأحكام هذا القانون وجمع الثبوتيات، مشيراً إلى أن ما يحدث هو جرد أولي لهذه المناطق وليس نهائي، معللاً ذلك بحجم الضرر الكبير أولاً، وثانياً كون لجان السلامة العامة ما تزال تعمل على جرد الأبنية المتضررة التي هي بحاجة إلى هدم. لكن ليست كل الأنقاض، فالأنقاض التي يمكن لمجلس المدينة التعامل معها بحسب كنيفاتي، هي مخلفات الأبنية المتهدمة بما تحتويه من مواد داخلة في البناء أو الإكساء وما لا يصلح كمقتنيات خاصة.
ويشير كنيفاتي إلى أن مجلس المدينة يقوم حالياً بترحيل الأنقاض من الشوارع والطرقات فقط إلى معمل تدوير الأنقاض والاستفادة منها في تصنيع منتجات تستخدم في أعمال البناء ورديف الرصيف وتصنيع البلوك اللازم لتسييج العقارات الفارغة.
أما بالنسبة للأنقاض الموجودة ضمن الملكيات الخاصة من العقارات المتضررة فإنه لم يتم التصرف بها بسبب الحجم الكبير لهذه الأنقاض والتي من الممكن أن تحتوي على مقتنيات خاصة فإنها تترك داخل حدود العقار ريثما يتم جردها، علماً بان عملية إزالة المباني الآيلة للسقوط يتم بموجب تقارير لجان السالمة العامة المصدقة أصولاً ويتم تنظيم ضبط شرطة يوصف المحضر ومقتنياته بشكل دقيق وذلك حفاظا على الممتلكات الخاصة.
وفي الرد على وصفنا لعملهم بالبطيء والمتأخر، بين كنيفاتي أنه ومنذ اللحظة الأولى للزلزال تم تشكيل غرفة عمليات، تقوم حالياً باستلام تقارير اللجان المكلفة بتقييم الأبنية وبيان ما هو مطلوب العمل فيها وفق تقارير هذه اللجان وتقديم المساعدة للمتضررين للحصول على الوثائق اللازمة لتثبيت ملكياتهم، إضافة إلى إعداد تقارير وتحديد نسب الأضرار والنفقات المتوقعة والتجهيزات اللازمة لإزالة الأنقاض ليصار بعد ذلك إلى تطبيق الإجراءات الواردة في القانون.
البعث