دعنا ننتصر

دعنا ننتصر

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٧ يونيو ٢٠١٦

نحن نثق بك، فثق بنا أيها المتجلي السرمدي الكلي، الأول بلا بداية، والآخر بلا آخرة ونهاية، لك وحدك نرنم بفخر، ونستجديك، لأنك أسمى ما في الوجود، ولأننا نثق بك، ندعوك لتثق بنا، يا محيطنا الأزلي أحطنا بهالة الحماية، وامنحنا من الحياة حياةً كي نكون لها، وأعطنا من عقلك الكوني فكرةً تدلنا بها على الخلاص تحت مشيئتك، نستقيم، نمضي بشجاعة مقدسة إلى الأمام، يسقط منا الكثير على سبل الوصول إلى حياتك، أبديتك، خاصيتك الممسكة بزمام أمورها، ومن ثمَّ أمورنا، دعنا ننتصر ونحن نسير على هسيس خطا رسمتها بقدرة طاقتك الكونية التي لا نعلم عنها، إلا إذا بحثنا جدياً في أسباب وجودها، والتي مهما بلغنا من القول، فلن نملك منها إلا القليل، لأنها إرادتك، كذلك تكون مشيئتك وجودنا وأسبابه، ومعرفتك في أننا نريد قول الحقيقة لبعضنا بكونك تعرفها وحدك أنت مسبقاً.
من أنت أيها الإنسان؟ هلا تفكرت فيمن أعدَّك لهذا العالم المادي؟ وأيُّ جدوى سيجنيها منك، وأي جزاء يعود من فعلك عليك لا عليه؟ فكِّر لحظة أن يحل الغضب غضبك عليك في حالة الانعكاس مع ذاتك وكيفية تغيير لون وجهك الدموي، كيف تتحول إلى شرير يأخذ بك إلى الهلاك، ومعك يذهب كل المنافقين، كل المذنبين، ليعود إشراق الطيبين المؤمنين فقط بروعة الانتصار للحياة الذين يرعون الخير ضمن الزمن المحدود، يتركونه كما هو خيراً، يستمر الخيِّرون في رحلاتهم نحو الزمن اللامحدود؛ زمن النزول إلى عالم البقاء الأبدي، حيث لا عودة من أجل استمرار الآخر، وإلا لكانت حياةً واحدةً، بقاءً واحداً، وبعدها يكون اللا بقاء غير المعلوم، ولما كان فيها استمرار للوجود المعرف الذي به ومن خلاله عرفناك، وأنك استمررت في السبب، وتركتنا نتحرك حول الأسباب.
دعنا ننتصرْ ونصلِّ لوجودك بيننا، نتصلُ بك لا ننفصل عنك، تجعلنا معك صالحين، نحمل منك شرفك المقدس، نسمو بحقيقة حقائقك إليك بسلام، حيث أنفاسك السلام، تحل فينا فنغدو معه لطفاء، وتبرق الأعين به حباً وخيراً ومساعدةً على نمو الخيرات، ينجح العالم كثيراً، تتحقق أمانيك في مخلوقاتك التي أردتها صلاحاً وطيبة لا شراً وخبثاً، لا أبالسة ولا شياطين  تنهب الأرض بحلول نورك، لأنها تنشط  في الظلام، تريد استلاب كل شيء من وجه أرضك؛ وجه إنسانك الذي تحب، كي يحب على الدوام، لأنه مسكنك الأول ومسكنك الدائم، ألم تبنِه بيديك، ورعيته بعينيك، ونفخت فيه من روحك التي يحيا بها، أي إنك تحيا به ليغدو على شاكلتك، أليست تلك هي إرادتك، كذلك هو أنت، أنت هو إنسانك الذي يدعوك دائماً لمنحه المجد والتألق والمقام الساطع، لأجل ألا يتحول إلى بشريته الشريرة التي لا تنشدها، والتي أودعتها منه بغاية خيرك، إلا أنه كثيراً ما ينفلت له، أجل لأجل بقائك نتقاتل، ومنه ينشأ السؤال الغامض علّك ترشدنا إلى الجواب لماذا يتفعّل الشر على الطرف الآخر، أي أمام الخير، ويا ليته كان في المقابل، إلا أنه موجود في كل مكان، ومادام أنه قتال بين الخير والشر، بين الحق والباطل، لماذا تطيل أمد الحرب وتدعنا ننتصر، أليس أول الكلام يدلنا على آخره، بحكم أنه يؤسس لجميع محاوره، نحن قدَّمنا القرابين التي سارت إلى مبتغاها، فإن أردتها إرضاء لك فقد حصلت ونحصل، وإن كانت بغاية تخفيف أحمالنا، فأيضاً هذا في الحاضر الغائب الصورة التي يسأل عنها الإنسان، يبحث من خلالها عن الرسام الذي أحدث له هذا الصراع الدائم بين الخير والشر، أساس قيامته الحياة، وقدرة الإنسان الباحثة دوماً عن معرفة الخير والإمساك بنواصي خيوط الشر، وبينهما غدت مسألة الروح سر الأسرار، ورغم الحرية الجوهرية الممنوحة للإنسان، إلا أنه يقف عاجزاً حتى اللحظة عند حدود وجودها في جوهرها ومغادرتها لهذا الجوهر.
دعنا ننتصر على نار أحقادنا، لتزيد من النقي الطاهر فينا، بعد أن نعمل على تهيئة أنفسنا بتطهيرها من كل الشوائب والعوالق، ودعنا بعدها نمتلك القدرة على إطفائها، فإن كان ماؤنا قليلاً التهمته من دون أن نقدر على فعل شيء من حيث تفكيكها له، وتأجيجه لها، أي إنها التهمته؛ التهمت النار الخير، وقضت على كل شيء، حيث لا تبقي ولا تذر، ويكون هذا عكس إرادتك، لأنك لا تريد إلا انتصار الخير، وإذا كنت تريد ذلك فدعه ينتصر، وإن كان ما نراه يدخلنا في لعبة الحياة والموت، حيث يحصد الإنسان ما يزرعه، ويقتل وجوده مما يصنعه.
لا يمكن لكائن استلاب مجد كائن، أنت ساعدته في صنعه، لأنه يكون مجدك الممهور بالطهر والصفاء والنقاء ممتزجاً بصدقه وأمانته وإخلاصه، لذلك نجدك تمنحه الألق والبهجة مع تجلي السعادة على الإقامة في حياته المقدرة، مادام هو كذلك، وبذلك نحرز النصر في المعارك الحياتية المتعددة الأوجه على الأحقاد التي تدمر دائماً الخير، وتمنع انتصاره، إلا إذا شئت، لأن مشيئتك الخير، تعالوا نصلِّ لذاتنا، لجوهرنا، لوجودنا، فهو يراقبنا بكونه يحيطنا، وفي الوقت ذاته مسكون فينا، يعلم صدق جوهرنا وكذبه، فإذا تأكد أننا مع جوهرنا صادقون، باركنا ودعمنا لحظة أن نتجه لتحقيق النصر، يدعمنا من الخلف، من حيث لا ندري، هنا يدعنا ننتصر، لأن الشجاعة تولد الشجعان، والرحمة تنجب الرحماء، والقوة تظهر على الأقوياء والمتنورين، يمنحهم نوره، فيغدون مفعمين بالنشاط؛ بل أكثر نشاطاً.
نسألك عن الفكرة الخاطئة التي نتمتع بها، ونتناقلها من ذاك الموغل في القدم وحتى اللحظة المعيشة عن مخلوقك الذي أطلق على حضوره إنساناً، وعن ذاك الماضي الذي يجسد أصولنا، هل ستفتح لنا الأبواب كي ندخل إلى عقلك الكليِّ الذي سميته جنانك، أم ستدعنا نقتتل في نارك وعلى نارك عالمنا السفلي، دعنا ننتصر كي نتابع مسيرة إنجازك.
د.نبيل طعمة