الوعي الجديد

الوعي الجديد

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٩ أغسطس ٢٠١٦

يرفض تقبُّل القسمة، يسأل المواطن عن استعادة وتطور مجد الوطن، من يعمل لأجله، من يجرؤ على ذلك؟ العداوة.. البغضاء.. الغريب.. القريب.. هل يمكن كل ذلك منا كمجتمع آمن؟ هل أصبحنا خصوماً؟ هل نعارض أي شيء لأن الآخر الحاقد أنشأ المعارضة؟ هل ينبغي أن ننفي بعضنا، أم ننتفي؟ لماذا كتب علينا البؤس والفاقة والتهجير والتشريد؟ ما معنى العيش المضني ومرارة طعم الحياة والاغتراب ضمن أرضنا وَجَحد الجميل السابق؟ هل يكون سبب ما حصل ويحصل واستحالة وجود صواب للرؤية لاحقاً بغاية خلق جمال مضاف على ما كان؟ ما معنى استهجان الحياة المادية الكريمة واللجوء إلى الحياة الروحانية؟ هل من عودة للقاء وإجراء العتاب الرقيق والاقتراب من الاعتراف بالندم الصحيح؟ إنه بلدنا وهذا شعبنا الممتلئ بالقصص والحكايات والأساطير المنسوجة من أشعة قوس قزح على رقعة شطرنج، وعليها تقع مأساة يتقاتل الأبيض مع الأسود، والحب مع الكراهية، والإيمان مع الكفر، منهم الطغاة الساعون لاغتيال زمن اللقاء، ومنهم السفلة الموعودون بالارتقاء، لماذا حضر كل الأعداء دفعة واحدة، واخترقوا نوافذ وأبواب بلدنا منتفضين غضباً على ما فيها، دافعين بأصحاب الخطيئة كي يغتالوا الجمال والأمن والبررة المؤمنين الأطهار، أولم يعلموا أننا وحدنا نمتلك حق التقاضي، ونحن من نقرر العقاب على الرغم من الحزن الممضّ، نحافظ على آمالنا العريضة والواسعة في حقنا بالحياة، وأن أنفاسنا الرقيقة قادمة من تعلقنا بالأرض والسماء خاصتنا، يتابعها الكلي المكون أثناء صعودها وهبوطها إليه ومنه إلينا، لم نؤمن يوماً بالجحيم بكوننا واثقين بأننا نصنع الجنان، إلا أنهم أصروا أن يصنعوا لنا جحيماً، فلم نستسلم له، ولم نَلُنْ أمام النائبات الشداد؛ بل نحن مصرون أن نسمو على الشدائد، وأن نقدم أنفسنا لها دروعاً وقرابين من أجل بقائنا واستمرار أجيالنا، المجد الإنساني يكتبه سمو الإنسان وترفعه عن صغائر الأمور، على الرغم من أن النار من مستصغر الشرر، ما يأخذ به إلى إحلال الحق ونشر العدالة بين الناس كافة، وعلى الرغم من أن شعبنا ينوء بالخرافات، واعترته المظالم في زمن حلول الجحيم كثيراً، وتحرره من كل ذلك يحتاج إلى التخلص من الوعي القديم وإبداع وعي جديد، يسكنه تفاؤل نوعي، يبدعه من ذاته، وأن يعير الشعب له الآذان المصغية، ويتمسك به كي يبعد التشدد في الدين، ويهذب أفكار الساسة، ويأخذ بيد الاقتصاديين إلى إحلال الرحمة بدل الاستغلال.
إن التشدد أي تشدد سياسي اقتصادي ديني اجتماعي يؤدي إلى القسمة والانفصال عن المجتمع؛ أي إنه يعزز وجوده محلاً الكراهية للإنسانية والتنكر للخليقة والخالق، لذلك تجدني أدعو إلى الإسلام الصحيح غير القابل للتقسيم، حيث لا متشدد، ولا معتدل، ولا ضعيف، الكل يكون به مؤمناً بالعدالة والتسامح بالله والرسل والكتب صاحب المنهج والشرعة السماوية، دين مكمل للديانتين اليهودية والمسيحية، لا المتنافر معها؛ بل المتوافق مع المطلب المادي الذي تنادي به الحياة، لا دين إرهابي، إنما هناك متدينون إرهابيون، ما معنى أن نطلق المسميات على الإسلام؛ متشدد، قوي، معتدل، ضعيف.. ألا يسهم كل ذلك في تعزيز الفرقة الروحية، ما يؤدي إلى تحويل كل ذلك إلى انقسام أولاً وتحوله إلى إرهاب لبعضه وللعالم، وبما أنه شرعة سماوية، لماذا لا نعمل على توطينه في الجوهر الإنساني كمتمم للأخلاق، كما فعلت باقي الديانات، بدلاً من أن نعزز شموليته المركبة والمعقدة، والتي يتحكم بها أولئك الباحثون عن تجهيل الأمة المنادون بالعودة إلى الماضي، من دون قبول التطور، هل يمكن أن يقبل العقل أن هناك إرهاباً متشدداً وإرهاباً معتدلاً بسيطاً عنيفاً، كيف بنا نقبل هذا أو نطرحه؟ أليس الإرهاب جميعه يقف ضد الأديان والإنسانية ومنها الإسلام الصحيح؟ وعلى الرغم من أن العقل الإبداعي أنتج مفاهيم المعارضة ونسبية التأييد ما أدى لظهور اليمين واليسار، وأقصى اليمين وأقصى اليسار، والحمائم والصقور والمعارضة المسلحة وغير المسلحة واحترام الاعتراض، وخضع لنسبة النجاح نصف زائد واحد.
شعبنا يحتاج إلى الوطن بقدر ما هو يحتاج إلينا، نريد أن نزيد من مجده، وتشمخ أبصارنا على عَلَمِه الذي يجب أن يرفرف في سماء كامل أرضه وحدوده، نريد تحريره من الخرافات والأذيال والمظالم، نحن المؤمنين به قادرون على إنجاز كل ذلك، إنه وطننا تحميه أجنحة الروح، وتحميه عقول الوطنيين فيه، هذا الوطن الذي أعطى العالم تعاليم الروح الخالدة، يحاولون استعباده بأدواتهم المنفصلة عن الإيمان ووضع النير على رقاب مواطنيه من أبنائه، متى يستيقظ الغافلون الذين صور لهم من خلال المارقين من الحياة، أننا لقمة سائغة، نحن من أسسنا للعالم شرقاً، ولولاه لما أضاء الغرب والعالم، نحن من نؤمن بروح الحرية التي أنبتت حضارات العالم وبشكل أدى من خلالها إلى ظهور عالم الشمال، نحن الموحدين لله والمتحدين معه، المؤمنين بربوبيته، الواثقين بأنه رب الأرباب وأحسن الخالقين، نتجه معه إلى الحياة، لأنه أرادها لنا كي يستمر فيها وفينا، أوصافه مسكونة في تكويننا، قمم جباله وسفوحها وعذاباته وإثاباته، ثوابه الحقائق الملموسة، أوصاف دنياه دنيانا، كيف بالإنسان يقتل أخاه الإنسان كالشاة، يذبحه، يسلخه، يستخرج قلبه أو كبده، كيف به يرميه في الحفر، يدفنه حياً، كيف به يحرقه، يؤجج النار فيه، يلقي الزيت عليه، كيف به يسحله حياً، يكبر عليه، يرقص فوقه ميتاً، إنه مؤكد ليس بإنسان، ولذلك نجده يسعى للقسمة وللانعزال، كيف بنا لا نشهد الإدانات الصارخة وحتى البسيطة من العالم ومن رجالات الأديان، ومن رجال الدين الإسلامي بشكل خاص، هل غدت التعاليم الدينية سلعاً يتبادلها تجار الدين؟ أم إنهم يقتسمون عوائدها الثرية؟ لذلك نجدهم لا يقدمون على ذلك مسهمين في حضور الانقسام، معززين لغة الاختلاف، من باب أن اختلاف الأمة رحمة، رحمة لمن، للقاتل أم للقتيل؟
نحن بحاجة إلى استنباط وعي جديد من خلال تداعي مفكري ومثقفي هذا الوطن والمؤمنين به دينياً ووطنياً، والهدف الرئيس البحث في الماضي والحاضر وتخليص ما علق ليس فقط بالعملية الدينية من شوائب، وإنما الثقافة والتربية والعلم والتعلم من مفردات ومصطلحات سلبية، أدت إلى ما وصلنا إليه.
د. نبيل طعمة