للإيمان ألف باب

للإيمان ألف باب

افتتاحية الأزمنة

الأحد، ٢ أغسطس ٢٠٢٠

ضعوا ثقتكم كلها في بناء الإنسان الروحي، والتبشير يكون بعظمة الإنسان لا بعظمة رعاته، ما معنى أينما تولوا وجوهكم فثمّ وجه الله؟ وأهم شروط الاطمئنان تصدي الإنسان بنفسه لحل مشاكله الخاصة وتخلصه من فكرة تحصين ذاته بالقوى المادية وأيضاً عدم انتظاره الفرج، بل تعزيز وتنمية الثقة بما يحمله ويريد أن يصل إليه، فإذا آمن بأن كل شخص هو مخلوق جديد يدخل الحياة من أصغر باب يفتح له طوعاً أو قسراً، وكل قوة هي نوع واحد تتمركز بداخله، آمن بأن كل يوم هو يوم قيامة جديد، والطبيعة ليست عدواً للإنسان، وعلى العكس تماماً فهي تساعده من باب أنها حاجة ماسة له، وتمثل له أهم مصدر للجمال والمأساة مع الملهاة وتوليدها له من خلاله مستمر وهي التي علمته اللغة، لأن الألفاظ علامات لحقائق الطبيعة، ومنحته النظام، لأنها تمتلك حيزاً رهيباً مخيفاً ومرعباً، إن فقد دلائل الخروج منها فهي لا تغفر الخطايا، لكونها تقدم الخوف بعد أت تقدم شدة الابتهاج، ومنطقي أن نقول: إن قدرة الإنسان استطاعت جذب القوى الطبيعية وتجييرها إما للخير وإما للشر، والأفضل أن تكون للخير، ما يؤدي لأن يحالفه الانتصار، وعندما يغش الإنسان نفسه لأنه لا يقدر أن يغش القدر أو يداجي الطبيعة أو أن يجعل المياه تجري صعداً، ومنه كان لكل امتياز ثمن، لم يخلق الإنسان للعيش في ماضيه، بل ليفتش في حاضره، ويبني فيه لغده، ومع صدقه فيه تتحرك العدالة التي لا تلبث، عاجلاً أم آجلاً، أن تثبت حضورها.
هل نؤمن بأن كل يوم يظهر علينا هو قيامة جديدة؟ إن الحاضر هو الزمن الحاسم، وكل ولادة تدخل للحياة مخلوقاً جديداً وإن الموت حقيقة حقائق الحياة، ومن دون حدوثه لا تستمر الحياة.
أيها الناس آمنوا بأن الجحيم تصنعونه بأنفسكم،  وأن الجنة مسكونة في عقولكم، وأن معنى هل امتلأت؟ هل من مزيد؟ هي بطونكم وشهواتكم وعدم توقف رغباتكم، وأن الأشرار ينجحون لحين، وأن الأبرار بائسون لحين، وأن حسن السلوك والصدق المتزايد ليسا كل شيء، وأن الحياة لا تكون من دون آلام وأوجاع وانتكاسات هنا وهناك، فسرّها في ذلك هل وعيتم وأدركتم أن الجميع تأتيه الإشارات التي ترشده إلى السير في اتجاه معين، فإن أخطأ يكن ذنبه، وأن الطبيعة ليست إنسانية، والحياة اختيار واختبار، والنفس ليست مادة، إنما متعددة وتضم العديد من الفعاليات التي إن نجحنا في تركيزها وتنميتها كنا إنساناً، وإن فشلنا كنا كسائر البشر أو الدواب، ندب فقط على الأرض، مثل الذين لا يتمتعون بالفكر، لأن الفكر أهم أداة إنسانية يعمل لتحسين الجنس البشري وتغييره نحو الأفضل، وجلّ عموم البشر يتمتعون بخاصتي الجين الوراثي والتطور الثقافي، ولا تغير يطرأ على الإنسان إن لم يستفد من قيمة التطور الثقافي وتنمية الجين الوراثي، والقيمتان تتعلقان بآليات قبول العلم والتعلم أو البقاء في المجرى الطبيعي ذي النمو العشوائي والفوضوي والوصول إلى الحق والخير والجمال، أي إلى ثالوث الحياة المقدس الذي يحتاج إلى الفاعلية والقدرة التي تحدث التوءمة بين الوسائل والغايات.
تفكروا تجدوا أننا والنبات والحيوان سواء في مادة العيش التي تقوم عليها الأجساد، ولا يمكن الاستغناء عنها، وضرورة النبات والحيوان هي للإنسان، بينما ضرورات الإنسان في أسباب وجوده هي الهامة المهمة الموكلة له، هي البحث والإعمار والتسوير والاستكشاف والتنوير والإثارة والإدارة.
كم من البشر على الأرض مؤمنون، وكم المتدينون؟ ما حجم الناكرين والجاحدين بحقائق الكون بإنسانية الإنسان؟
هنا أقول: إن التفكير يقود للعمل، وإن العمل يحتاج إلى الإيمان الذي يدفع لامتلاك الحب منه لتحسين الأداء والنفس والحضور والارتقاء، وهذا ما يوصل الإنسان إلى الطريق الصحيح الذي يبحث عن أبوابه الجميع، هل تعتقدون أنه من دون الإيمان بالشيء أي شيء لا يمكن الوصول إلى تعريفه ومعرفته ليبقى شيئاً، وهذا ما لدى سواد البشرية؟
فالاستعداد لفعل الصح يعني أن تكون مستعداً للخطأ، والحياة لا تنافي الخطأ، إنما تنافي الجمود في الفكر والعاطفة، حيث يغدوان غير قادرين على منع الوقوع في الخطأ، لكنهما يرفضان أن يبقى الإنسان آلة تستعبدها العادة، ويستكين بها استسهال القضايا والأمور وسواد الناس، إذا اجترحوا إثماً سحقتهم وطأة الندم، لذلك أجد أن العالم الروحي يشكل عملية يجب أن تمتلك علمية كاملة للانضباط، ترتكز في حضورها على سرية تامة، تشير عليها الأفعال، فتحكم عليها وتحاكمها، هذه العملية يطلق عليها الإيمان، لأنها تؤمن بالحب والإبداع والإنتاج، وبالطبيعة الكلية وبالجمال الكوني الكامل الصفات، وإن أصعب ما في حياة الإنسان هو تغيير ما اعتاد عليه، وأهم عادة هي التدين بدين أو بمذهب أو بطائفة أو حتى بأيديولوجيا، واسمحوا لي هنا أن أسأل الجميع: هل أنتم مؤمنون أم متدينون؟ وأيهما أهم الوصول إلى الإيمان عن طريق العلم أم عن طريق الدين؟ وكما ذكرت أن لهذا الكون سراً لم نصل إليه، فهل يكفي الإيمان بالغيبي، أم الاتجاه إلى العلمي؟ الذي في النتيجة يصل لتفكيك الكثير من الأسرار ومعظم الألغاز، وأضيف: إن جميع الأديان السماوية الوضعية تدعو إلى الإيمان، إلا أنها تستخدم العواطف والأحاسيس.
هل يتم إعمار هذه الدنيا بالرخاء والدعاء أم بالعلم والعمل؟ هل أدركنا أننا حينما نؤمن نطلب أشياء غير العظمة والرخاء والحماية، ومنه أقدر أن أقول: إن الإيمان في صميمه تلاؤم بين النفس والوجود الذي يكون فيه مخلوقه، ولا أن يكون تنافراً بين الموجود وبين الوجود.
من كل ما سرت به تحت عنواننا، أصرح بأن هناك فارقاً وجامعاً بين الإيمان والأديان، فإذا كان لكل دين باب تدخل منه إليه، وكذلك لكل طائفة، فإن جوهر الجميع هو الإيمان من البوذية للهندوسية لليهودية والمسيحية وللإسلام، ولكل الطوائف، حتى للأديان الحديثة صغيرة كانت أم كبيرة، يحمل كل منها باباً، وإذا وصلتم للجوهر توحدتم مع عمود النور الواحد الذي يتوزع نوره بين الكل، أي وصلتم إلى النبع، ليس لديه أديان أو طوائف أو مذاهب، إنما لديه إنسان وطبيعة، وهما الاثنان يشكلان الكون وحركته وفعله وانفعاله، لذلك كان للإيمان زمان ومكان، أي أينما كنت يكن، إذا أردت أن تكون وألا تكون، ولا تكون، فإذا كنت في الصين وأنت متدين بدين فلن تكون إلا إذا آمنت بأن الصيني إنسان، وهو أخ لك في الإنسانية، فيكون زمانك جامعاً، ومكانه فرقاً، وإذا دخلت معبداً بوذياً أو هندوسياً وكنت مؤمناً فستجد ما تريد فيه، وهذا ينطبق على الكنيس وعلى الكنيسة والمسجد، أما إذا كنت على غير ذلك واعتبرت أن لك باباً واحداً فستكون متديناً غير متصل بجوهر الحقيقة التي تسكن الإيمان.
كم من البشر يُعَدون ويؤمنون بأن الرسائل الكونية أساس للحقيقة التي لا يمكن للإنسان صناعة مثلها.. الأرض السماء الروح التراب، هذه التي تكون رسائل الحياة وأدوات استمرارها، هل نتفق على أن أديان العامة غير إيمان النخبة، فالدين حالة أرضية وطقوس وعبادات، والإيمان وحي وكون وتأملات فكرية تنتج وتنخب ما يفيد البشرية جمعاء، من دون التطلع من أي باب تدخل، بينما كل دين يريد إغلاق باب الآخر، كيف يكون ذلك؟ وأكرر: أليس جوهر الجميع يحمل غاية واحدة ألا هو الإيمان؟ فأين نحن من إدراك كل ذلك؟.
 د. نبيل طعمة